تداول التونسيون، أمس الاثنين، مجموعة خرائط مفادها تعرّض مدن تونسية، قريبا، لفيضانات مشابهة لما حدث في درنة شمال شرق ليبيا. وكانت معطيات عن النموذج السويسريّ المستخدَم في تحليل وإدارة المخاطر، أفادت بنزول أمطار طوفانيّة في تونس خلال الأيام المقبلة بقوة 400 مم. في المقابل، أشار المهندس بالمعهد الوطنيّ للرصد الجوي، محرز الغنوشي إلى وجود تحيينات جديدة للنموذج السويسريّ تلغي السيناريو الذي تم تداوله كثيرا في مواقع التواصل الاجتماعيّ حول أمطار تتجاوز 400 مم في قابس، وتطرح سيناريو جديدا وبفاعلية أقل. كما كشف المهندس في حديث مع منصة "المشهد" عن وجود أمطار غزيرة بكميات مهمة في الأفق من دون تحديد كميات واضحة. وأثارت هذه البيانات ذعر التونسيين خوفا من تكرر الكارثة الناجمة عن العاصفة دانيال في ليبيا، التي تسبّبت في انفجار السدود ذات البنية المتهالكة. وكانت العاصفة "دانيال" قد أدت إلى تساقط أمطار غزيرة تجاوزت 400 ملليمتر في بعض المناطق، وأكدت السلطات الليبية أنّ كمية الأمطار التي هطلت في المناطق المنكوبة، لم تُسجّل منذ أكثر من 40 عامًا. وذهب كثيرون إلى طرح السؤال عن وضعية السدود في تونس، وهل تتحمل بنيتها التحتية تساقطات مماثلة بحجم الهطولات التي نزلت خلال العاصفة دانيال؟ خزانات تونس المائيّة تمتلك تونس أكثر من 40 سدًا رئيسيًا، يتمركز معظمها في الحوض الشماليّ من البلاد، وتدار من قبل الإدارة العامة للسدود والأشغال المائيّة الكبرى. وتمتلك 257 سدًا تلّيًا ونحو 900 بحيرة جبليّة، وتُعتبر كل هذه المنشآت الصناعية والخزانات الطبيعية فوق الأرض حواجز مائية للانتفاع من المياه السائلة من المطر. وكان عدد السدود الرئيسية في تونس قد بلغ عام 2017 نحو 37 سدًا، وبلغت سعتها الإجمالية 2.5 كيلومتر مكعب، بحلول عام 2018 أصبحت تمتلك البلاد أكثر من 40 سدًا، مع وجود خطط لبناء سدود جديدة عدة لاحقًا. وتبلغ سعة السدود التونسية الإجمالية 2.69 كيلومترًا مكعبًا، أي ارتفعت السعة عما كانت عليه في عام 2017، وزادت من 0.8 كيلومتر مكعب في عام 1980، إلى 2.69 كيلومترًا مكعبًا في عام 2019، أي بمعدل نمو سنويّ يبلغ 8.11%. وتقدّر نسبة امتلاء السدود في تونس على المستوى الوطنيّ بـ27,3% فقط بحسب آخر تحيين من المرصد الوطنيّ للفلاحة. وتبلغ نسبة امتلاء سدّ سيدي سالم، وهو أكبر سدود تونس، في حدود 31.5%، ونسبة امتلاء سدود الوطن القبليّ لا تتجاوز 7%، بحسب بيرم حمادة، عضو المجلس المركزي للاتحاد التونسيّ للفلاحة والصيد البحريّ.سدود تونس آمنة وعلى الرغم من تعرّض تونس إلى حوادث فيضانات ناجمة عن امتلاء السدود في وقت فائت، في كلّ من عامَي 1990 و2003 وآخرها في فيضانات نابل عام 2018، إلا أنّ خبراء يؤكدون ضعف إمكانية تكرار سيناريو ليبيا في تونس. ويؤكّد حسين الرحيلي، الخبير في التنمية والموارد المائيّة، وممثل عن المرصد الوطني للمياه، أنّ:سدود تونس مبنيّة على قواعد صحيحة وسدودنا آمنة مبدئيا.السدود التي تم إنشاؤها في تونس تمتلك ميزات عالية الجودة تتوافق مع الشروط.تنقسم سدود تونس إلى نوعين، منها ما هو بمقوّمات ذات حاجز بالأسمنت المسلح، وأخرى ذات حواجز ترابية مجهزة على قواعد تقنية كبير.ويشدّد الرحيلي في حديث لـ"المشهد" على أنّ سدود تونس "محمية بطريقة كبيرة، إلا أنّ مخاطر السدود تكمن في عدم توافر منافذ التخلّص من "الميلوسي" وهو ما يعبّر عن الطين، لأنّ ما يفجّر السدود ليس الماء، وإنما ضغط كميات الطين الضخمة المتمركزة في القاع، بحيث تضغط على حواجز السدّ فتكسرها مثلما حصل في سدود درنة". تكرّر فيضانات درنةوفي هذا الإطار، يكشف الخبير التونسي عن أنّ ما حصل في ليبيا استثناء، مشيرا إلى أنّ سدود درنة المنفجرة صغيرة، فالسدّ الأول بسعة 22 مليون متر مكعب والثاني بـ1.5 مليون متر مكعب، مشيرًا إلى أنّ هذه السدود لم يقع صيانتها منذ أكثر من 14 عاما، بعد خروج الشركة الهولنديّة المكلفة بمتابعتها، وتحتوي على الكثير من الصدوع والشقوق والتي لم تهتم المصالح العمومية بصيانتها. ويعتبر الرحيلي بأنّ الانهيار حدث بسبب عدم تنفيس السدود، بحيث لم يعد لديها القدرة على تحمّل ضغط المياه الضخم. كما يؤكّد الخبير التونسي على أنّ طريقة إنجاز هذه السدود غير مطابق لمواصفات السدود الكبرى وفق قوله، وهو ما لا يسمح بمقارنتها مع سدود تونس. ويُذكر أنّ تونس قد شهدت سنة 2018 أمطارا غزيرة في محافظة نابل في شمال شرق تونس، نتجت عنها فيضانات وأدت إلى موت 5 أشخاص. وسجلت كميات التساقطات 197 ملم في بعض أنحاء نابل، أي ما يشكّل نحو نصف المنسوب السنويّ للأمطار في المنطقة، وخلفت الفيضانات أضرارا مادية كبيرة في كامل أنحاء الولاية. ويوضّح الرحيلي أنها قد نتجت عن محاولة غير موفقة لتنفيس السدّ عبر المنفذ السفليّ للتخلص من الطين، "لكن لم يستطع الأعوان إعادة إغلاق المنفذ بسبب امتلاء السدّ وقوة التيار، وهو ما أسفر عن سيول طينيّة قوية وفيضانات عارمة أغرقت المنازل. قنوات صرف لا تتحمّل من جانبه، يرى الخبير الدوليّ في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي في تصريح خاص لـ"المشهد"، أنّ سدود تونس مبنيّة على طريقة صحيحة، وقد تمّ أخذ الاحتياطات اللازمة نظرا لخصائص المناطق المتمركزة. وأضاف الهنتاتي:تمّ تصميم السدود بطريقة تجعلها لا تتأثر بالكوارث الطبيعية والزلازل.في تونس لا يجب الخوف في حالة ملء السدود في تونس، وطالما هناك منافذ علويّة وسفليّة لتنفيس السدّ، لا يجب أن نقلق.الخطر يظهر في حالة الزلازل والفيضانات ونخاف من تهدّم المنشآت عموما مثل السدود.لكن من هذه الناحية قد تم التحرز مسبّقا عبر وضع مخطط مدروس وواضح قبل الإنشاء.القلق الأكبر في تونس يجب أن يتجه نحو قنوات تصريف المياه.ويوضح الهنتاتي أنّ التساقطات بكميات فائقة قد تؤثر على قنوات تصريف الأمطار، التي تمت تهيئتها في تونس لتصريف كميات عادية بحجم 150 ملم لليوم، محذّرا بأنه "إذا ما تجاوزت الأمطار هذه النسب، فإنّ تجهيزات تونس لا تتحمل وستقع سيول وفيضانات". وكانت فاجعة، في عام 2020، قد هزّت البلاد بعد وفاة عاملة بمصنع عمرها 21 عاما، على إثر سقوطها في بالوعة مياه في معتمدية النفيضة بولاية سوسة. وكانت الشابة قد سقطت في البالوعة خلال رحلة عودتها من العمل، بسبب عدم قدرتها على رؤية البالوعة التي غمرتها المياه مع بقية الشارع بمنسوب عالٍ جدا، وتم ذلك خلال محاولتها قطع الطريق العام مع مجموعة أخرى من المترجّلين. وينصح الخبير الدوليّ في البيئة والتنمية المستدامة في إطار التوعية لتجنّب الكوارث، بالتهيئة الدورية لقنوات صرف المياه وبتحصين المنازل عبر بناء حواجز أسمنتية أمام الأبواب لتجنّب دخول السيول، وإعلام السكان الذين يعيشون على ضفاف الوادي للتوقّي وأخذ الاحتياطات قبل فتح منافذ السدود للتنفيس، كما يؤكّد على ضرورة تكثيف الومضات التوعويّة بهذا الخصوص. (المشهد)