بعد وقف إطلاق النار الذي أنهى أعنف حرب شهدها لبنان منذ عقود، عاد عشرات الآلاف من سكان مدينة بعلبك في شرق البلاد إلى ديارهم المدمرة، ليواجهوا مشاهد الخراب والحزن. المدينة، التي كانت معروفة بآثارها الرومانية القديمة وطقوس الحياة اليومية، تحولت إلى موقع يعج بالأنقاض والمباني المدمرة بحسب تقرير لموقع "نيويورك تايمز".وبالرغم من المظاهر البسيطة للحياة، كالمراهقين الذين يلتقطون الصور أمام المعابد الرومانية القديمة، والشباب الذين يستعرضون دراجاتهم النارية، إلا أن الندوب التي خلفتها الغارات الجوية الإسرائيلية كانت واضحة في كل زاوية. مطاعم تحولت إلى هياكل معدنية ملتوية، وأحياء باتت غير قابلة للتعرف عليها، بينما لا يزال العديد من القتلى مدفونين تحت الأنقاض.قصص الناجينتفلاه عمار، امرأة تبلغ من العمر 79 عامًا، كانت من بين القلائل الذين لم يفروا من المدينة، وقفت أمام منزلها، أحد المباني القليلة التي لا تزال قائمة، لتنظف الحطام. تقول بتأثر: "أنا امرأة عجوز. لا أنتمي إلى أحد. ماذا فعلت لأستحق هذا؟" كلماتها تختزل شعور الكثيرين من سكان المدينة الذين عادوا ليجدوا حياتهم السابقة قد اختفت تحت الركام.من جهة أخرى، عبرت بسمة ياغي، وهي إحدى العائدات من بيروت، عن صدمتها عندما وجدت المطعم الذي اعتادت زيارته مدمرا بالكامل. وهي تتصفح صورًا على هاتفها من حفلات الزفاف والأطفال الذين كانوا يركضون في حديقة المطعم، قالت: "لا أستطيع أن أفهم شيئًا. كل شيء أصبح ذكرى بعيدة".وتسببت الحملة العسكرية الإسرائيلية، التي شملت هجمات جوية مكثفة في سبتمبر، في دمار هائل، بعدما كانت بعلبك بمنأى نسبيا عن الحرب لفترة طويلة. وأمرت إسرائيل بإخلاء أجزاء واسعة من المدينة، وأمطرت المنطقة بالصواريخ، مما دمر أحياء بأكملها وترك السكان في حالة صدمة.هند سيدة، إحدى سكان المدينة، عادت إلى منزلها لتجد الغبار يملأ غرفة المعيشة رغم محاولاتها تنظيفه، وتروي بمرارة: "عندما تغادر منزلك، فإنك تترك قيمتك خلفك". أما شقيقها حسن، فقد رفض مغادرة منزله الذي يعود تاريخه إلى 150 عاما رغم القصف العنيف. لكنه الآن يواجه فاتورة إصلاح تصل إلى 15 ألف دولار، ويقول بأسى: "ليس لدي أي شيء لدفع هذا المبلغ".رموز المدينة ومآسيهاصور قادة "حزب الله" القتلى تملأ جدران المدينة، حيث ولد العديد منهم في بعلبك، مما يعكس العلاقة العميقة بين المدينة والحزب. لكن سامية بعلبكي، التي فرت لأول مرة في حياتها، عبّرت عن شعور عميق بالإحباط: "لم ينتصر أحد. لقد دمرت منازلنا. ورحل زعيمنا".في الوقت نفسه، تشكل الصواريخ غير المنفجرة تهديدًا جديدًا على السكان، حيث يستمر الجيش اللبناني في تفجيرها لتأمين المدينة.وسط هذه الأجواء الكئيبة، يحاول بعض السكان استعادة مظاهر الحياة الطبيعية، مهدي زين الدين، سائق حافلة يبلغ من العمر 36 عامًا، أرسل أطفاله إلى سوريا هربا من الحرب. لكن الآن، مع وقف إطلاق النار، يأمل في عودة الحياة إلى طبيعتها، بينما كان يحمل أكياس الموز، المفضلة لدى أطفاله، قال مبتسمًا: "سنقوم بشوي بعض الدجاج".مدينة بعلبك، التي كانت يوما شاهدة على التاريخ والحضارة، أصبحت الآن رمزًا للألم والدمار، سكانها يعودون بحذر، حاملين معهم ذكرياتهم وجرحهم العميق، وبينما يحاولون بناء حياتهم من جديد، يبقى السؤال: هل يمكن لوقف إطلاق النار أن يمحو ندوب الحرب ويعيد لهذه المدينة رونقها المفقود؟ (ترجمات)