يتولى قائد الجيش اللبناني جوزيف عون الذي يتمّ التداول باسمه كمرشّح محتمل لرئاسة الجمهورية اليوم مسؤولية تنفيذ مهمة صعبة محاطة بالمخاطر عقب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حزب الله" الذي ينصّ على نشر قوات الجيش في جنوب البلاد ومراقبة سحب سلاح "حزب الله".وكان يفترض أن يتقاعد عون الذي يبلغ 60 عامًا في يناير بعد أن تولى قيادة الجيش منذ العام 2017. ولكن تمّ التمديد له مرتين، كانت آخرها الخميس، بسبب سلسلة الأزمات السياسية والأمنية التي يشهدها لبنان منذ سنوات، ولتجنّب فراغ في السلطة العسكرية.ويحظى الجيش إجمالًا في لبنان بالاحترام على نطاق واسع، ويحافظ على وحدته منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990) في بلد يعاني انقسامات سياسية وطائفية.وقف إطلاق النارودخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ الأربعاء، منهيا أكثر من عام من الحرب بين إسرائيل و"حزب الله" أودت بحياة الآلاف وتسبّبت في نزوح جماعيّ في لبنان وإسرائيل.وينص الاتفاق الذي يستند في جزء كبير منه الى القرار الدولي 1701 الذي صدر في العام 2006 إثر حرب أخرى بين "حزب الله" والدولة العبرية، على حصر الوجود العسكريّ في الجنوب بالجيش اللبناني وقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وعلى انسحاب "حزب الله" مع أسلحته حتى شمال نهر الليطاني الواقع على بعد نحو 30 كيلومترًا من الحدود.وسيكون على الجيش بقيادة عون التحقّق من انسحابه، وهي مهمة صعبة بالتأكيد في منطقة تعتبر من أبرز معاقل "حزب الله" الذي يُحظى فيها بتأييد شعبيّ واسع، وقد تهدّد التوازن الاجتماعي الهشّ في البلد المشوب حاليا بتوترات مرتبطة بالنزوح والدمار وانتقاد شريحة كبيرة من اللبنانيين "حزب الله" لجرّه لبنان إلى الحرب.وبدأ الجيش الذي يضم نحو 80 ألف جندي لبناني، تعزيز انتشاره في جنوب لبنان كجزء من اتفاق وقف إطلاق النار.شخصية نزيهةويقول الخبير في العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت كريم بيطار: "يتمتع عون بسمعة طيبة من حيث النزاهة الشخصية". ويضيف لوكالة "فرانس برس": داخل الجيش اللبناني، يُنظر إليه على أنه شخص ملتزم بالمصلحة الوطنية. كان يحاول تعزيز هذه المؤسسة، وهي آخر مؤسسة غير طائفية لا تزال ثابتة في البلاد".ويتمتع عون بعلاقات جيدة مع مجموعات سياسية مختلفة الولاءات، بما فيها "حزب الله"، وكذلك مع دول أجنبية.ويقول الباحث مهند الحاج علي من مركز كارنيغي للشرق الأوسط: "بحكم قيادته القوات المسلحة اللبنانية المدعومة من الولايات المتحدة، فإن له علاقات جيدة مع الولايات المتحدة".ويضيف "رغم أنه يحتفظ بعلاقات مع الجميع، فإن وسائل إعلام تابعة لحزب الله انتقدته في كثير من الأحيان" بسبب علاقته بالولايات المتحدة التي تُعد من أبرز داعمي الجيش اللبناني ماليا.دعم الجيشوإلى جانب أميركا، يتلقّى الجيش أيضا دعما من دول أخرى بينها فرنسا والسعودية وقطر. وجمع مؤتمر دولي عقد في باريس الشهر الماضي 200 مليون دولار لدعم القوات المسلحة اللبنانية.وقد تضرّر الجيش بشدّة من الأزمة الاقتصادية في لبنان التي بدأت في العام 2019، وتراجعت قيمة رواتب أفراده الى حدّ كبير.في العام 2020، اضطر لفترة لإلغاء اللحوم من الوجبات المقدمة للجنود أثناء الخدمة بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية.وفي العام 2021، أدلى عون بكلمة أمام ضباط في مقرّ قيادة الجيش، ردّ فيها على الانتقادات لقبوله مساعدات أميركية. وقال "الشعب جاع.. والعسكري أيضا يعاني ويجوع". وتابع "لولا المساعدات لكان الوضع أسوأ بكثير".مرشح رئاسيويتمّ التداول باسم جوزيف عون كمرشّح جدي للرئاسة من جانب عدد من السياسيين والأحزاب ووسائل الإعلام.وشغر المنصب الذي كان يشغله قائد سابق آخر للجيش هو ميشال عون والذي لا يمتّ بقرابة إلى جوزيف عون، قبل سنتين من دون أن يتمكّن البرلمان من انتخاب رئيس بسبب عمق الانقسامات.ولم يعلّق عون على التداول باسمه، خصوصا وأن الدستور اللبناني لا يفرض على المرشحين للرئاسة إعلان ترشيحهم.ويقول دبلوماسي غربي لوكالة "فرانس برس": "الجميع يقرّون بسجل عون على رأس الجيش، لكن السؤال هو: هل يستطيع أن يتحوّل إلى سياسي؟".ويقول بيطار "يعارض البعض، حتى بين الذين يكنّون له الاحترام، انتخابه رئيسا، لأنه قادم من الجيش"، مشيرا إلى أن عددا من الرؤساء اللبنانيين السابقين كانوا قادة جيش. ويضيف أن معظمهم "تركوا انطباعا مريرا" بعد انتهاء ولايتهم.كما يشير الى أن انتخاب عون من شأنه أيضا أن يكرّس فكرة أن كلّ قائد جيش "يصبح رئيسا بشكل تلقائي"، ومن شأن هذا أن يضعف الجيش، لأنه يخلق "علاقة غير صحية بين السلطة السياسية والجيش الذي يفترض أن يبقى محايدا".وعون من بلدة العيشية في جنوب لبنان ويحمل إجازة في العلوم السياسية.وبرز اسمه عندما خاض الجيش بقيادته معركة في أغسطس 2017، لطرد مجموعات مسحلة احتمت في مناطق جبلية حدودية مع سوريا، ونجح فيها. (أ ف ب)