تمكن التنّين الروسي من الزحف بطريقة خفية، ومن دون دخان، إلى العمق البولندي لمراقبة عملية نقل الأسلحة إلى كييف ونوعيتها، والعمل على تدميرها وتنفيذ عمليات قتل. وكانت الأموال السريعة هي المصيدة التي استخدمتها موسكو لتوظيف لاجئين بحاجة للمال لتأمين معيشتهم. بداية كانت الوظيفة تقوم على توزيع مناشير مؤيدة لروسيا، نيابة عن صاحب عمل مجهول عبر تطبيق تيلغرام، لكنّ ذلك أخذ منعطفًا أكثر خطورة لمن رغب بالاستمرار في المهمة.مراقبة الموانئ البولنديةوبعد أسابيع، كُلّف المجندون باستكشاف الموانئ البحرية البولندية، ووضع الكاميرات على طول السكك الحديدية، وإخفاء أجهزة التتبع في البضائع العسكرية، وفقًا لمحققين بولنديين. وفي مارس، صدرت أوامر جديدة لعرقلة القطارات التي تحمل أسلحة إلى أوكرانيا.ولم تتأخر السلطات البولندية كثيرا بمعرفة أنّ صاحب العمل الغامض هو وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية، GRU، وأنّ العملية الفاشلة شكلت أخطر تهديد روسي على أراضي الناتو، منذ أن شنت موسكو حربها على أوكرانيا العام الماضي. والهدف الروسي من هذه العملية وفق ما نشرته صحيفة الواشنطن بوست، تعطيل خط أنابيب للأسلحة عبر بولندا، يمثل أكثر من 80% من المعدات العسكرية التي يتم تسليمها إلى أوكرانيا، والذي يُعتبر ممرا هائلا غيّر مسار الحرب، وكانت روسيا عاجزة عن اعتراضه، وفقًا لمسؤولين بولندي وغربي. وبدلا من ذلك، أصبحت القضية ضربة مدمرة أخرى لأجهزة التجسس الروسية، التي فشلت تقييماتها بإمكانية الإطاحة بكييف، والتي اقتلعت شبكاتها المنتشرة في جميع أنحاء أوروبا من جذورها، بسبب موجات الطرد والاعتقالات.موسكو لم تعلّقونظرًا لعدم تمكّن روسيا أو عدم رغبتها في الاعتماد على عملائها، جمعت فريقا من الهواة عبر منشورات باللغة الروسية على قنوات Telegram في بولندا، والتي يستخدمها اللاجئون الأوكرانيون، وفقًا للمسؤولين البولنديين، الذين تم تأكيد روايتهم من قبل نظرائهم في المخابرات الأميركية. ووفق الصحيفة لم تردّ وزارة الخارجية الروسية على طلب للتعليق بشأن هذه القضية. ولو نجحت، فربما تكون الخطة قد آتت ثمارها على مستويات متعددة، إبطاء تسليم الأسلحة مع تأجيج الاستياء تجاه 1.5 مليون أوكراني فروا إلى بولندا منذ بداية الحرب. حتى في حالة الفشل، كان الجانب السلبي محدودًا بالنسبة لموسكو، حيث انتهى الأمر بالأوكرانيين المشردين بشكل أساسي، بدلا من عملاء GRU، في السجن البولندي.وقال مسؤولون بولنديون كبار، إنّ المؤامرة تجاوزت عتبة خطيرة. وأضاف ستانيسلاف زارين، الذي يشرف على الأجهزة الأمنية في البلاد، في مقابلة مع واشنطن بوست: "هذه هي أول علامة على أنّ الروس يحاولون تنظيم أعمال تخريبية، حتى هجمات إرهابية، في بولندا". للقضية أيضًا حساسيات سياسية في وارسو، حيث لم يقر المسؤولون علنًا بأنّ 12 لاجئًا أوكرانيًا هم من بين المحتجزين، بسبب قلقهم من رد الفعل العنيف الذي قصدته روسيا على الأرجح. ومن بين المعتقلين الآخرين روسي و3 مواطنين من بيلاروسيا. وكشف المحققون أيضا عن أدلة على أنّ روسيا كانت تخطط لعمليات قتل أخرى. وأشار محقق تحدّث شريطة عدم الكشف عن هويته، إلى مخاوف أمنية وحساسية القضية: "تم القضاء على هذا التهديد، لكنّ التهديد الأوسع لا يزال قائما". وقال إنّ أجهزة التجسس الروسية لا تزال ناشطة في بولندا، و"ستحاول القضاء على الأخطاء التي ارتكبتها". وتستند هذه المقالة وفق واشنطن بوست، إلى مقابلات مع 10 من مسؤولي الأمن في بولندا وأوكرانيا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى معلومات من الوثائق وحسابات المشتبه بهم على وسائل التواصل الاجتماعي، ومقابلات مع أقارب وشركاء المعتقلين. (ترجمات)