نزاع إثيوبي مصري جديد يلوح في الأفق، وهذه المرّة سببه "أرض الصومال" التي لا تحظى باعتراف دولي ولا تمتلك شرعية التمثيل في الأمم المتّحدة والهيئات والمنظمات الأممية الأخرى.أما مصدر التوتر الجديد فهو الاتّفاق المبرم بين "أرض الصومال" وإثيوبيا، والذي يمهّد الطريق للأخيرة للوصول إلى البحر الأحمر وذلك من خلال بناء قاعدة عسكرية وتطوير ميناء عليه.وعند الحديث عن البحر الأحمر، لا بدّ أن نستذكر أهمية هذا الممر البحري الإستراتيجي بالنسبة للأمن القومي المصري عبر قناة السويس.وسبق لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد أن وصف الوصول إلى البحر بأنه قضية وجودية لبلاده.وأثار تصريحه في أكتوبر الماضي توترات في بعض دول القرن الإفريقي.من جهته، قال رضوان حسين، مستشار الأمن القومي لأبي أحمد، على منصة إكس إن هذا الترتيب قد يمكّن إثيوبيا أيضًا من الوصول إلى "قاعدة عسكرية" على البحر.مذكرة التفاهم ليست ملزمة قانونًا، على الرغم من أنها تعتبر بمثابة بيان نوايا ويمكن أن تؤدي إلى معاهدة تفرض التزامات على الأطراف التي وقعت عليها.ومع ذلك، فإن أديس أبابا تصور هذا التطور على أنه انتصار دبلوماسي كبير.وكتب رئيس الوزراء، الذي وقع مذكرة التفاهم مع رئيس أرض الصومال موسى بيهي عبدي في العاصمة الإثيوبية، على منصة إكس أن "كل ما يمكن قوله هو الحمد لله".وفي حديثه خلال حفل التوقيع، قال عبدي إن الاتفاقية تضمنت بندًا ينص على أن إثيوبيا ستعترف بأرض الصومال كدولة مستقلة في وقت ما في المستقبل.وقالت وزارة خارجية "أرض الصومال" في بيان في وقت لاحق إن "الاتفاق التاريخي يضمن وصول إثيوبيا إلى البحر لقواتها البحرية، مقابل الاعتراف الرسمي بجمهورية أرض الصومال، مما يمثل علامة دبلوماسية مهمة لبلادنا".تهديد الأمن القومي المصري الاتفاق المبرم استقبل بتنديدات عديدة، من بينها بيان الخارجية المصرية الذي حذّر من الخطوة، ووصفها بأنها تقوض من عوامل الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، وتزيد من حدة التوترات بين دولها، فما هو التهديد الذي يشكله الاتفاق على مصر؟ عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية د. أيمن سلامة أكد لـ"المشهد" أن "الاتفاق يشكل تهديدا للأمن القومي المصري في خضم النزاع الإثيوبي المصري حول إدارة وتشغيل سد النهضة الإثيوبي". وسبق أن اعتبرت مصر أنها تواجه "خطرا وجوديا" يتهدد المصدر الوحيد للمياه ولحياة أكثر من 100 مليون مصري بسبب السد الذي شيدته إثيوبيا على النيل الأزرق، والذي تتفرد بقرار ملئه وتشغيله بشكل أحادي، من دون التوصل لاتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية حقوق دولتي المصب مصر والسودان، مؤكدة احتفاظها بحقها في الدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر. وبحسب الخبير المصري من شأن هذا الاتفاق أن يزيد من الثقل النوعي لإثيوبيا في محيطها الإقليمي سواء في منطقة البحر الأحمر أم في القرن الإفريقي، معتبرا أن أية انفراجة لحكومة أديس أبابا على البحر الأحمر هو إضافة لموطئ قدمها وستؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على أية مفاوضات مرتقبة بين إثيوبيا وكل من السودان ومصر في شتى المجالات المشتركة للبلدان الثلاث.اتفاق مخالف للقانون الدولي فهل تحاول إثيوبيا تطويق مصر للضغط عليها في ملف سد النهضة؟ أم أن لها طموحات إقليمية تتجاوز الصراع مع القاهرة؟ اللواء د. سيد غنيم، الأستاذ الزائر بالناتو والأكاديمية العسكرية الملكية ببروكسل، أكد لمنصة "المشهد" أنه ينبغي أن نضع في اعتبارنا أولا أن هذا الاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرض الصومال مخالف للقانون الدولي، حيث إن أرض الصومال التي تحاول الانفصال عن جمهورية الصومال الفيدرالية منذ عام 1991 غير معترف بها دوليا، كما أن إثيوبيا دولة ليست صديقة مع مصر، ومعظم تحركات أديس أبابا تأتي في غير صالح القاهرة.ويرى غنيم أن هناك 3 مخاطر رئيسية للاتفاق المبرم بين إثيوبيا وأرض الصومال (صوماليا لاند) على مصر وفق ما يلي:أولا، في الظروف الحالية والعلاقات المتوترة بين أديس أبابا والقاهرة، فإن أي تحرك توسعي إثيوبي من شأنه أن يكسب إثيوبيا مقومات وعناصر قوة إضافية تمثل عامل إنذار للجانب المصري، والتخوف من أن تتحول التحركات الإثيوبية من مجرد إنذار إلى تهديد مباشر على الأمن القومي المصري، بل وتزيد من مخاطر التهديدات القائمة تجاهه بسبب سد النهضة من جانب والتوترات في البحر الأحمر من جانب آخر.وأعلنت القاهرة في آخر بيان لها فشل مفاوضات سد النهضة بعد 11 عاما منها رغم الجهود المبذولة في تلك المفاوضات، متهمة أديس أبابا برفض أي حلول وسط، ومشددة على الاحتفاظ بحق الدفاع عن أمنها المائي.وأكد غنيم أن مصر كانت تتحسب لخطوات إثيوبية تعزز قوتها وبما يمنحها الاستمرار في بناء سد النهضة، بل وبناء سدود أخرى تالية من دون حساب، وأيضا توسع إثيوبيا تجاه البحر الأحمر أو خليج عدن، وهو ما يتم حاليا، الأمر الذي يعد مناوئا لمصر، وستضطر مصر للتصدي له.وبعد أن وقعت إثيوبيا مذكرة تفاهم مع إقليم "أرض الصومال"، قال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في خطاب ألقاه أمام البرلمان، إن مذكرة التفاهم الموقعة بين إثيوبيا وإدارة أرض الصومال "غير مشروعة، وانتهاك صارخ للقوانين الدولية ولا يمكن تنفيذها".وفي هذا الإطار، يقول الخبير العسكري إن "تاريخ إثيوبيا في منطقة القرن الإفريقي مليء بالصراعات، والدليل ببساطة سيطرة إثيوبيا على إقليم أوجادين الصومالي، فضلا عن محاولات استمرار فرض نفوذها في الصومال".ويشير غنيم إلى أن ما سبق يدعم توجه إثيوبيا للتوسع والهيمنة مما أثار بشدة جيبوتي والصومال، فجيبوتي تعتبر منفذا أساسيا وأصيلا في حركة التجارة البحرية الإثيوبية وهو ما قد تخسره، والصومال يزداد تهديدها بتزايد فرص انقسام أراضيها ويعزز استقلالية أرض الصومال (صوماليا لاند).وأوضح المتحدث ذاته أنه "انطلاقا من ذلك تزداد فرص زعزعة الأمن والسلم الإقليميين لمنطقة القرن الإفريقي الذي يؤثر بشكل مباشر على الأمن والسلم الدوليين لما يضفيه من تهديد على حركة الملاحة البحرية في أهم مساراته العالمية في مدخل البحر الأحمر ثم قناة السويس، حيث تعتبر مصر منطقة مضيق باب المندب خطا أحمر لا يسمح بتهديده".ثانيا، هذا الاتفاق سيسمح بوجود عسكري إثيوبي على خليج عدن، أي مدخل البحر الأحمر، وهو ما دأبت إثيوبيا على الإعداد له بإنشاء قوات بحرية، الأمر الذي يخلق مصالحا ودورا إثيوبيا سيخل بالتوازن في المنطقة ويخلق لاعبا مؤثرا يزيد من الأمور تعقيدا.ثالثا، هذا الاتفاق يمنح إثيوبيا منفذا بحريا مؤثرا على الوضع في اليمن، مما يزيد من الامتدادات والآثار تجاه اليمن، الأمر الذي يؤثر بشدة على الوضع في المياه الإقليمية الجنوبية في الشرق الأوسط.تفاصيل الاتفاق ونص الاتفاق بين إثيوبيا و"أرض الصومال" على:الاتفاق يمنح إثيوبيا منفذا على البحر الأحمر على طول 20 كلم، خصوصا في ميناء بربرة، لمدة 50 عاما. اعتراف إثيوبيا رسميا بجمهورية "أرض الصومال" كما أعلن موسى بيهي عبدي، زعيم هذه المنطقة التي لم تعترف بها الأسرة الدولية. استخدام ميناء بربرة على البحر الأحمر، سيتيح نقل ما مقداره 30% على الأقل، من التعاملات التجارية الإثيوبية مع جيبوتي. مذكرة التفاهم تمهد الطريق لإثيوبيا للتجارة البحرية في المنطقة، بمنحها إمكانية الوصول إلى قاعدة عسكرية مستأجرة على البحر الأحمر؛ ما يعني أن "أرض الصومال" ستحصل على الأمن في المنطقة، مقابل بيع جزء من أراضيها إلى أديس أبابا، كمنفذ على البحر الأحمر. ستحصل "أرض الصومال" على حصة في الخطوط الجوية الإثيوبية المملوكة للدولة. وكانت جامعة الدول العربية رفضت الاتفاق المبرم في بيان للمتحدث باسمها جمال رشدي، عقب رفض مقديشو الاتفاق. وأكد رشدي، في البيان "رفض وإدانة أي مذكرات تفاهم، تنتهك سيادة الدولة الصومالية، أو تحاول الاستفادة من هشاشة الأوضاع الداخلية الصومالية، أو من تعثر المفاوضات الصومالية".(المشهد)