بدأت إسرائيل هذا الأسبوع بتنفيذ ما تعهدت به قبل أشهر قليلة من ملاحقة قادة "حماس" في الداخل والخارج انتقامًا لهجوم 7 أكتوبر الذي شكل إخفاقًا كبيرًا على الصعيدين العسكري والاستخباراتي، إذ أصبح الرجل الثاني في الحركة الفلسطينية صالح العاروري أول من يغتال، مع توقعات باستمرار حملة الاغتيالات الإسرائيلية لسنوات مقبلة.وقُتل العاروري الثلاثاء، في ضربة إسرائيلية استهدفت مكتبًا للحركة الفلسطينية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو ما لم تعلن أو تنف إسرائيل تبنيها القيام بذلك، لكن مسؤولين أميركيين أكدوا قيام إسرائيل بعملية الاغتيال.وقال مسؤول أميركي كبير إنّ عملية اغتيال صالح العاروري، هي على الأرجح الأولى من بين العديد من الضربات التي ستنفذها إسرائيل ضدّ قادة "حماس" المرتبطين بهجوم 7 أكتوبر، مشيرًا في تصريحات نقلتها صحيفة نيويورك تايمز إلى أن "لا أحد في مأمن إذا كان له أيّ دور في التخطيط لهذه الهجمات أو جمع الأموال لها أو تنفيذها. هذه مجرد البداية، وسوف تستمر لسنوات".وفي داخل غزة، يتصدر رئيس حركة "حماس" في الداخل يحيى السنوار، والذي لا يزال مطاردًا من إسرائيل في القطاع من خلال عملية عسكرية برية، قائمة المطلوبين في إسرائيل بسبب هجمات 7 أكتوبر، وذلك إلى جانب قائد "كتائب القسام" محمد الضيف.أما في الخارج، يعيش عدد من قادة حركة "حماس"، وعلى رأسهم رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، وعضو المكتب السياسي خالد مشعل واللذان يتنقلان بين إيران وقطر وتركيا ولبنان، وذلك إلى جانب صالح العاروري والذي وصفته "حماس" في بيان النعي بـ"مهندس طوفان الأقصى"."حزب الله" يفشل أمنيًّا!وقال مصدر أمني لبناني بارز الأربعاء لوكالة فرانس برس إن استهداف العاروري جرى عبر "صواريخ موجّهة" أطلقتها طائرة حربية إسرائيلية.وأوضح المصدر الأمني المطلع على التحقيقات الأولية أن "اغتيال العاروري حصل بواسطة صواريخ موجهة أطلقتها طائرة حربية وليس عبر طائرة مسيّرة". واستند المصدر الى عاملين، الأول "دقة الإصابة لأنه لا يمكن لمسيّرة أن تصيب بهذه الدقة، والثاني زنة الصواريخ والمقدرة بنحو مئة كيلوغرام لكل منها".وبحسب المصدر الأمني اللبناني، أطلقت الطائرة الحربية ستة صواريخ، اثنان منها لم ينفجرا. وقال إن صاروخين اخترقا سقف طابقين قبل أن يصيبا مكان اجتماع قادة حماس "إصابة مباشرة".وأكد المصدر أن الصواريخ التي استخدمت في القصف الثلاثاء تستخدمها الطائرات الحربية الإسرائيلية، وسبق للأجهزة العسكرية اللبنانية أن عاينت صواريخ مشابهة أطلقتها طائرات إسرائيلية في جنوب لبنان، بعد بدء التصعيد عبر الحدود مع إسرائيل على وقع الحرب في غزة. ويرى محللون أن اغتيال العاروري في ضاحية بيروت الجنوبية والتي تعد معقل "حزب الله" في العاصمة يكشف عن أخطاء أمنية وقصور في إمكانات الحزب.ويعتبر الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد عادل عبد الكافي، خلال حديثه مع منصة "المشهد" أن عملية الاغتيال للرجل الثاني في "حماس" استندت إلى معلومات دقيقة للغاية من خلال عملاء وجواسيس كانوا يعملون على أرض الواقع على مدار الأيام الماضية.ويقول عبد الكافي إن العملاء الذين كانوا يعملون لصالح إسرائيل نجحوا في تحديد موقع العاروري والمركبات التي يتنقل بها بدقة، ما مكن من استهدافه من خلال ما يتوفر من معلومات عبر طائرة مسيّرة، مشيرًا إلى أن "المعلومات كانت تنقل بشكل آني لغرفة العمليات التي كانت تدير الطائرة المسيّرة".واعترف "حزب الله" في بيان له بالعملية الإسرائيلية، واصفًا ما حصل بأنه "اعتداء خطير على لبنان"، دون أن يشير إلى الكيفية التي اغتيل من خلالها صالح العاروري. لكن وسائل إعلام لبنانية وعلى رأسها الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية تحدثت عن انفجار نتيجة هجوم نفذته مسيّرة إسرائيلية.ويرى رئيس المؤسسة العربية للتنمية والدراسات الإستراتيجية في القاهرة العميد سمير راغب خلال أن "تنفيذ عملية الاغتيال باستخدام طائرة مسيّرة داخل الأراضي اللبنانية لا يمثل مفاجأة"، قائلًا خلال حديثه مع منصة "المشهد": "كل يوم مسيّرات تدخل إلى أجواء لبنان".ومنذ سبعينيات القرن الماضي، تنفذ إسرائيل عمليات اغتيال بحق أعدائها داخل الأراضي اللبنانية، ومن أبرز العمليات، بحسب المكتبة اليهودية الافتراضية، تصفية أمين عام "حزب الله" سابقا عباس الموسوي في عام 1992 عن طريق مروحيات هجومية، ورئيس عمليات حركة "أيلول الأسود" الفلسطينية علي حسن سلامة في يناير 1979 من خلال قنبلة تم التحكم فيها عن بعد، والناطق الرسمي باسم منظمة التحرير الفلسطينية كمال ناصر في 1973.من أين انطلقت المسيّرة؟منذ اندلاع الحرب في غزة، ودخول عناصر "حزب الله" على خط المواجهة على الحدود الجنوبية اللبنانية، وتواصل إسرائيل قصف الأهداف التابعة للجماعة الموالية لطهران من خلال الطائرات المسيّرة، إذ نشر الناطق باسم الجيش الإسرائيلي خلال الأسابيع الماضية بشكل متفاوت مقاطع فيديو تظهر تنفيذ الضربات داخل لبنان.ويؤكد العميد سمير راغب أن هذا يرجع بشكل أساسي إلى عدم امتلاك "حزب الله" منظومات دفاع جوي، يمكنها منع الهجمات، مشيرًا إلى أنه "في هذه الحالة لا يهم من أين انطلقت المسيّرة؟ ولا يمكن لنا كمحللين توقع معلومات بناء على ذلك".وخلال الأشهر القليلة الماضية، تحدثت تقارير أميركية عدة عن إمكانية استعانة "حزب الله" اللبناني بمجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية، لنقل منظومات دفاع جوي إلى جنوب لبنان. لكن لا يوجد دلائل واضحة فيما يتعلق بإتمام هذه الصفقة.في المقابل، يقول الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد عادل عبد الكافي إنه "حتى في وجود أنظمة دفاع جوي، يمكن للمسيّرات التخفي ولا يمكن رصدها، خصوصًا أن هناك طائرات من دون طيار يمكنها المناورة لارتفاعات كبيرة والتحليق في الأجواء لما يصل إلى 60 ساعة".ويضيف عبد الكافي أن الطائرات المسيّرة باتت تُشكل نقطة ضعف لجميع الجيوش والقوى العسكرية في العالم، "بما لديها من إمكانات تخفي ورصد ومتابعة وتحديد مواقع مع صعوبة اكتشافها"، مشيرًا خلال حديثه إلى "ما تقوم به المسيّرات الأوكرانية خلال الحرب مع روسيا من دمار في البنى التحتية والمعدات العسكرية".وسواء تم إرسال المسيّرة من إسرائيل أم من داخل الأراضي اللبنانية، فإن تحديد ذلك سيعتمد على نتائج التحقيقات الميدانية في موقع الحادث، حسبما يذكر العقيد عادل عبد الكافي، قائلًا: "هناك مسيّرات انتحارية ذات أحجام صغيرة جدًّا وقوة تدميرية كبيرة، قد نقلت وهربت إلى داخل الأراضي اللبنانية، وإطلاقه من مسافات قريبة بعد تحديد الهدف القيادي في الحركة الفلسطينية من أجل اغتياله".ويعتبر عبد الكافي أن الاستعانة بطائرة مسيّرة هو الاحتمال الأقرب، خصوصًا "أن أغلب الدول تعتمد عليها؛ نظرًا لانخفاض تكلفتها، ولا تحدث خسارتها فقدان عناصر بشرية كالطائرات المقاتلة، كما تتميز بسهولة الإطلاق من مواقع متخفية لتأدية المهام".وتمتلك إسرائيل طرازات مختلفة من الطائرات المسيّرة أبرزها طائراتا "هيرون" و"هيرميس 900"، التي يقول الجيش الإسرائيلي إنها تستخدم قنابل غير موجهة لا تُحدث ضوضاء أو ينبعث منها دخان أثناء سقوطها مما يجعل من الصعب على الأعداء توقعها أو تفاديها.وبحسب المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مؤسسة فكرية للأمن والدفاع ومقرها لندن، تُعد إسرائيل من كبار المبتكرين للطائرات المسيّرة حول العالم، وأيضًا للأنظمة المضادة للطائرات من دون طيار، مشيرًا إلى أن أكثر من 50 دولة تستخدم طائرات مسيّرة إسرائيلية الصنع.(المشهد)