عندما نقول مدينة صور جنوب لبنان، يرد لذهننا نقاوة مياه بحرها، وشاطئها الرملي اللؤلؤي، وشوارعها الملونة، لكن الحرب بدّلت هذه الصورة ولو مؤقتة عن "ملكة البحار".فمدينة صور يعود تاريخ تأسيسها إلى بدايات الألف الثالث، وتعدّ رابع أكبر المدن اللبنانية ومعروفة بآثارها وحضارتها، وتحجز مكانة سياحية واقتصادية هامة جنوب لبنان. وهي تقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ومرّ عليها العديد من الشعوب والحضارات كالفنيقية، والرومانية.لكن هذه المدينة التاريخية لم تسلم من الغارات الإسرائيلية العنيفة. فمنذ الأسبوع الماضي، نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي سلسلة غارات استهدفت أحياء في المدينة، ما أدّى لدمار كبير جدًا في المباني والطرقات، وذلك بعد إنذارات أطلقها الجيش الإسرائيلي لإخلاء عدد من مبانيها، زاعمًا أنها تحتوي على "مستودعات أسلحة وصواريخ مضادة للدروع ومبان عسكرية ومواقع استطلاع لوحدات عسكرية مختلفة في "حزب الله" منها وحدة عزيز المسؤولة عن عمليات الإطلاق من منطقة جنوب غرب لبنان نحو الأراضي الإسرائيلية".ومع أن صور، تُحظى بوجود قوي لمؤيدي "حزب الله" الشيعي، لكن تُعدّ موطنًا أيضا للسنة والمسيحيين ومن كافة أطياف المجتمع اللبناني الذين لا تربطهم علاقة أيديولوجية أو سياسية مع الحزب. كما أنّ لـ"حركة أمل" التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري نفوذ قوي فيها.صور.. مدينة التراثصور تقع على بعد 80 كيلومترا عن العاصمة بيروت، وبقيت بعيدة إلى حد كبير عن نيران الحرب المشتعلة بين "حزب الله" والجيش الإسرائيلي، لكنها لم تنجو.ولفت نائب رئيس بلدية صور صلاح صبراوي في حديث لـ"المشهد" لأهمية المدينة على المستوى الأثري، السياحيّ والاقتصاديّ.وأشار صبراوي إلى أن مدينة صور كانت جزيرة وبعد حصار الإسكندر المقدوني، تم ردم البحر فصارت شبه جزيرة، وتتمتع بمواقع أثرية كثيرة.ومن آثارها: الملعب الروماني الذي يشبه أحد المواقع الموجودة في إيطاليا، المرفأ المصري حيث نصف أعمدته موجودة بالماء والنصف الآخر باليابسة، وداخل المدينة لدينا كنائس أثرية عدة، وفق صبراوي.وأضاف صبراوي "قبل عام 2019، كان يدخل لآثار صور نحو 6000 زائر بالسنة، هذا الرقم ارتفع تدريجيًا لحين بدء جائحة كورونا وإغلاق كلّ المواقع السياحية"، لافتًا إلى أنه في شهر أكتوبر عام 2019 كان قد وصل عدد الزوار إلى 65 ألف زائر بالعام، مشيراً إلى "أننا كنا بدأنا بالتعافي بعد كورونا لحين بدء الحرب".بحر صوركما لفت صبراوي إلى أنّ البحر الذي يلف المدينة عامل جذب للسياحة والمشاريع السياحية، فالكورنيش الجنوبي طوله نحو 1000 متر، يضم 28 فندقًا ومطعمًا ومقهى، مشيرا إلى أن الكورنيش السياحيّ تعرض لغارة إسرائيلية أدت لسقوط مبنى كامل وتضرر بعض المباني بقربه تضم أحد المقاهي الشهيرة.كما لفت لوجود محمية طبيعية على البحر في صور، مؤكدًا أن البلدية تؤمن خلال فصل الصيف كل التسهيلات والأمن لزوار البحر، مثلا أيام الآحاد كانت تدخل 4000 سيارة للبحر الذي يمتد على طول 3 كيلومتر، ذاكرًا أن "موتقع عالمية صنّفت رمال صور كأجمل نوعية رمال على الشرق الأوسط.لا مواقع عسكرية بصورمن جانبه، قال رئيس اتحاد بلديات صور ورئيس بلدية صور حسن دبوق، إنه لا توجد بعد إحصاءات دقيقة لعدد المباني التي سويّت أرضًا أو تدمرت داخل مدينة صور، لكن الدمار كبير خصوصًا في محيط المباني المستهدفة.ورجّح دبوق في حديث لمنصة "المشهد" أنه في الضربات الأخيرة تم استهداف 6 مبانٍ ضخمة، وبعد قصفها تضررت المباني حولها نحو 5 أو 6 مبان، معتبرًا أنّ أكثر من 40 مبنى تضرّر و6 مبان تدمرت بالكامل في الضربات الأخيرة.وأشار إلى أنّ الأماكن المستهدفة هي مبانٍ سكنية وبنى تحتية، مؤكدًا أن مدينة صور لا تصلح لموقع عسكري، ولا تصلح لمنصة صواريخ هي مدينة مسالمة وسياحية، ولا توجد فيها مراكز عسكرية.وعن سلامة الأماكن الأثرية، ذكر دبوق أنّ "الأماكن الأثرية الكبيرة سليمة، لكن إحدى الضربات السابقة كانت قريبة من أحد المواقع الصغيرة ذات أهمية كبيرة كونه أحد الأماكن التي زارها المسيح في صور وصارت معجزة شفاء المرأة الكنعانية، لافتا إلى أن إصابته ليست مباشرة لكن القذيفة كانت قريبة منه عشرات الأمتار.ولفت دبوق إلى أن الضربات لمدينة صور غير مسبوقة منذ بدء الحرب، لكن الإنذارات التي أطلقت قبل استهدافها أدت لإخلاء المباني ما حال دون وقوع إصابات كثيرة.وقال: "قبل الاستهداف الأخير والعنيف لصور كان يوجد في المدينة نحو 2500 عائلة، ونصفهم نازحين من مناطق قريبة لصور، لكن بعد الضربة غادر عدد منهم". وأضاف: "نستغرب أنّ المجتمع الدولي لا يتحرك ولا يمارس أي ضغط فعلي لتوقيف إطلاق النار".(المشهد)