على الرغم من ما يحتله ملف التشغيل، كمطلب شعبي رئيسي، من أولوية لدى سياسات الحكومات المتعاقبة في تونس، ما تزال البطالة أحد أهم التحديات الاقتصادية والاجتماعية الرئيسية التي تواجهها البلاد. ولم تنفك الأزمة الاقتصادية من مواصلة التدني بمستوى المعيشة، وتقلص الإنتاجية، وزيادة الفقر، وتفاقم التفاوت الاجتماعي وأيضا الزيادة في نسب البطالة. ونشر المعهد الوطني للإحصاء مؤخرا مؤشرات حول التشغيل والبطالة للثلاثي الأول من سنة 2023، رصدت ارتفاع نسب البطالة في تونس بنقطة كاملة خلال ثلاثية واحدة من العام. وأوضحت البيانات الحديثة أنّ شخصا واحد من كل شخصين في سنّ العمل يعاني البطالة. ارتفاع نسبة البطالة إلى حدود 16.1%عرفت نسبة البطالة في تونس خلال الثلاثي الأول من سنة 2023، ارتفاعا بلغ 16.1% مقابل 15.2% خلال الثلاثي الرابع من سنة 2022، بحسب المعهد الوطني التونسي للإحصاء. وقُدّر عدد العاطلين عن العمل في الثلاثي الأول من سنة 2023 بنحو 655.8 ألف مقابل 624.6 ألف في الثلاثي الرابع من سنة 2022 أي بارتفاع قدره 31,2 ألفا. وارتفعت نسبة البطالة لدى الشباب الذكور من 38.8% في الثلاثي الرابع من السنة الماضية إلى 40.2% في الثلاثي الأول لسنة 2023. في المقابل انخفضت نسبة البطالة لدى الإناث بين 14 و25 سنة تقريبا بـ3.8 نقطة، في حين كانت في حدود 39.1% في الثلاثي الرابع في 2022، وأصبحت 35.3% في الثلاثي الأول لسنة 2023. ابتسام شابة عاطلة عن العمل، صاحبة شهادة عليا، خريجة المعهد العالي لإطارات الطفولة، وباحثة عن فرصة خارجة اختصاصها من أجل سدّ احتياجاتها. تقول ابتسام في تصريح للمشهد، "لم يعد العمل ضمن الاختصاص هو المأمول، أصبحت مستعدة للعمل في أيّ وظيفة أو فرصة تدرّ عليّ المال، كما أنني لا أطمح إلى راتب محترم، أنا أعلم أنّ مستويات الرواتب متدنية عموما خصوصا في الوظائف العشوائية في قطاع الخدمات، فأنا أقبل بأقل من ذلك، كل ما أريده هو العمل". تحديات البحث عن العمل أمام هذه الشابة، تُسحب على بقية المواطنين التونسيين الباحثين عن عمل في تونس من أصحاب الشهادات أو غيرهم. وتبدّد الآمال في الحصول على وظيفة هي نتيجة وضع متأزم يعيشه قطاع التشغيل من قبل الثورة، تواترت عليه برامج الإصلاح ولم تنجح في فكّ شيفرته على مدى أكثر من عقد. واليوم أصبح من الملحوظ أنّ البحث عن وظيفة أمر صعب في ظل تزايد أعداد حوادث التسريح من العمل من قبل الشركات، بغرض تخفيف الصعوبات المالية، الأمر الذي ضاعف مستويات البطالة في البلاد. ضعف النمو الاقتصادي تعود أسباب ارتفاع مستويات البطالة بحسب الخبراء، إلى عوامل متجذرة ومترابطة تؤثر بشكل مباشر في نسق دوران عجلة التشغيل. بحسب الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي، تعود خلفيّة هذا الارتفاع إلى تراجع النمو الاقتصادي بالأساس. ويوعز الشكندالي من خلال تصريح لمنصة المشهد، ارتفاع نسبة البطالة لدى الشباب بعمر ما بين 15 و24 عاما، والتي قدّر ارتفاعها بنقطة كاملة خلال الثلاثية الأولى من العام الحالي، إلى تراجع النمو وتسجيل مؤشرات اقتصادية ضعيفة خصوصا في قطاع الفلاحة والصيد البحري بـ 3.1%، وجرّ معه قطاع الصناعات الغذائية بـ8.5%، إلى جانب العجز التجاري الناتج أساسا من العجز في الطاقة والتجارة. ويقول الخبير إنّ "انخفاض النشاط الاقتصادي حصل بسبب تحوّل تونس إلى مناخ غير محفّز للاستثمار والتشغيل"، مشدّدا على أنّ نسق نمو الصادرات والواردات انخفض بصورة واضحة في هذه الثلاثية، على عكس تسجيل تطور في السنة الماضية. كما يستشرف الخبير في حديثه مع المشهد، وفقا للمعطيات الحالية، لعب عامل الهجرة غير النظامية دور أساسيا في تسجيل الارتفاع في نسب البطالة في صفوف الشباب الذكور، مبيّنا أنّ انخفاض عدد النشيطين في سوق العمل يرفع مع مقاعد البطالة. مذكّرا بأن عوامل ثانوية أخرى من شأنها أن تساهم في ارتفاع هذا المؤشر والذي قد يكون عامل تفضيل إعطاء فرص العمل للإناث على الذكور، بحسب الشكندالي. فترة حكم الإخوان بحسب دراسات محلية، فإنّ القطاعات الاقتصادية الكبرى في تونس خسرت قدرتها التشغيلية بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد خلال السنوات الماضية، وفقدت قدرتها على خلق فرص العمل لفائدة قطاعات أخرى أقل قدرة على استيعاب العاطلين عن العمل. ويرى المحلل السياسي خليل الرقيق بالخصوص أنّ "عشرية كاملة من انكماش نوايا الاستثمار الداخلي والخارجي وتعطل المشاريع بسبب المحاذير الأمنية الذي نتج عنه غياب المشاريع الجديدة"، مثلت أحد الأسباب الرئيسية التي حالت دون انتعاش سوق الشغل في تونس، وفق ما صرّح به للمشهد. كما يشير الرقيق إلى أنّ مئات المصانع قد أغلقت أبوابها في تونس، لأنها لم تعد باستطاعتها مجاراة الوضع الاقتصادي الموجود في علاقة الظرفية العالمية من جهة و بالظرفية المحلية التي تعاني نزولا في المؤشرات الاقتصادية منذ 14 يناير، وتواجه تبدد نوايا الاستثمار، "باعتبار أنّ المناخ لم يكن مناسبا ومشجعا من الجانب السياسي والأمني، من دون أن ننسى النظام الضريبي الذي لا يشجع على الاستثمار وفتح المشاريع". ويؤكد المحلل السياسي على "أنّ سوء التدبير السياسي منذ 14 يناير، ساهم في خلق مناخ اقتصادي متصحّر، نتج عنه غياب فتح مشاريع جديد وغلق المشاريع القديمة". كما يرى أنّ أهم أسباب تدهور مؤشرات التشغيل خلال العشرية الماضية، كانت التشجيع الممنهج للمشغلين العشوائيين على حساب الموردين النظامين، والتشجيع على العمل خارج الدورة الاقتصادية المنظمة وغياب المحاسبة. ويصف الرقيق قائلا: "أصبح هناك طبقة تسمى بأثرياء الصدفة، وهم الذين استأثروا بموازين القوى في تلك الفترة، مقابل إضعاف الرأسمال الوطني الذي لم يعد يتحرك بالطريقة السلسة التي كان يتحرك بها". ويعتبر المتحدّث أنّ عشرية الإخوان هي "عشرية عدم النظام بامتياز"، التي خلّفت نظاما سياسيا متأزما، ونظاما اقتصاديا متدهورا ومحكوما من قبل أصحاب المال المستفيدين من الانفلات الذي ظلّل البلاد بعد الثورة.(تونس - المشهد )