فخ كبير وقع فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بإعلان حركة "حماس" موافقتها على الهدنة الإنسانية، بينما كانت تستعد تل أبيب للبدء في عملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية. وفي الساعات الماضية، تصاعدت الأحداث في قطاع غزة بعد قيام الجيش الإسرائيلي بإلقاء منشورات على سكان بعض المناطق الجنوبية لمدينة رفح الفلسطينية تُطالبهم بإخلائها تمهيدًا لتنفيذ عملية عسكرية، أعقبها قصف جوي إسرائيلي لهذه المناطق. وخلال ليلة أمس، واصلت تل أبيب قصفها الجوي، فيما أعلن الجيش الإسرائيلي سيطرته على معبر رفح الفلسطيني، في خطوة اعتبرها محللون بأنها محاولة لحكومة الحرب الإسرائيلية لتحقيق انتصار عسكري سريع على الأرض قبل الوصول إلى اتفاق نهائي مع " حماس" بهدف إرضاء اليمين الإسرائيلي. وقال محللون لمنصة " المشهد" إنّ نتانياهو لا يريد الوصول إلى هدنة لأنه يعلم أن وقف الحرب معناه انتهاء مستقبله السياسي وفي الوقت نفسه يواجه ضغوطًا من الداخل والخارج من أجل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.إسرائيل لا ترغب في هدنة وفي التفاصيل، قال خبير الأمن القوميّ والعلاقات الخارجية المصريّ اللواء محمد عبد الواحد إنّ إسرائيل من المتوّقع أن تلجأ للمُقاربة العسكرية لكي توازن بين عمليتها العسكرية في رفح والاستمرار في عملية التفاوض للتخفيف من الضغط الدولي عليها. وأشار عبد الواحد في حديث لمنصة "المشهد" إلى أنّ "حماس" دخلت المفاوضات بهدف وقف كامل لإطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، في حين دخلت تل أبيب المفاوضات بهدف واحد فقط وهو إطلاق سراح الأسرى. وأضاف: "لولا الضغوط الداخلية من عائلات الأسرى على حكومة الحرب الإسرائيلية لما وافق نتانياهو على الدخول في هذه المفاوضات لأن هذا الملف ليس ضمن أولويات اليمين الإسرائيلي". إشكالية أخرى تحدّث عنها خبير الأمن القومي المصريّ وهي الأرضية التي دخل الطرفان على أساسها المفاوضات، فبالنسبة لإسرائيل ومعها الولايات المتحدة تتحدثان بمنطق القوة المُسيطرة على الأوضاع في غزة، وبالتالي تتعامل بمبدأ إملاء الشروط وليس التفاوض لتحقيق كل طرف لمصلحته، في حين ترى "حماس" أنها منتصرة ولم تُمكن تل أبيب من تحقيق أيّ نصر عسكري وبالتالي لديها مطالب تريد تحقيقها. وكشف عبد الواحد أنّ "حماس" في هذه الحالة ليست الطرف الأضعف لذلك دخلت المفاوضات لكي تحقق أهدافها بوقف الحرب والإفراج عن السجناء الفلسطينيين في إسرائيل. وقال إنّ تل أبيب تريد أن تُحقق مُقاربة عسكرية بالدخول في رفح مدعومة بحصانة دولية من الغرب وأميركا، إذ لا تتم مساءلتها قانونيًا رغم الانتهاكات التي ترتكبها في غزة. وأشار إلى أنّ نتانياهو يريد أن يُحقق نصرًا عسكريًا يقوم بتسويقه إلى شعبه فضلًا عن تحقيق أهداف غير مُعلنة من خلال السيطرة الأمنية والاقتصادية على القطاع. وأوضح عبد الواحد أنّ المعطيات السابقة تجعل نتانياهو غير راغب في الوصول إلى صفقة لتبادل الأسرى فهو من يتحكم عسكريًا في غزة الآن، وسوف يستمر في العمليات العسكرية وفي الوقت نفسه يرسل فريق للتفاوض بهدف تضييع الوقت ولكي يثبت للعالم أنه يريد السلام. وكشف أنّ إسرائيل هي من أعدت المسودة التي وافقت عليها "حماس" وجرى بعض التعديلات عليها من خلال الوسطاء. وقال خبير الأمن القومي المصريّ إنّ إسرائيل ستتحكم في مدينة رفح لكي تمنع وصول أي معونات أو مساعدات للجانب الفلسطيني.وأوضح أنّ الولايات المتحدة ليس لديها رغبة لمنع إسرائيل من تنفيذ عملية عسكرية في رفح، لافتًا إلى أنها تتحفظ فقط على شكل العملية وعدد الضحايا المدنيين من الجانب الفلسطيني. وحول الموقف المصريّ من التطورات الجديدة في غزة، أشار خبير الأمن القومي المصري، إلى أنّ القاهرة ستواصل جهودها كوسيط بين الطرفين لإقرار هدنة إنسانية في القطاع، لافتًا إلى أن مصر منذ بداية الحرب وهي تسعى إلى منع التصعيد ووقف إطلاق النار. كل السيناريوهات مطروحة من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية المصريّ، الدكتور طارق فهمي، أنّ كل الخيارات مطروحة الآن، لافتًا إلى أنّ إسرائيل سوف تستجيب للمفاوضات وسترسل وفدًا إلى القاهرة لتقديم رد مكتوب وفي الوقت نفسه ستكمل العملية العسكرية في رفح. وأشار في حديث لمنصة "المشهد" إلى أنّ المشكلة الأساسية ليست في وقف العملية العسكرية في رفح من عدمها ولكن في جدية الحكومة الإسرائيلية للوصول إلى هدنة ووقف إطلاق النار. وقال إنّ هناك أزمة ثقة الآن بين الحكومة الإسرائيلية وحركة "حماس" وهذه الأزمة ستؤثر على إتمام الصفقة، لافتًا إلى أنّ مصر تعمل الآن على بناء جسور الثقة بين الجانبين. وكشف فهمي أنّ استمرار إسرائيل في عمليتها العسكرية في رفح يهدف في الأساس إلى الضغط على "حماس" للموافقة على الشروط الإسرائيلية الخاصة ببنود الاتفاق، لافتًا إلى أنه في النهاية سيتم التوّصل إلى اتفاق ولكن لا يمكن التنبؤ بموعد حدوثه. أمر آخر أكده المحلل السياسي المصريّ وهو الضمانات الأميركية الخاصة بمدى التزام تل أبيب بشروط الهدنة، قائلًا: "الإدارة الأميركية عليها دور كبير في ضمان التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار وتنفيذ بنود الهدنة". وأشار إلى أنّ نتانياهو يتبع إستراتيجية الكر والفر والمراوغات من خلال العمل على مسارات متعددة للوصول إلى مساحة آمنة في المفاوضات فهو ينقل رسائل لكل الأطراف سواء الولايات المتحدة أو الوسطاء أو حتى "حماس" والداخل الإسرائيلي بالتأكيد. وأضاف "نتانياهو يريد أن يُرضي اليمين الإسرائيلي المتطرف وهو حليفه في الحكومة الإسرائيلية وفي الوقت نفسه يحاول إرضاء الداخل الإسرائيلي وأهالي الأسرى". مأزق نتانياهو!بدروه، رأى مساعد وزير الخارجية المصريّ الأسبق السفير محمد حجازي أنّ إعلان "حماس" قبول الهدنة وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي في فخ كبير، لافتًا إلى أنّ تل أبيب كانت تستعد لتنفيذ عملية عسكرية في رفح. وقال في حديث لمنصة "المشهد" إنّ الهدف من العمليات العسكرية المتسارعة في رفح خلال الساعات الماضية هو وضع موافقة "حماس" في الزاوية، لأن اليمين الإسرائيلي غير راغب في التوصل إلى هدنة في قطاع غزة، وبالتالي في حال وافق نتانياهو على الهدنة فإن حكومته الائتلافية ستسقط فورًا. هدف آخر في رأي الدبلوماسي المصريّ للعملية العسكرية في رفح هو إرضاء اليمين الإسرائيلي الذي يقف حائلًا أمام أي فرصة لوقف إطلاق النار ولكي يظهر نتانياهو بالمنتصر بعد الوصول إلى هدنة في غزة. وأشار إلى أنّ الجانب الإسرائيلي سيوافق في النهاية على الهدنة لكنه يريد أن يقوم بعملية عسكرية في رفح قبل ذلك، بحسب ما ذكره مسؤولون في الولايات المتحدة. وأكد مساعد وزير الخارجية المصريّ الأسبق، على ضرورة أن يكون هناك تصور لما بعد الحرب في غزة، لافتًا إلى ضرورة أن تنضوي "حماس" تحت لواء السلطة الفلسطينية ويتم تشكيل حكومة تكنوقراط، على أن يكون الجانب العسكري لـ"حماس" بعيدًا عن الحكم في غزة. وقال إنّ مصر لم تأل جهدًا منذ بداية الأزمة لوقف الحرب من خلال التحركات الدبلوماسية المكثفة مع كل دول العالم، لافتًا إلى أنّ مصر مُدركة بشكل كبير أهمية التوصل إلى وقف لإطلاق النار كما أنها مدركة لمساعي الحكومة الإسرائيلية التي تريد أن تستمر الحرب في غزة والإبقاء على الخيار العسكري هناك. وأشار إلى ضرورة اللجوء إلى المسار السياسي حتى تتوقف المعاناة التي يتكبدها أهالي قطاع غزة، وهو ما تركز عليه الجهود المصرية بحسب الدبلوماسي المصريّ. (المشهد)