بينما قامت إيران والولايات المتحدة بتقييم الأضرار التي سببتها الغارات الجوية الأميركية في سوريا والعراق، الجمعة، تحولت الأنظار فجأة إلى طهران وقرارها المعلّق بشأن الردّ على الضربات أو اتخاذ قرار بوقف التصعيد، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز. وتشير التوقعات في واشنطن إلى أنّ الإيرانيّين سيختارون المسار الأخير، حيث لا يرون أيّ فائدة في الدخول في حرب مع قوة أكبر. لكن ليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت القوات التي تقاتل بالوكالة، والتي شنّت عشرات الهجمات على القواعد والسفن الأميركية، والتي تعتمد على إيران للحصول على المال والأسلحة والاستخبارات، سوف تتبنّى هذا النهج. وواصل "الحوثيون"، وهم جماعة متمردة تدعمها إيران، وتسيطر على أجزاء من اليمن، مهاجمة السفن في البحر الأحمر، على الرغم من سلسلة الضربات الأميركية، بما في ذلك واحدة يوم السبت، بهدف ردعهم. وكانت ضربات الجمعة إلى حدّ كبير، ردًا على هجوم بطائرة بدون طيار شنته ميليشيا مدعومة من إيران، أدى إلى مقتل 3 جنود أميركيّين في الأردن في 28 يناير. وردت الولايات المتحدة على تلك المجموعة والعديد من الميليشيات الأخرى المدعومة من إيران، بـ 85 ضربة مستهدفة. وفي أعقاب ذلك، أصر المسؤولون الأميركيون على أنه لم تكن هناك مناقشات عبر القنوات الخلفية مع طهران، ولم يكن هناك اتفاق على أنّ الولايات المتحدة لن تضرب إيران مباشرة. وقال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القوميّ عقب اكتمال الضربات الانتقامية: "لم تكن هناك اتصالات مع إيران منذ الهجوم". ولكن حتى من دون إجراء محادثة مباشرة، كان هناك الكثير من الإشارات في كلا الاتجاهين.استعادة بعض مظاهر الردع الأميركيوينخرط الرئيس بايدن في مقامرة عسكرية ودبلوماسية خلال العام الانتخابي، حيث يمكنه أولًا استعادة بعض مظاهر الردع في المنطقة، ثم المساعدة في تنسيق وقف لإطلاق النار في غزة، للسماح بتبادل الأسرى مع إسرائيل، وبعد ذلك، وفي التحدي الأكبر على الإطلاق، محاولة إعادة تشكيل ديناميكيات المنطقة، وفق ما جاء في التقرير. لكنّ كل هذا يحدث في منطقة من العالم، كان يأمل، قبل 5 أشهر فقط، أن تظل في مؤخرة الاهتمامات، بينما يركز على المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا. من جانبهم، كان الإيرانيون يبثّون علنًا أنهم يريدون خفض التوتر، على الرغم من أنّ هدفهم النهائي، هو إخراج الولايات المتحدة من المنطقة مرة واحدة وإلى الأبد، لا يزال قائمًا من دون تغيير. وكان ردّ فعلهم الأول على الضربات العسكرية صباح السبت، معتدلًا بشكل ملحوظ. وقال ناصر كنعاني، المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية: "الهجوم الليلة الماضية على سوريا والعراق، هو مغامرة وخطأ استراتيجيّ آخر من جانب الحكومة الأميركية، ولن يكون له أيّ نتيجة سوى زيادة التوترات وزعزعة استقرار المنطقة". وحتى ليلة الجمعة، كان كل العمل العسكريّ الذي تقوم به الولايات المتحدة محسوبًا وحذرًا، وهي السمة المميزة لنهج بايدن. لكنّ مسؤولين في الإدارة قالوا، إنّ مقتل الجنود الأميركيّين أجبره على ذلك. وكان عليه أن يوضح أنّ الولايات المتحدة ستسعى إلى تفكيك العديد من قدرات الجماعات التي تطلق على نفسها اسم "محور المقاومة". وهذه إشارة إلى المفهوم الذي يوحد مجموعة من الميليشيات المنقسمة وغير المنضبطة في كثير من الأحيان، المعارضة لإسرائيل والولايات المتحدة.سياسة بايدن تعتمد على تجنب التصعيدوسرعان ما خلص مستشارو بايدن إلى أنّ الضربات كانت تستهدف المنشآت التي يستخدمها الحرس الثوريّ الإيراني. لكنّ الرئيس اتخذ قرارًا بتوجيه ضربات واسعة النطاق إلى المنشآت ومراكز القيادة، من دون أن يهدف إلى قطع رأس قيادة القوة أو تهديد إيران بشكل مباشر.وقال أحد كبار المسؤولين في الإدارة بعد اكتمال الجولة الأولى من الضربات، إنه لم تكن هناك دراسة جدية لضرب إيران. وأتاح موعد الضربة للإيرانيّين ووكلائهم، الوقت، لإجلاء كبار القادة وغيرهم من الأفراد من قواعدهم، وتفريقهم في منازل آمنة. وبالنسبة لمنتقدي بايدن، يُعتبر هذا الأمر بمثابة خذلان، وتبني الكثير من الحذر، إذ تقول كوري شاكي، مسؤول الدفاع السابق في إدارة جورج دبليو بوش، والذي يدير دراسات السياسة الخارجية والدفاع في معهد إنتربرايز الأميركي: "إنّ البناء الفكريّ المهيمن لسياسة بايدن الخارجية، هو تجنب التصعيد". وأضافت: "ليس من الخطأ أن يشعروا بالقلق من التصعيد. لكنهم لا يأخذون في الاعتبار أنّ ذلك يشجع خصومنا. غالبًا ما نبدو أكثر قلقًا بشأن خوض الحروب التي يمكننا الفوز بها، وهذا يشجعهم على التلاعب بمخاوفنا". وبالنسبة للسيدة شاكي، هناك حل وسط بين مهاجمة إيران والتركيز على الجماعات الوكيلة، مثل كتائب "حزب الله" و"الحوثيّين"، التي ضربت القوات الأميركية. وأضافت أنّ بايدن يمكنه أن يوضح أنّ ضباط قوة الحرس الثوريّ "يكونون أهدافًا في أيّ وقت تطأ أقدامهم خارج إيران". لكنّ قادة إيران أشاروا إلى أنهم سينتقمون من مثل هذه الهجمات، كما فعلوا بعد أن أمر ترامب باغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد وحدة النخبة في الحرس الثوري، في بغداد عام 2020. وقال الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي الجمعة: "إذا أرادت قوة قمعية ومتنمّرة أن تتنمّر، فإنّ الجمهورية الإسلامية ستردّ بردّ صارم".(ترجمات)