في غضون يومين، شهدت مدن أوروبية حادثتي دهس وطعن نفذهما شابان من طالبي اللجوء في ألمانيا والنمسا، ورغم تباعد المسافة بين الحادثين واختلاف جنسياتهما، إلا أنّ دوافعهما تبدو واحدة، وذلك بعد أن كشفت التحقيقات عن وقوف تنظيم "داعش" خلف العمليتين. وخلال السنوات الماضية، شهدت بلدان أوروبية حوادث طعن مماثلة على فترات زمنية مُتباعدة، حيث استخدم المهاجمون تكتيكات "الذئاب المنفردة" التي يصعب توقعها والسيطرة عليها، الأمر الذي يفتح الباب أمام التحديات التي تواجهها أوروبا جراء تنامي هذه الظاهرة، وفق محللين. بالأمس، قام شاب سوريّ وهو طالب لجوء إلى النمسا بتنفيذ حادثة طعن ما تسبّب في وفاة شخص وإصابة 4 آخرين، فيما كشفت السلطات النمساوية، أنّ تنظيم "داعش" قام باستقطاب الشاب خلال الفترة القليلة الماضية. يأتي ذلك بعد يومين على هجوم بسيارة نفذه طالب لجوء أفغاني في ميونخ بألمانيا وأسفر عن مقتل طفلة تبلغ نحو سنتين ووالدتها البالغة 37 عامًا وإصابة 37 آخرين. ويرى محللون أن هذه الحوادث سيكون لها انعكاسات سلبية كبيرة على اللاجئين العرب وخصوصا المسلمين في أوروبا، في ظل تنامي تيارات اليمين المُتطرف في القارة العجوز، عبر تشديد إجراءات الموافقة على طلبات اللجوء فضلا عن ترحيل أعداد كثيرة من اللاجئين هناك."الذئاب المنفردة"وفي التفاصيل، ترى الباحثة في المركز المصريّ للفكر والدراسات الإستراتيجية، منى قشطة، في حديث لمنصة "المشهد" أن لهذه الحوادث دلالات عدة منها:هذه الهجمات تأتي بعد تصاعد تهديدات تنظيم "داعش" للدول الأوروبية خصوصًا "داعش خراسان" خلال السنوات الماضية.على الرغم من الإجراءات الأمنية المشددة التي اتخذتها الدول الأوروبية خلال السنوات الماضية لتفكيك ومنع وقوع أي هجمات إرهابية إلا أن الإستراتيجية التي تتبعها "داعش" من خلال هجمات "الذئاب المنفردة" تضع أوروبا أمام تحديات كبيرة فيما يتعلق بمنع تكرار هذه الحوادث."داعش خراسان"قام باستغلال الحرب الروسية الأوكرانية، والتسهيلات التي منحتها أوروبا للاجئين الأوكرانيين في التسلل والعبور إلى هذه البلدان بهويات أوكرانية مزورة.التنظيم يقوم ببث مجموعة من الفيديوهات تتعلق بتكتيكاته في تنفيذ هجمات منفردة وهو ما يشجع الكثير من المؤيدين له وحتى غير المؤيدين من الاستفادة بتلك الفيديوهات في تنفيذ عمليات مماثلة.يستخدم "داعش" الحرب على غزة كذريعة لاستقطاب عناصر شابة غير منتمية للتنظيم ويساعدهم على تنفيذ الهجمات على البلدان الأوروبية.من جانبه، يرى الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية، أحمد سلطان، أن الهجمات لا ينفذها عناصر عملياتية تابعة للتنظيم على عكس ما يُقال، لافتا إلى أن "داعش" يركز في الوقت الحالي على بناء شبكات الدعم والتمويل في أوروبا وبالتالي لا يلجأ إلى حرق عناصره في الوقت الحالي. وأضاف في تصريح لـ"المشهد" أن الهجمات التي ينفذها "ذئاب منفردة" في الأساس هي عناصر يتم تجنيدها ولكن ليست تابعة تنظيميًا وعملياتيًا لـ"داعش".تصاعد خطاب الكراهيةومع تكرار حوادث الطعن والدهس التي تشهدها البلدان الأوروبية، تبرز المخاوف الخاصة بأوضاع اللاجئين العرب والمسلمين في تلك البلدان، خصوصًا في ظل تنامي تيارات اليمين المتطرف ووصولها إلى الحكم في النمسا وإيطاليا. وأوضحت منى قشطة أن هذه الهجمات فرصة وورقة انتخابية مجانية لليمين المتطرف الذي يتبنى رؤية معادية للاجئين. وقالت "بشكل عام، تُنشئ الهجمات الإرهابية التي ينفذها اللاجئون حلقة مفرغة من العنف والعنف المضاد، تبدأ مع تحفيزها لصعود جماعات اليمين المتطرف، وقيامها بشن جرائم عنيفة ضد المهاجرين الأجانب، وتأجيج خطابات الكراهية ضد المسلمين وربطهم بالإرهاب، ما يفاقم بالتبعية ظاهرة الإسلاموفوبيا". بدوره، قال المتخصص في شؤون الهجرة، الدكتور أيمن زهري، إنّ حوادث الطعن التي تشهدها أوروبا تؤثر بلا شك على المهاجرين العرب والمسلمين في أوروبا، حتى وإن كان مرتكب الهجوم غير مرتبط بالعرب. وأشار في حديث لـ"المشهد" إلى أن هذا الهجوم يأتي في وقت حرج للغاية حيث تشهد أوروبا تصاعد اليمين المتطرف المعارض للهجرة وهو ما يزيد منن التحركات المناهضة لوجود العرب والمسلمين هناك.تشديد إجراءات اللجوءورأى أن التداعيات السلبية لهذه الحوادث لن تقتصر فقط على البت في طلبات اللجوء بأوروبا ولكن على أوضاع المهاجرين وحتى الأوروبيين الحاصلين على الجنسية ومن أصول عربية ومسلمة. وأوضح زهري، أن الدول الأوروبية لديها مجموعة من المعايير تقوم بتطبيقها فيما يتعلق بطلبات الهجرة واللجوء، لافتا إلى أنها قد تلجأ إلى اتخاذ إجراءات أكثر تشددا عبر تعديل بعض التشريعات الخاصة باللجوء. ويتفق الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية، أحمد سلطان مع الطرح السابق، قائلا إن الحكومات اليمينية تقوم باستغلال هذه الحوادث من أجل الضغط على الجاليات العربية والمسلمة. وأضاف "رغم أن هذه الحوادث بعيدة المدى ومتقطعة لكن يتم توظيفها واستغلالها سواء في النمسا أو خارج النمسا"، لافتا إلى أن المُهاجر العربي والمسلم هو من يدفع الثمن الأكبر نتيجة هذه العمليات. وأشار سلطان إلى وجود اتجاه في القارة الأوروبية بشكل عام يميل إلى ترحيل اللاجئين والتشديد في طلبات اللجوء وحتى في الإعانات الخارجية التي تقوم بمنحها أوروبا للدول الأخرى، مشيرا إلى الإجراءات التي اتخذتها النمسا فيما يتعلق باللاجئين السوريين والإعلان عن مجموعة من الحوافز من أجل تشجيع العودة الطوعية للاجئين.ترحيل اللاجئينمن جانبه، قال مسؤول ملف المهاجرين في حزب "فورزا إيطاليا"، الدكتور حسن أبو حرفوش، إن عمليات الطعن والدهس في أوروبا ليست بجديدة ممن بعض الجاليات سواء العربية أو الإسلامية أو حتى الآسيوية أو من أميركا اللاتينية.وأضاف في حديث لمنصة "المشهد"، "لكن الإعلام وبالأخص إعلام اليمين المتطرف يقوم بشكل مباشر بتوجيه الاتهام إلى الجاليات الإسلامية، قبل أي تحقيق من قبل السلطات والشرطة لأنه يخدمه في الحملات الانتخابية"وأشار أبو حرفوش، إلى أن هذه الحوادث تعرّض بعض الجاليات العربية والمسلمة للمضايقات من السكان والرأي العام وليس من الأجهزة الأمنية أو السلطات المحلية، لافتا إلى أنه في هذه المرحلة يشعر العرب والمسلمون بأنهم جميعا تحت المراقبة.وفيما يتعلق باحتمالية تسريع ترحيل المهاجرين السوريين من أوروبا، قال إنّ هذه الحادثة لن تؤثر وليس لها علاقة بالاجراءات التي تتخذها الدول الأوروبية بحق اللاجئين، مشيرا إلى أن أي إنسان يحق له اللجوء يقوم بتقديم طلب ويتم دراسة كل حالة بشكل منفرد.وأوضح أبو حرفوش، أن هناك تشديدات من بعض الدول فيما يتعلق باحتمالية مرور مهاجرين عبر حدودها، مضيفا "أما بالنسبة لتشديد الإجراءات للاجئين السوريين أو إعادتهم لبلادهم فليس هناك نية لدى الاتحاد الأوروبي بالأخص السوريين لان بلادهم هي بلاد حرب في الوقت الحاضر".وأشار إلى أن عملية البت في طلبات اللجوء تحتاج لفترة تتراوح ما بين 6 إلى 8 أشهر، لافتا إلى أن رفض طلبات اللجوء في بعض الدول الأوروبية يعود إلى مخاوفهم من احتمالية تسلل عناصر قيادية من النظام السوري السابق وهو ما قد يشكل أزمة دبلوماسية فيما بعد في حال طلبت سوريا بتقديمهم للعدالة هناك باعتبارهم ارتكبوا جرائم"(المشهد)