في أعقاب زلزال المغرب المدمر الذي أودى بحياة أكثر من 3 آلاف قتيل، وإعصار دانيال الذي جرف أحياء عدة في المدن الليبية وخلف أكثر من 6 آلاف قتيل وإصابة 10 آلاف شخص، يقول خبير الجيولوجيا والبيئة والتغيّر المناخي الدكتور أحمد الملاعبة، إنّ إعصار "دانيال" هو نذير كبير لثورة مناخية في البحر الأبيض المتوسط وما حوله، وأنّ "القادم أسوأ" إن لم يتم اتخاذ خطوات عاجلة.وأوضح في تصريحات لمنصة "المشهد"، أنّ هناك "نحو 18 دولة تشكّل حزاما حول البحر المتوسط، منها 11 دولة في خطر" والتي منها دول شمال إفريقيا، بدءا من المغرب مرورا بالجزائر وتونس وليبيا ومصر، وبعدها إلى فلسطين ثم الأردن ولبنان وسوريا وتركيا وباقي الدول الأوروبية، انتهاءً بإسبانيا. وأكد الملاعبة أنّ التغيرات المناخيّة بدأت بالعمل على تحوّل في بيئة البحر الأبيض المتوسط، بدءا من القبّة الحرارية التي تشكلت في إفريقيا واتجهت نحو المياه، والتي أدت إلى "تخلخل الضغط"، ما انتهى بـ"نزول الهواء الساخن وتبخّر المياه بشكل غير مسبوق".كيف تشكل إعصار دانيال؟وأضاف: "الرذاذ الذي علق في الغلاف الجوي بعد التبخير، أدى لتشكيل غيوم ثقيلة تحمل كميات كبيرة من الأمطار"، وهو ما ظهر في إعصار دانيال الأخير. وفيما يخص إعصار "دانيال"، بيّن الملاعبة أنه بدا واضحا وجود فروق كبيرة في الضغط الجوي، ظهرت في دول شمال البحر الأبيض المتوسط، خصوصا في تركيا واليونان وقبرص وبلغاريا. ولن تكون إسبانيا بمنأى عن الغرق في فترة مقبلة، على الرغم من اشتعال مناطق عدة فيها من جرّاء الحرائق منذ أسابيع مضت، وفق الملاعبة، الذي شدد على أنّ ارتفاع الحرارة يعني زيادة نسبة تبخّر مياه المحيط الأطلسي الذي يقع إلى الغرب من إسبانيا والمغرب والبحر الأبيض المتوسط. وقال في حديثه لـ"المشهد": "ارتفاع درجات حرارة المياه يعني بالضرورة تشكّل دوامات تسبب إما عواصف أو أعاصير"، وبالتالي فإنّ هذا ما حصل في إعصار "دانيال". وأشار إلى أنّ قوة الإعصار تجلت في ليبيا وتحديدا في مدينة درنة التي غرقت من جرّاء قوة الهطولات، والتي أدت إلى تشكل فيضانات بعد انهيار سدّين مائيّين جرفت المنازل والمركبات المحاذية للوادي.فيضانات ليبياوكان وزير الطيران المدنيّ الليبيّ هشام أبو شكيوات قال في تصريحات صحفية، إنّ "البحر يواصل لفظ عشرات الجثث"، مضيفا أنّ "إعادة الإعمار ستتكلف مليارات الدولارات".من جهته، كشف المتحدث باسم الهلال الأحمر الليبيّ توفيق شكري في حديث لمنصة "المشهد"، أن "الوضع مأساويّ في درنة، حيث تم إحصاء آلاف الضحايا وأكثر من 10 آلاف مفقود".وأكد المتحدث أن "فرق الإنقاذ بالهلال الأحمر الليبي تعمل إلى جانبها الفرق الوطنية بحرا وبرا لتنتشل الجثث والضحايا من تحت الركام".وأشار شكري إلى أنه "البحث متواصل على شواطئ البحر وداخل البحر" عن المفقودين والضحايا، لافتا إلى أن "الوضع صعب في درنة وسوسة وعدد المفقودين كبير جدا".من جانبها، كشفت المنظمة الدولية للهجرة وجود "30 ألف مشرد على الأقل إثر كارثة السيول في درنة".كيف يُمكن تفادي الأزمة المناخية؟وفي ما يخص إمكانية تدارك الأزمة الناجمة عن الإعصار في ليبيا قبل وقوعها، نفى الملاعبة قدرة الدول على تفادي هذه الكوارث، مستشهدا بالولايات المتحدة الأميركية التي تضربها الأعاصير سنويا، وتُحدث أضرارا واسعة في الممتلكات والطرق، وتوقع خسائر بشريّة وماديّة كبيرة. وتحدث الملاعبة في حديثه لـ"المشهد" عن غرق ولاية نيويورك منذ عام مضى، وإعصار آخر ضرب جنوب غرب كاليفورنيا منذ نحو شهر، مشددا على أنّ تدارك هذه الأزمات صعب جدا. وقال إنّ الولايات المتحدة محاطة بالمحيطات، وبالتالي "فإنها دوما معرّضة للعواصف والأعاصير التي يصعب تداركها مبكّرا، بالإضافة إلى تذبذب الضغط الجويّ الذي يعمل على إحداث ظواهر جوية عدة يكون بعضها كارثيا". وأكد الملاعبة أنّ تدارك هذه الأمور يوجب في البداية معرفة المسبّبات، والتي من أهمها التغيّرات المناخية والاحتباس الحراري، داعيا العالم إلى "وقف استخدام الوقود الأحفوريّ خلال فترة تدريجية لا تتجاوز 10 سنوات، واللجوء إلى الطاقة المتجددة". وأضاف: "ثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثان يقصفان حاليا المناخ بحوادث متطرفة، ما أدى إلى غياب في توازنه"، وهو ما يمكن تسميته بمرحلة "التحوّل البيئي". إعصار دانيال.. حدث غير مسبوقأن يضرب إعصار على غرار "دانيال" منطقة البحر الأبيض المتوسط، اعتبر الملاعبة أنه "حدث غير مسبوق"، مشيرا إلى أنّ تسونامي ضرب السواحل الجزائرية والمغربية في وقت سابق. وأكد أنّ البحر الأبيض المتوسط تبلغ مساحته نحو 2.5 مليون كلم مربع، فيما تتراوح أعماقه بين 2000 متر و5000 متر في أخفض بقعة فيه. وبيّن أنّ 5 كلم مربع من المياه قادرة على إحداث حركة هوجاء تشلّ المدن الساحلية، وقد تتعمّق إلى الدول البعيدة. هل العالم مستعد؟ودعا الخبير المناخيّ إلى أهمية إيلاء الجوانب الفنية أهمية قصوى، عبر إيجاد أنظمة تصريف مياه متطورة تحت الأرض. وقال الملاعبة إنه لإيقاف خطر الفيضانات، هناك تفكير بإنشاء أنفاق تحت الأرض على عمق يتراوح بين 20 و40 مترا، مع أهمية استخدام آلة حفر الأنفاق لعمل ممرات ضخمة تستوعب مياه الأمطار الغزيرة، مثل ما تمّ عمله في ماليزيا سابقا. وأوضح أنّ الفيضانات في ماليزيا كانت تقتل نحو 100 ألف إنسان سنويا، مشددا على ضرورة إنشاء شبكات أنفاق ضخمة تحت الأرض، تتمكن من تصريف المياه حال حدوث سيول قويّة. وأوضح الملاعبة أنه على الدول أن تشكل خلايا أزمة تعمل ليل نهار على إدارة عملية احتواء الكوارث، مبيّنا أنّ ماليزيا وعبر تكنولوجيات معقدة تمكنت من تسجيل صفر وفاة بالفيضانات، بعد أن كانت الأرقام سابقا تشير إلى عشرات الآلاف سنويا. ولفت إلى أنّ السعودية على سبيل المثال، تمكنت من إحداث اختراق مهم في ما يخص إنشاء الأنفاق المائية تحت الأرض، خصوصا بعد أن عانت في الأعوام السابقة سلسلة فيضانات مدمّرة. وأكد الملاعبة أنّ هذه الأنفاق يمكن استخدامها لسير المركبات في الفصول الحارة، بحيث يكون عرضها نحو 9 أمتار وتستوعب أعدادا كبيرة من المركبات ولها مخارج إلى سطح الأرض. وشدد على أنّ الأشهر المقبلة هي أشهر أمطار وأعاصير في مختلف دول العالم، والتي منها الدول العربيّة، خصوصا في سلطنة عُمان والخليج العربي، وبالتالي فإنّ الحاجة إلى التحوّط بات ضروريا بمنع تكرار حوادث تؤي إلى الخسائر البشرية والمادية.(المشهد)