يقلّب ريبين بشتيوان بتأنٍّ صفحات كتاب قديم أصفّرت أوراقه، داخل حافلته الصغيرة في إقليم كردستان العراق، يصوّرها على حاسوبه لحفظها رقمياً، في إطار مهمة يقوم به مع زميلين له، لحفظ المخطوطات الكردية. يقول بشتيوان الشاب البالغ من العمر 23 عاماً، أثناء توقف الحافلة في مدينة دهوك الكردية: "هدفنا هو حفظ الكتب القديمة والنادرة والمتهالكة، رقمياً كي لا تندثر". ويجول بشتيوان مرةً واحدةً في الأسبوع مع زميلين له، بحافلة بيضاء صغيرة من أربيل عاصمة إقليم كردستان إلى مدنه وقراه في شمال العراق، يأمل هؤلاء إيجاد كتب نادرة تتضمّن معلومات عن الأكراد وتاريخهم، تعود لأكثر من 40 عاماً حتى قرون من الزمن، وتشمل جميع اللهجات والثقافات الكردية المتنوعة. وفي مكتبة دهوك العامة، يبحث فريق الأرشفة بين رفوف الكتب الخشبية عن قطعة أدبية أو تاريخية كردية نادرة قد تثير اهتمامهم، وتمكن الفريق بمساعدة مدير المكتبة، من اختيار مجموعة من نحو 35 كتاباً من شعر وسياسة ولغة وتاريخ، كتبت باللهجات الكردية المختلفة، وبعضها باللغة العربية. يحمل بشتيوان بين يديه كتاباً متهالكاً عنوانه خانزاد تيمناً بأميرة كردية عاشت في القرن السادس عشر، ويضمّ قصصاً من الفولكلور الكردي، ثم يقلّب برفق صفحات كتاب ديني عتيق، لامساً بيديه الكلمات التي كتبت بخطّ عربي. وفي الحافلة المزوّدة بجهازي مسح ضوئيين سكانر، يجلس الفريق للقيام بالعمل الشاق الذي يمتدّ ساعات في نسخ الكتب التي جمعوها، قبل أن يعيدوها إلى المكتبة. تاريخ كردستانوبدأ فريق المركز بالتنقّل من منطقة إلى أخرى منذ يوليو، آملين بنشر هذه الكتب النادرة مجاناً على الموقع الإلكتروني للمركز اعتباراً من أبريل، وتمكّنوا من أرشفة 950 كتاباً ووثيقة، من بينها مجموعة مخطوطات تعود للقرن 19 وكانت ملكاً لإمارة بابان الكردية حيث تقع الآن محافظة السليمانية. ويقول المدير التنفيذي لمركز كردستان للفنون الثقافة محمد فاتح إن الهدف هو توفير مصدر رئيسي للقراء الأكراد والباحثين، سيكون هذا الأرشيف ملكاً لجميع الأكراد لاستخدامه. وفي مكتبة دهوك العامة، يغطّي الغبار مجموعة من الوثائق والمخطوطات القديمة على بعض الرفوف، لغياب القدرات الكافية من أجل أرشفتها رقمياً، لذلك، عندما طرح فريق مركز كردستان للفنون والثقافة فكرة أرشفة الكتب إلكترونياً، فتح لهم مدير المكتبة مسعود خالد الأبواب. وتحتاج بعض المخطوطات لموافقة مالكيها الأصليين قبل نسخها وحفظها إلكترونياً، عندما يحصل خالد على هذه الموافقة، سيعود الفريق إلى دهوك ليستكمل المهمة. ويقول مدير المكتبة مسعود خالد: "لدينا كتب طُبعت قبل وقت طويل، وتوفي مالكوها وكتّابها، ولن تطبع من جديد، وتحويل هذه الكتب والمخطوطات إلى نسخ إلكترونية سوف يتيح في نهاية المطاف افتتاح مكتبة إلكترونية.ويكشف إمام مسجد في بلدة هيران، هانا هيراني عن كنزٍ لفريق مركز كردستان للفنون والثقافة، يحتوي على مخطوطات تعود إلى قرون كانت موجودةً في مدرسة دينية تأسست في القرن الثامن العشر. وكانت المدرسة تمتلك العديد من المخطوطات، لكن عدداً كبيراً دمّر في الحرب العراقية الكردية الأولى في العام 1961، حيث نجا منها 20 مخطوطاً فقط، من ضمنها قصائد عمرها مئات الأعوام.وينتظر هيراني حالياً بفارغ الصبر افتتاح الموقع الإلكتروني لمركز كردستان للفنون والثقافة لتصبح هذه المخطوطات النادرة متوافرة للجميع.(أ ف ب)