كانت "روبيمار" تُشكل "كارثة بيئية" حتى قبل أن تغرق، هذا ما حذرت منه الولايات المتحدة، بعد أن تسبب هجوم صاروخي شنه "الحوثيون" على السفينة البريطانية في البحر الأحمر قبل أكثر من 10 أيام، إلى غرقها، وما إن غرقت حتى انهالت التصريحات بشأن احتمالية أن تتسبب بـ"مصيبة" بيئية في المنطقة.وشمل الهجوم الشهر الماضي على السفينة "روبيمار" (MV Rubymar) وهي سفينة شحن لبنانية ترفع علم بيليز، صاروخين باليستيين مضادين للسفن تم إطلاقهما من اليمن ما تسبب بأضرار فيها وبقعة نفطية بطول 18 ميلا في عرض البحر. حادثة الغرق هذه التي حدثت بفعل الرياح الشديدة والتقلبات الجوية، هي الأولى منذ أن بدأ "الحوثيون" في استهداف السفن في محاولة للضغط على إسرائيل لإنهاء حصارها العسكري في غزة.مواد سامة بآلاف الأطنان وأكدت القيادة المركزية للجيش الأميركي غرق "روبيمار" في بيان بداية الأسبوع قالت فيه إن "السفينة غرقت في وقت مبكر من يوم السبت بينما كانت تحمل حمولة 21000 طن متري من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم الذي يمثل الآن خطرا بيئيا في البحر الأحمر"، محذرة من أن "الكارثة يمكن أن تتفاقم إذا تسرب السماد إلى البحر". كما أكدت القيادة المركزية في بيانها أن السفينة تشكل أيضا "خطرا تحت السطح" على السفن الأخرى التي تتحرك عبر المنطقة، التي تعد ممر شحن دولي مزدحما. منصة "المشهد" تحدثت مع خبراء في البيئة لرصد المخاطر التي قد تنجم إثر غرق السفينة "روبيمار"، والدول التي ستتأثر من هذه الكارثة البيئية المحتملة في المنطقة.وفي هذا السياق، يقول د. أغلب العتيلي، المختص في البيئة في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بجامعة لندن، إن "غرق السفينة روبيمار يعني غرق حمولتها من نترات فوسفات الأمونيا والتي هي بالأساس مكون رئيسي للسماد الصناعي، وخطر هذا الحمولة يكمن في كونها لها تأثير مباشر على البيئة البحرية". وأوضح العتيلي في تصريح لمنصة "المشهد" أن المخاطر البيئية البحرية تتمحور حول: تحفيز نمو بعض الطحالب البحرية والتي بدورها ستستهلك الكثير من الأكسجين في الماء، مما سيؤدي إلى نقص الأكسجين في هذه المنطقة من البحر الأحمر وهذا سيؤدي إلى التأثير على الكائنات البحرية الأخرى وذلك لحاجتها للأكسجين، ما سيؤدي بطبيعة الحال إلى اختلال التوازن البيئي ومن ثم هلاك هذه الكائنات البحرية، ومن ثم هلاك الكائنات الأخرى المعتمدة عليها في سلسلة الغذاء.. وهذا ما يحدث في حالة الاختلال في التوازن البيئي بشكل عام.التأثير على الكائنات البحرية الأخرى بشكل المباشر، وهو تأثير سُميّ على هذه الكائنات مما يؤدي إلى نفوقها أو حدوث تغيرات بيولوجية فيها وفي حال امتداد هذه التغيرات لفترة ما سيؤدي إلى كائنات بحرية سامة في حال استهلاكها من قبل البشر. لذلك فإن التأثير الرئيسي هنا هو الاختلال العام في التوازن البيئي الذي يمكن أن يقضي على بعض الكائنات وذلك بسبب انقطاع سلسلة الغذاء الطبيعية.الدول التي ستتأثر بالكارثةويضيف المختص في الشأن البيئي أنه في حال غرق سفن أخرى في المنطقة فإن حمولات هذه السفن سيكون لها تأثير مضاعف يصعب التنبؤ به على البيئة، محذرا من أن الدول الساحلية المحيطة بمضيق باب المندب ستكون المتأثر الأكبر من هذا الاختلال البيئي. كذلك أشار العتيلي إلى أن "هنالك تأثيرا جانبيا لغرق السفينة روبيمار يتمثل في التلوث الناتج عن تسرب الوقود منها على سطح المياه، وكون السفينة الغارقة تشكل الآن عقبة أمام السفن الأخرى في الملاحة، فإن ذلك يُمكن أن يؤثر عليها أيضا في حال الاصطدام بركامها.ويتفق رئيس وحدة التغيرات المناخية السابق بوزارة البيئة المصرية سيد صبري مع العتيلي فيما سبق مؤكدا أنه "من المعلوم أن وجود أي مواد كيميائية أو بترولية في المياه يكون لها ضرر شديد على البيئة البحرية من كائنات بحرية وثروة سمكية ويكون هذا الانعكاس الخطير على التنوع البيولوجي للمنطقة التي حدث فيها هذا التلوث". ويضيف الخبير البيئي في حديث لـ"المشهد" أن هذا الخطر يمكن أن "يمتد ذلك إلى المناطق الأخرى في البحر والتي قد تكون بعيدة إلى حد ما من مكان التلوث، ويعتمد ذلك على التيارات البحرية للمياه واتجاهها وكذلك درجة سمية هذه المواد الملوثة ومدى توفر وسائل للوقاية من هذه المواد الملوثة".إصرار "حوثي"وأشار إلى أنه "بالطبع سيتأثر الناس وأولهم العاملين في الأنشطة البحرية مثل الصيادين والعاملين في قطاع صناعة الأسماك من صيد وتجهيز وتغليف وتسويق بالإضافة إلى السفن الموجودة في المنطقة التي قد تستخدم مياه البحر في أي من أنشطتها". وكانت السفارة البريطانية لدى اليمن، قالت في بيان على منصة "إكس" إن جماعة "الحوثيين" تتحمل مسؤولية الآثار البيئية الناجمة عن غرق السفينة روبيمار، في البحر الأحمر، محذرة من أنه السفينة "تقوم الآن بتسريب 41 ألف طن من الأسمدة التي كانت تحملها والوقود الخاص بها إلى البحر الأحمر".أما "الحوثيون" فهددوا في وقت سابق من أنهم سيغرقون المزيد من السفن البريطانية.بدوره، يشير د.عادل سالمي، الباحث في قضايا التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي والبيئي والطاقي، في تصريح لـ"المشهد" إلى أن غرق السفينة روبيمار (MV Rubymar) يمثل كارثة بيئية واقتصادية وجيوسياسية.ويشرح سالمي قائلا: "البحر الأحمر بطبعه منطقة هشة لأنه يتعرض ومنذ سنوات للتلويث نتيجة العبور المكثف للسفن التجارية والتي جزء منها يتخلص من فضلاته وزيوته المستعملة بشكل عشوائي في البحر".أمراض سرطانية وكارثة اقتصادية وإضافة إلى أن المواد المسربة ستسبب في تسميم الكائنات البحرية وتلويث مياه البحر بالأسمدة العالية الخطورة، إلا أن الكارثة ستكون اقتصادية أيضا بحسب سالمي، الذي لفت إلى أن "المواد السامة ستؤثر على الصيد البحري والأحياء المائية مثل الرخويات والأسماك المسممة التي ستنتقل عبر الصيد إلى السلسلة الغذائية الإنسانية، وسيؤثر في كل المنطقة الساحلية باليمن والمناطق الداخلية التي تتزود منها وكذلك عملية التصدير". ويضيف الخبير البيئي "كما سيؤثر ذلك على محطات مياه تحلية مياه البحر على طول الساحل اليمني، وعلى المدى المتوسط ستتهدد الصحة من خلال خطر انتشار أمراض سرطانية".تداعيات جيوسياسيةكما أشار سالمي إلى أن الغرق سيتسبب بكارثة جيوسياسية وذلك "لعدم قدرة المجموعة الدولية وخاصة الولايات المتحدة على التدخل لإخراج السفينة ومنع الكارثة البيئية"، مؤكدا أن هذا الحادث "مؤشر خطير على عدم القدرة على حوكمة العالم، وعدم القدرة على تطويق الحرب في الشرق الأوسط وفي أوروبا وغيرها من الحروب الجارية التي تجتاح المنطقة العربية". ويتابع "هذا السياق المضطرب أدخل المنطقة في حروب إبادة وتدمير للمدن وشروط الحياة وسيدخلها في كوارث بيئية وتكنولوجية لا حسر لها. لذلك لا بد لدول المنطقة العربية ككل وخصوصا المحيطة والمعنية بالبحر الأحمر من التكتل والتدخل السريع لتطويق الكارثة وأسبابها وتجنب تكرارها". (المشهد)