تمخضت الحرب السودانية الدائرة رحاها منذ ما يقارب الـ20 شهراً، فأنجبت كوارث إنسانية متفاقمة من قتل وتهجير وتدمير وتفشي الأمراض، ناهيك عن الشواهد الكثيرة التي تشير إلى أن السودان يسير بخطى ثابتة نحو أسوأ أزمات المجاعة في العصر الحديث.أبرز وأهم الخطوات التي قرعت جرس الإنذار لخطر هذه المجاعة وتمدّدها في ربوع الولايات السودانية، كانت التحديات المتزايدة التي تواجه العمل الإغاثي هناك، بسبب تعمّد الحكومة السودانية تعطيل جهود المنظمات الدولية العاملة في مجالات الإغاثة الإنسانية في المناطق المتضررة داخل الأراضي السودانية.استهداف منظمات الإغاثة في السودانتلك التحديات باتت واضحة بشكل جلي من خلال أمور عدة كان أهمها: إصرار الجيش السوداني في وضع الكثير من العراقيل التي تحول دون قيام المنظمات الإغاثية الدولية بدورها الإنساني، وتقديم المساعدات اللازمة للمتضررين من أهوال الحرب الدائرة رحاها في هذه الأثناء، ولم يكتف الجيش بذلك فحسب بل ذهب لما هو أبعد من ذلك وقام باستهداف المقرات التابعة لمنظمات الإغاثة الدولية، والتي كان آخرها القصف الجوي الذي طال مكتبًا ميدانيًا لبرنامج الأغذية العالمي (WFP) التابع للأمم المتحدة في منطقة يابوس بولاية النيل الأزرق بالسودان، ما أدى إلى مقتل 3 من موظفي المنظمة وتدمير المقر بالكامل.وما زاد الطين بلة تجاه الأوضاع الإنسانية المأساوية في السودان قيام الحكومة السودانية بتعليق مشاركتها في نظام التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو نظام عالمي مختص بتحليل انعدام الأمن الغذائي الحاد، ويهدف إلى مساعدة المانحين والمنظمات الإنسانية على توجيه المساعدات إلى الأماكن التي تشتد الحاجة إليها.في هذا السياق، يصف الباحث السياسي السوداني صلاح غريبة سياسة التعامل التي ينتهجها الجيش السوداني بحق المنظمات الإغاثية الدولية داخل السودان بغير المقبولة، ولا تتسق مع الأعراف الدولية في هذا الشأن، وكشف أن الجيش يتعمد عدم السماح بدخول المساعدات اللازمة، ويضع العراقيل أمام فتح الطرق وتجديد التأشيرات للعاملين في المجال الإغاثي والإنساني، ومن ثمّ فإن الجيش ليس لديه رغبة حقيقية في الالتزام بموضوع تسهيل الأمور الإنسانية خاصة في مناطق القتال.تداعيات خطيرةوليس بخلاف على أحد أن السودانيين يواجهون أوضاعاً إنسانيةً بالغة الصعوبة، من نقص في الغذاء والمياه وخدمات الصحة خصوصا في مناطق القتال، ويسعى العاملون في مجال الإغاثة الدولية إنقاذ ما يمكن إنقاذه داخل تلك المناطق رغم المضايقات التي يواجهونها من قبل عناصر الجيش، لذا يحذّر غريبة من التداعيات الكارثية التي ستكون حاضرة وبقوة على الأوضاع الإنسانية في السودان، نتيجة للنهج الخطير الذي يتبعه الجيش السوداني باتجاه المنظمات الإقليمية والدولية الإغاثية. وأشار غريبة إلى أن أبرز تلك التداعيات ستتمثل في زيادة معاناة المواطنين وتزيد من صعوبة وصول المساعدات الإغاثية العاجلة إلى المناطق الأشد احتياجاً، وبالتالي فإن المتضرر الأكبر من هذا النهج هم السودانيون أنفسهم.فشل أمميوفي تصريحات خاصة لمنصة "المشهد"، اتهم رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان علاء شلبي الأمم المتحدة بالفشل تجاه الأوضاع الإنسانية المتأزمة على الأراضي السودانية، موضحاً أن هذا الفشل كان بارزاً في اتجاهين: الأول يتعلق بتدبير القدر الكافي من المساعدات.الثاني يرتط بتوفير الآلية الفعالة لوصول المساعدات إلى مستحقيها من السودانيين.وحول مدى حقيقة الادعاءات المسجلة التي تتّهم الدعم السريع بالاستيلاء على مخزون الأهالي من الأغذية والمحروقات من عدمها، أكد شلبي أن هذه الاتهامات تبقى بحاجة إلى التدقيق، لافتاً إلى أن عمليات الاستيلاء تلك تشكل تهديداً كبيراً لتلبية احتياجات النازحين الذين يعتمدون بنسبة كبيرة على دعم المجتمعات المحلية المستقبلة لهم.الضغط على الجيش السودانيوتشير تقارير أممية بأن نصف سكان السودان في حاجة ماسة للمساعدات الإنسانية العاجلة، سواء كانت غذائية أو دوائية. وتظهر تلك التقارير أن انعدام الأمن الغذائي بلغ مستويات أسوأ مما كان متوقعاً، و أن نحو 24.6 مليون شخص سيواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد حتى مايو المقبل. وفي هذا الإطار، انتقد الباحث السياسي السوداني صلاح غريبة تعاطي المجتمع الدولي مع تدهور الأوضاع الإنسانية في بلاده، حيث أكد أن هذه الأزمة لا تلقى القدر الكافي من الاهتمام الدولي، ولفت إلى وجود ارتفاع ملحوظ في تعداد الوفيات بسبب افتقار المواطنين إلى التغذية الازمة والرعاية الصحية المطلوبة، مطالباً في الوقت ذاته بتكاتف الجهود الدولية من أجل الضغط على الجيش السوداني، لإدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية التي باتت أولوية قصوى لإنقاذ حياة ملايين المواطنين، إضافة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لحماية هؤلاء المواطنين.ويرى غريبة أن انتشار الجوع بات سمة أساسية في داخل السودان وخصوصا في الولايات التي تشهد احتداماً للنزاع، بل ويمتد أثر هذا الجوع إلى مناطق إيواء النازحين، مؤكداً أنه لا يستطيع أحد إحصاء عدد دقيق للمواطنين المعرضين لمخاطر المجاعة، بالإضافة إلى تفشي عدد من الأوبئة في السودان بسبب نقص الإجراءات الاحترازية وتراجع حملات التحصين وعدم وجود تدابير لازمة تتعلق بمكافحة الأمراض من قبل الحكومة السودانية.تدخل عسكري أجنبيورغم الحاجة الماسة والاحتياجات المتزايدة لملايين السودانيين من الحصول على المساعدات الإنسانية، إلا أن الجيش السوداني ما يزال يفرض حصاراً مطبقاً على عمل المؤسسات الإغاثية الدولية، حيث يواجه العاملون في تلك المؤسسات وفقاً لغريبة معوقات عديدة من بينها، حرمان هؤلاء العاملين بشكل متعمد من الوصول إلى الأماكن المتضررة والتي تتطلب مساعدات عاجلة، وفي بعض الأحيان يتعرضون للإصابات والقتل نتيجة الاستهداف المباشر لهم. من جهته، حذّر رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان علاء شلبي من أن استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية دون حلحلة سيؤدي إلى تحركات دولية كبرى، من قبيل إصدار قرار من مجلس الأمن لفرض آلية دولية بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بما يعنيه ذلك من إجراءات قسرية واحتمالات تدخل عسكري أجنبي لفرض الآلية وإنجاح عملها، خصوصا إزاء وضع معقد يضم نحو 9 ملايين نازح ومليوني لاجئ وتفاقم موجات الهجرة غير الشرعية، مشيراً أنه لا مناص من إجبار طرفي الصراع على القبول بآلية موحدة، لوصول المساعدات الإنسانية للنازحين والمنكوبين.ويعاني ملايين السودانيين أوضاعا إنسانية كارثية في ظل أزمة الجوع وتفشي الكثير من الأمراض، وهو الأمر الذي دفع الكثير من المنظمات الاقليمية والدولية العاملة في المجال الإغاثي، إلى إطلاق تحذيرات من بوادر ظهور مجاعة حادة تهدّد ملايين السودانيين.(المشهد)