تركت الحرب الأوكرانية الروسية حركات وأحزاب اليمين المتطرف في حيرة من أمرهم: هل يدعمون النظام الروسي الذي لا يعترف بالحدود الحالية لأوكرانيا أو القوميين المتطرفين الذي يقاتلون في الجانب الأوكراني مثل كتيبة آزوف؟ هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها هذا الالتباس في موقف اليمين المتطرف.يتخذ اليمينيون المتطرفون أشكالا تنظيمية متعددة، ولديهم أهداف سياسية خاصة ومفاهيم مختلفة للديمقراطية، والمواطنة، والحكم. لفهم هذه الأيديولوجيا المعقدة، من الضروري العودة إلى تاريخها والوقوف عند مبادئها.ما هو اليمين المتطرف؟الحزب عبارة عن تجمع لأشخاص لديهم نفس الأفكار السياسية، هدفهم هو أن يتم انتخابهم حتى يتمكنوا من تنفيذ هذه الأفكار. بعض الأحزاب على اليسار، تتمثل أولويتهم في الحد من التفاوتات بين الأغنياء والفقراء، والأحزاب الأخرى على اليمين، تسعى قبل كل شيء إلى تشجيع النجاح الفردي وتعزيز الأمن.هناك أيضا أحزاب تريد تطبيق أفكارها مهما كلفها الأمر، من دون مساومة ولا تفاهم مع الأطياف الحزبية الأخرى أو تناسق مع الأوضاع العالمية: تسمى هذه الأحزاب أحزابا متطرفة.يستخدم مصطلح "اليمين المتطرف" لوصف الحركات اليمينية السياسية والاجتماعية والدينية خارج التيار المحافظ وهي أكثر راديكالية من التيار اليميني المحافظ، حيث يدافع اليمين غالبا عن مجموعة عرقية أو إثنية، ويسعى لحماية مصالحها. لكن هناك خلاف على مصطلح "المتطرف" إن كان يعني الدفاع عن هذه المصالح ولو كلف الأمر عنفا ماديا، أو يعتبر اليمين متطرفا لكونه معاديا للديمقراطية التي تعد المساواة أحد أهم مبادئها.غالبا ما يرتبط اليمين المتطرف بمعاداة السامية والعنصرية وكراهية الأجانب والأقليات سواء كانت دينية أو عرقية أو جنسية.تاريخ اليمين المتطرفولد تعبير "اليمين المتطرف" خلال الثورة الفرنسية وتحديدا في العام 1792، جلس النواب على مقاعد البرلمان، بعضهم على يمين الرئيس والبعض الآخر على يسار الرئيس، وفق التقسيم التالي: من مع المبادئ القديمة لفرنسا أو ضدها. في أقصى اليمين جلس الأرستقراطيون وممثلو رجال الدين والمدافعون عن الملكية، الذين رفضوا مبادئ عصر التنوير والثورة الفرنسية.وبرز مصطلح اليمين المتطرف في عشرينيات القرن 19، وقُدم اليمين المتطرف على أنه معاد للنخب، ولديه ميل للعمل، ومتشوق لاستعادة النظام ومنع ثورة.في أعقاب الحرب العالمية الأولى ارتبط مفهوم "التطرف اليميني" بالفاشية. وفي البداية استخدم مصطلح "الراديكالية اليمينية" كتعبير جامع للأحزاب والحركات المتواجدة في أقصى اليمين، سواء كانت لديها أو ليس لديها علاقة بالفاشية أو النازية.خلال السبعينيات والثمانينيات، استبدل مصطلح "الراديكالية اليمينية" بـ"التطرف اليميني" أو "اليمين المتطرف". وفي التسعينيات أصبح المفهوم السائد لاسيما في أوروبا. أما في أميركا الشمالية فاستخدم مصطلح "تفوق البيض" كتعبير عن الحركات اليمينية المتطرفة.مبادئ اليمين المتطرفتتغذى الأفكار اليمينية المتطرفة على اليأس المجتمعي، المطالب الاجتماعية غير المنفذة، الديمقراطية المنتهكة، وتعزيز سياسات التقشف في الدول. أثبتت أبحاث أن هناك رابطا بين ارتفاع معدل البطالة وارتفاع نسبة التصويت لأحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.حسب المؤرخ الفرنسي ميشيل وينوك، فإن خطابات اليمين المتطرف تستجيب للخصائص التالية:الحنين إلى تاريخ الدولة وماضيها والانتقاد اللاذع لحاضرها.القومية أي الشعور بالانتماء إلى أمة، عظمة شعبها مهددة.معاداة الحريات الفردية وتعزيز الرقابة على الأخلاق.العنصرية ونبذ الأجانب والمهاجرين خاصة المسلمين وكذلك اليهود.اعتبار المعارضة السياسية التقليدية غير قادرة على إدارة الأزمات التي تضرب المجتمعات.التشكيك في مؤسسات الدولة مثل التشكيك في استقلالية القضاء.أكثرهم تطرفا يؤمنون أن مكان المرأة هو بيتها وليس منافسة الرجل في سوق العمل.العداء للنقابات العمالية.الخوف من التغيير الديموغرافي للدولة نتيجة استقبال المهاجرين والاختلاط مع الأجانب.الاعتقاد بأن الدولة يجب أن تتوقف عن تخصيص مساعدات للفئات الأضعف في المجتمع مثل إعانات البطالة.التشكيك في قضايا تغير المناخ ولا يعير اهتماما إلى ضرورة حماية البيئة.اليمين المتطرف والسياسية الاقتصاديةمن الصعب جدا تحديد السياسات الاقتصادية للأحزاب اليمينية المتطرفة بوضوح لأنها تختلف من دولة إلى أخرى. ومع ذلك فالقاسم المشترك هو مناهضة النخب ومعاداة المهاجرين، وهذا لا يخلو من العواقب الاقتصادية، ومن الصعب أيضا تحديد السياسات الاقتصادية لليمين المتطرف لأنه ليس لديهم برنامج واضح.قد تجد في خطابات اليمينين الشيء ونقيضه: مثلا هناك قادة أكثر ليبيرالية مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب والرئيس البرازيلي جايير بولسونارو، كما تجد آخرين في أوروبا يتحدثون عن إعادة توزيع الثروات.على سبيل المثال، في فرنسا على الرغم من أن زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبان تقدم نفسها كمرشحة الشعب، إلا أن الإجراءات التي رغبت في اتخاذها تتمثل في إلغاء الضريبة على ثروات العقارات، والضرائب على الميراث، ودعم ملاك الأراضي، وهذا يخدم مصالح الأثرياء وليس مختلف طبقات الشعب.مبدأ الأفضلية الوطنية وتقلص تدفقات الهجرة الذي يدافع عنه اليمين المتطرف سيؤدي إلى نقص في العمالة، فالتمييز بين في التوظيف على أساس أصل الموظف سيضر بالاقتصاد. بعكس الاعتقاد السائد، يساهم المهاجرون في الاقتصاد الوطني كعمال وكمستهلكين يدفعون الضرائب مثل المواطنين الأصليين.البرامج الاقتصادية لليمين المتطرف تمزج بين خصخصة قطاع من جهة وتأميم قطاع آخر من جهة أخرى دون أي تبرير اقتصادي. وفي أوروبا يدعو غالبية اليمينيين إلى مغادرة الاتحاد الأوروبي أو على الأقل الابتعاد عن الكثير من قواعده لتعزيز الاقتصاد الوطني رغم العواقب السلبية التي قد تتأثر بها بعض الدول الأوروبية مثل فرنسا التي تستفيد من شراكاتها داخل الاتحاد، وتتلقى مساعدات تؤثر إيجابا على اقتصادها.بشكل عام، يجمع اليمين المتطرف قوى يمكن أن تتراوح أفكارها الاقتصادية بين الليبرالية المحافظة والفاشية.الفرق بين اليمين المتطرف واليسار المتطرفيعرف اليمين المتطرف واليسار المتطرف على أنهما الجزء الأيمن والجزء الأيسر الأبعد عن الوسط. ومن خلال هذا التعريف المبسط فإن الطرفين يشتركان في التطرف على المستوى اللغوي لكن أفكارهما مختلفة ومتضادة.تتمحور الاختلافات الجوهرية بين أيديولوجيات اليسار المتطرف واليمين المتطرف فيما يلي:السياسة اليسارية أكثر ليبيرالية فيما السياسة اليمينية المتطرفة أكثر محافظة.تتضمن السياسة الاقتصادية لليسار زيادة معدلات الضرائب على الأثرياء والرفع من الإنفاق الحكومي على البرامج الاجتماعية والبنية التحتية. في المقابل تنطوي السياسة الاقتصادية لليمين المتطرف على ضرائب منخفضة.اليساريون المتطرفون يرون أن المجتمع سيستفيد من دور موسع للحكومة، فيما يعتقد اليمينيون أن أفضل نظام للمجتمع هو عندما يكون للأفراد أهمية أكثر من الحكومة.تركز السياسية اليسارية على المساواة والتقدم والإصلاح. وتتميز السياسة اليمينية بأفكار السلطوية والتسلسل الهرمي والقومية.تقوم السياسة اليسارية على المساواة الاجتماعية والسيادة الشعبية وتقرير المصير وترتبط بحركات التحرر الوطني. بالنسبة لليمينيين تستمد الدولة شرعيتها من الثقافة الأصلية التي حكمتها، بما في ذلك اللغة والعرق والأعراف.السياسة اليسارية ترفض المؤسسات الدينية وتدعم العلمانية، فيما يستمد اليمين المتطرف الكثير من مبادئه من الدين والتقاليد.يرفض اليسار المتطرف الأفكار الشعبوية، فيما نجد هذه الأفكار متكررة في خطابات اليمين المتطرف. والشعبوية هي مقاربة سياسية تروق للناس الذين يشعرون بتجاهل حقوقهم.يؤمن اليسار أن الحصول على الرعاية الصحية هو أحد الحقوق الأساسية لجميع المواطنين. فيما يعارض اليمين الرعاية الصحية الشاملة ويشجع المنافسة على الرعاية الصحية بين شركات التأمين الخاصة.بالنسبة لسياسة الهجرة، يدعو اليساريون إلى حصول المهاجرين على الجنسية، وقف عمليات ترحيل المهاجرين غير النظاميين والحد من الملاحقة القضائية للمهاجرين الذين ليس لديهم أي سجل إجرامي. اليمينيون المتطرفون يرفضون العفو عن المهاجرين غير النظاميين، ويشجعون تعزيز حرس الحدود، اعتقادا منهم أن الهجرة تؤدي إلى خفض أجور المواطنين وسرقة فرص عملهم.يدعم اليسار المتطرف الحق في الإجهاض، فيما يرفضه بشكل قاطع اليمين المتطرف.يدعم اليسار حقوق مجتمع الميم وزواج المثليين. فيما يرفض اليمين المتطرف بشكل عام زواج المثليين لأن هذا يتعارض مع معتقدات دينية.يدعو اليسار المتطرف إلى تقنين شراء الأسلحة ومراقبتها، فيما يعارض اليمين المتطرف بشدة قوانين مراقبة الأسلحة.اليمين المتطرف والإرهابكشفت تقارير أجنبية ارتفاع حوادث اليمين المتطرف العنيفة في السنوات الأخيرة، مؤكدة أن الجرائم المرتبطة بالمتطرفين اليمينيين تشكل الغالبية العظمى من حوادث الإرهاب في الولايات المتحدة. في حين يبدو أن الأشخاص المرتبطين بحركات اليمين المتطرف أو المتعاطفين معها بشكل عام يتبنون آراء عنصرية، فإن غالبية أولئك الذين لديهم مثل هذه المواقف الإقصائية أو المتحيزة تجاه أقليات عرقية أو ثقافية أو دينية قد لا ينتمون إلى اليمين المتطرف.أظهرت استطلاعات الرأي في جميع أنحاء العالم الغربي، معدلات عالية من المشاعر المعادية لجماعات عرقية ودينية معينة، وكشفت بعض الدراسات الاستقصائية أن نسبة كبيرة من المستجوبين تعبر عن آراء عنصرية بيولوجية.يرى اليمينيون المتطرفون أن الإرهاب يرتبط بالمهاجرين والسياسة الرافضة للمهاجرين وتعزيز حرس الحدود من شأنه الحد من الهجمات الإرهابية، هذا الطرح يرفضه معارضو اليمين المتطرف الذين يعتقدون بأن خطاب التمييز والكراهية والعنصرية من شأنه أن يؤجج مشاعر العنف ويؤدي إلى حوادث إرهابية.اليمين المتطرف في أوروبايكتسب اليمين المتطرف قوة في أوروبا، من خلال النجاحات الانتخابية التي حققها لاسيما في فرنسا وبلجيكا والنمسا والدول الاسكندنافية، على سبيل المثال في الانتخابات الفرنسية الأخيرة، احتلت مرشحة حزب الجبهة الوطنية، مارين لوبان، المرتبة الثانية، محققة أكبر نتيجة في تاريخ اليمين المتطرف الفرنسي بأكثر من 40% من الأصوات.يحكم اليمين المتطرف دولتين أوروبيتين هما: هنغاريا وبولندا، هنغاريا بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان المعادي للمهاجرين وحرية الصحافة والمدافع عن القومية المسيحية، الأفكار نفسها يحملها حزب القانون والعدالة في بولندا الذي ينتمي إليه الرئيس البولندي أندجي دودا.في ألمانيا، يتصدر مشهد الأحزاب اليمينية حزب "الطريق الثالث" اليميني المتطرف الذي له علاقة بجماعات "النازيين الجدد" والذي يدعم كتيبة آزوف شبه العسكرية في أوكرانيا، حيث قال على موقعه الإلكتروني إنه يرفض "الإمبريالية الروسية التي ترمي إلى إحياء الاتحاد السوفياتي". ودشّن الحزب حملات لمساعدة الأوكرانيين الفارين من المعارك، لكنه في الوقت نفسه الحزب الذي نظّم العام الماضي تظاهرات على الحدود مع بولندا لمنع تدفق المهاجرين.أما في إيطاليا، فتبرز شخصيتان يمينيتان متطرفتان، زعيمة حزب "إخوة إيطاليا"، جورجيا ميلوني، المشككة في جدوى الاتحاد الأوروبي، وزعيم حزب الرابطة الإيطالي، ماتيو سالفيني، المعادي للمهاجرين والمقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ختاما، ساهمت الأحداث الإرهابية والأزمات الاقتصادية التي شهدها العالم منذ بداية القرن الحالي، في بروز حركات اليمين المتطرف وصعود أحزابها. كما عزز فوز ترامب من ثقة اليمينيين المتطرفين من خلال خطاباته الداعمة لأفكارهم.من المتوقع أن تقلص الحرب الأوكرانية الروسية المسافة بين اليمين الأوروبي التقليدي واليمين المتطرف، بعد أن حقق اليمينيون نجاحات ملموسة في مختلف البرلمانات الأوروبية.(المشهد)