منذ أن غزت القوات الإسرائيلية جنوب لبنان وبدأت قتال "حزب الله" على الأرض لأول مرة منذ عقدين، كان هناك طرف غائب بشكل ملحوظ في الصراع وهو الجيش اللبناني.وبحسب صحيفة "فايننشال تايمز"، فإن ضعف الجيش اللبناني هو شهادة على الحالة الهشة والممزقة لبلد لا يملك جيشه سوى قدرة ضئيلة أو معدومة على الدفاع ضد الغزاة. ولفتت إلى أن أقوى قوة في البلاد أصبحت "حزب الله" المسلحة المدعومة من إيران، والتي تسيطر على جنوب لبنان. وقال مدير مركز أبحاث مبادرة السياسات في بيروت سامي عطا الله "للجيش اللبناني وظيفة مختلفة عن أي جيش آخر". وأضاف أن "الجيش لا يملك الموارد للدفاع عن أراضيه. بل إنها تستخدم للحفاظ على الاستقرار الداخلي".منذ نهاية الحرب الأهلية التي استمرت 15 عامًا في البلاد في عام 1990، عمل الجيش اللبناني في الغالب كحصن محلي ضد التوترات الطائفية. ويبلغ قوامه نحو 80 ألفًا لكن بدون قوة جوية، ولا يمكنه مواجهة "حزب الله" أو الدفاع عن البلاد ضد هجوم إسرائيلي. وبدلاً من الانخراط بالقتال في هذا الصراع، اقتصرت جهود الجيش الببناني إلى حد كبير على دعم المدنيين. غياب الاهتمام إن إضعاف الجيش اللبناني هو انعكاس لتاريخ البلاد المضطرب وسياستها الداخلية الطائفية المعقدة، وفق الصحيفة.أدت الحرب الأهلية الدموية في لبنان إلى انقسامات داخل الجيش على أسس طائفية، حيث تخلى جنود عن القوة للانضمام إلى الميليشيات. وقال عطا الله: "لا أعتقد أن المؤسسة السياسية اللبنانية أرادت تاريخيا جيشا قويا خارج سيطرة الفصائل". وأكد أنه من بين القوى الأجنبية ذات النفوذ في المنطقة، "لم يكن هناك اهتمام بالسماح للجيش اللبناني بأن ينمو بقوة كافية لتهديد التفوق العسكري الإسرائيلي"، على الرغم من أن الكثيرين بما في ذلك الولايات المتحدة قدموا التمويل. وقال الباحث البارز في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في الولايات المتحدة، آرام نركيزيان إنه لم تنفق أي حكومة لبنانية حديثة "بشكل موثوق على الدفاع بطرق تركزت على تعزيز قدرة الجيش اللبناني على الانتشار في الجنوب، ناهيك عن الدفاع عنه". وزاد نركيزيان: "ليس لدى الجيش شبكة من المخابئ وغيرها من الهياكل المحصنة التي يمكنه الاعتماد عليها.. معظم مواقع الجيش اللبناني مكشوفة ويمكن استهدافها بسهولة بالمدفعية أو القوة الجوية".حفظ السلام فقطغالبا ما تضع استطلاعات الرأي، الجيش اللبناني على رأس قائمة المؤسسات التي يثق بها اللبنانيون. ويقول محلّلون إن الجيش قد يطلب منه لعب دوره في حفظ السلام في الأزمة الحالية، حيث تضطر أعداد كبيرة من المسلمين الشيعة الذين نزحوا بسبب الحرب من المناطق التي تعرضت للقصف في بيروت والجنوب إلى الانتقال إلى مناطق ذات أغلبية من الجماعات الدينية الأخرى. وقال نركيزيان "لا يزال الجيش قوة شعبية وطنية في جزء كبير منه لأنه يمثل كل مزيج الطوائف في البلاد". كما أضر الانهيار المالي الذي طال أمده في لبنان منذ عام 2019 بالجيش اللبناني بالطريقة نفسها التي جعل بها العديد من اللبنانيين الآخرين معدمين. وأشار سامي رماح، وهو عميد متقاعد كان من أشد منتقدي سوء الإدارة المالية للحكومة، إلى أن راتبه الشهري من المعاش التقاعدي انخفض من ما يعادل 4000 دولار إلى 500 دولار فقط منذ بدء الأزمة. وقال: "أعتمد على تحويل شهري بقيمة 500 دولار من ابني في الولايات المتحدة.. أنا أعيش على حافة الفقر". وتدخلت الولايات المتحدة وقطر لتمويل بعض رواتب الجنود اللبنانيين، والتي يمكن أن تصل إلى 100 دولار شهريا للرتب الدنيا. ويُسمح للجنود أيضا بقضاء بعض الوقت في وظائف ثانية لتغطية نفقاتهم. نقاط قوة منذ آخر مرة خاض فيها "حزب الله" حربًا ضد إسرائيل في عام 2006، ساعدت المساعدات الخارجية من الولايات المتحدة بشكل أساسي على إضفاء الطابع المهني والتحديث استعدادًا لأدوار مستقبلية أكبر إذا تغير ميزان القوى داخل لبنان. وكان أحد مجالات التركيز على وحدات النخبة الخاصة، حيث قال نركيزيان إن لبنان لديه الآن "واحدة من أكثر قوات مكافحة الإرهاب قدرة في المنطقة". ومكّن هذا الجيش من مواجهة بعض الجماعات المسلحة والفوز، ولا سيما "داعش" في عام 2017، عندما هدّدت المجموعة حدود البلاد خلال الحرب الأهلية السورية.وسيتم توسيع دور الجيش اللبناني إذا نفذت البلاد قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى حرب عام 2006 والذي يتوقع انسحاب "حزب الله" شمال نهر الليطاني، على بعد 30 كلم من الحدود مع إسرائيل.وتعهّدت المملكة المتحدة، التي ساعدت في تدريب الجيش اللبناني، بتقديم 10 ملايين دولار لتعزيز الدفاعات الحدودية إذا تم تنفيذ القرار في نهاية المطاف. وقال رئيس الوزراء نجيب ميقاتي "فيما يتعلق بالأسلحة، يعلم الجميع أن الجيش اللبناني لا يملك كل ما ينبغي، لذلك سنحتاج إلى بعض الوقت".وقال نركيزيان إن مخاطر نشوب حرب طائفية مزعزعة للاستقرار جعلت ذلك احتمالا غير مرجح منذ فترة طويلة، لكن الظروف قد تتغير، ويرجع ذلك جزئيا إلى الضربات الشديدة التي تلقاها "حزب الله".(ترجمات)