هدمت جرافات إسرائيلية مساحات واسعة من مخيم جنين للاجئين الذي أصبح الآن خاليا تقريبا، وتشق فيما يبدو طرقا واسعة عبر أزقته التي كانت مزدحمة ذات يوم، في محاكاة للتكتيكات التي شهدتها غزة في وقت تستعد فيه القوات الإسرائيلية للبقاء لفترة طويلة.ونزح 40 ألف فلسطيني على الأقل عن منازلهم في جنين ومدينة طولكرم القريبة في شمال الضفة الغربية منذ بدأت إسرائيل عمليتها بعد يوم واحد فقط من التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بعد 15 شهرا من اندلاع الحرب.إقامة طويلةوقال بشير مطاحن المتحدث باسم بلدية جنين: "مخيم جنين تكرار لما جرى في جباليا بشمال غزة، مئات المنازل هدمت وأخرى محروقة، المخيم أصبح غير صالح للسكن مع استمرار الهجمة الاسرائيلية على المخيم".ومضى يقول: "12 جرافة كانت تعمل على تجريف أحياء كاملة في مخيم جنين".وكان المخيم ذات يوم بلدة مزدحمة بنسل الفلسطينيين الذين فروا من منازلهم أو طردوا في حرب عام 1948 خلال "النكبة" عند قيام دولة إسرائيل.وقال مطاحن إن فرق الهندسة التابعة للجيش شوهدت وهي تستعد للإقامة لفترة طويلة بعد أن أحضرت خزانات مياه ومولدات كهربائية إلى منطقة تبلغ مساحتها نحو فدان.ولم يتسن الحصول على تعليق بعد من الجيش الإسرائيلي، لكن وزير الدفاع يسرائيل كاتس أمر القوات الأحد بالاستعداد "لإقامة طويلة الأمد"، قائلا إن المخيمات تم إخلاؤها "لعام قادم" ولن يُسمح للسكان بالعودة.والعملية المستمرة منذ شهر في شمال الضفة الغربية واحدة من أكبر العمليات التي شهدها الفلسطينيون منذ الانتفاضة الثانية قبل أكثر من 20 عاما، وتشارك فيها بضعة ألوية من القوات الإسرائيلية مدعومة بطائرات مسيرة وطائرات هليكوبتر، وللمرة الأولى منذ عقود، دبابات ثقيلة.وقال مايكل ميلشتين، وهو مسؤول سابق في المخابرات العسكرية ويرأس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز موشيه دايان للأبحاث الشرق الأوسطية والإفريقية "هناك عملية إخلاء واسعة النطاق ومتواصلة للسكان، خاصة في مخيمي اللاجئين نور شمس، بالقرب من طولكرم، وجنين".وأضاف "لا أعرف ما هي الاستراتيجية العامة لكن لا شك على الإطلاق في أننا لم نشهد مثل هذه الخطوة في الماضي".تهجير دائموسوغت إسرائيل تنفيذ العملية بأنها تستهدف التصدي للجماعات المسلحة المدعومة من إيران، مثل حركة "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، بعد أن ضربت بجذورها في مخيمات اللاجئين منذ عقود، على الرغم من المحاولات الإسرائيلية المتكررة لاستئصالها.لكن مع مرور أسابيع، قال فلسطينيون إن النية الحقيقية هي فيما يبدو التهجير الدائم واسع النطاق للسكان بتدمير المنازل وجعل بقاءهم مستحيلا.وقال حسن الخطيب (85 عاما) الذي كان يعيش في مخيم جنين مع 20 من أبنائه وأحفاده قبل أن يهجر منزله وكل ممتلكاته بسبب العملية الإسرائيلية "إسرائيل تريد أن تمحي المخيمات وذكرى المخيمات معنويا وماديا، يريدون أن يمحوا اسم لجوء من ذاكرة الناس وهذا الشي لن يتحقق، عمري 85 سنة ولم أنس".وشنت إسرائيل بالفعل حملة لتقويض وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) إذ منعت موظفي الوكالة من دخول مقرها السابق في القدس الشرقية، وأمرتها بوقف عملياتها في جنين.وقالت المتحدثة باسم الأونروا جولييت توما "لا نعرف ما هي نوايا دولة إسرائيل. نحن نعلم أن هناك نزوحا كبيرا من المخيمات". وأضافت أن اللاجئين يتمتعون بوضع الحماية بغض النظر عن موقعهم.عمليات عسكريةتمثل المخيمات تذكيرا دائما بالوضع المعلق للاجئين الفلسطينيين البالغ عددهم 5.9 مليون لاجئ، وهي هدف دائم لإسرائيل التي تقول إن قضية اللاجئين تشكل عقبة أمام أي حل للصراع المستمر منذ عقود.ومع ذلك، لم تقدم إسرائيل على إخلاء تلك المخيمات بصورة دائمة. ونفى وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر اليوم الاثنين أن يكون للعملية العسكرية في الضفة الغربية أي غرض آخر غير محاربة الجماعات المسلحة.وقال للصحفيين في بروكسل حيث التقى بمسؤولين من الاتحاد الأوروبي في مجلس الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل "إنها عمليات عسكرية تجري هناك ضد الإرهابيين، ولا توجد أهداف أخرى غير ذلك".لكن عددا كبيرا من الفلسطينيين يرون صدى دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإخراج سكان غزة لإفساح المجال أمام مشروع تطوير عقاري أميركي، وهي الدعوة التي أيدتها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو.وقال نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن العملية العسكرية في شمال الضفة الغربية هي تكرار على ما يبدو للأساليب المستخدمة في غزة، حيث شردت القوات الإسرائيلية آلاف الفلسطينيين بشكل ممنهج خلال عملياتها هناك.وأضاف "نطالب الإدارة الأميركية بإجبار إسرائيل على وقف العدوان الذي تشنه على مدن الضفة الغربية فورا وتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة إذا ما أرادت تجنيب المنطقة المزيد من التوتر والتصعيد".(رويترز)