لم يكن العام 2024 عاماً اعتيادياً في تاريخ منطقة الشرق الأوسط بل مثل محطة حاسمة شهدت تحولات جيوسياسية وإستراتيجية أعادت رسم ملامح الصراعات القائمة وأطلقت سلسلة من التغيرات العميقة التي طالت موازين القوى الإقليمية.وبرزت حرب غزّة كنقطة تحول كبيرة في المنطقة وارتفعت فاتورة الخسائر البشرية والمادية إلى مستويات غير مسوقة مع توجيه ضربات قاصمة لحركة "حماس" بما في ذلك اغتيال رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية ومن بعده خليفته يحيى السنوار وفتح إسرائيل جبهة لبنان التي شهدت واحدة من أكثر المحطات دموية بتسجيل أكثر من 3 آلاف قتيل فضلًا عن اغتيال مجموعة من قادة "حزب الله" وعلى رأسهم الأمين العام السابق حسن نصر الله. وفي الوقت الذي كان العالم فيه يستعدُّ لتوديع عام صعب، كان التطور الأبرز في سوريا هو سقوط نظام بشار الأسد الذي شكل نقطة التحول الأهم بتغيير موازين القوى. ومع تولي المعارضة السورية زمام الأمور، تراجع النفوذ الإيراني في المنطقة أكثر ليعيد العام 2024 تشكيل المشهد الإقليمي، فيما وُصفت إيران بأنها الخاسر الأكبر بعدما منيت أذرعها الخارجية وحلفاؤها بهزائم سواء في لبنان وسوريا. سقوط سريع وقال أستاذ العلاقات الدولية وفضّ النزاعات الدكتور حسن المومني، إن سقوط النظام السوري بشكل سريع لم يكن متوقّعًا، وإنه كان يُعتقد أنّ الصراع في سوريا "مجمّد" وأنها "عمل غير مكتمل". ولفت المومني في حديثه لقناة "المشهد" إلى أنه كان هناك انطباع أنّ الأمور في سوريا مؤجلة إلى حدّ ما، وأن "الكل يعلم بأنه ما قبل وبعد غزة، كان هناك حراك عربيّ باتجاه سوريا ومن بينها المبادرة الأردنية (خطوة مقابل خطوة) التي تبنتها المجموعة العربية". وأشار إلى أن الدول الراعية لاتفاق أستانا وهي روسيا، تركيا وإيران بدت وكأنها استمرأت ما يسمى بـ"تجميد النزاع" ثم جاءت المفاجأة إلى حد ما التي أدّت إلى انهيار النظام السوري بسرعة وتخلي روسيا وإيران عن بشار الأسد.وأكد أنه لا يمكن فصل ما حدث في سوريا عن القضايا في المنطقة، خصوصًا وأن النقطة المفصلية في ما جرى هي حرب غزة التي أدّت إلى تطورات وتداعيات أقليمية أخرى.وحول التحليلات التي أكدت أنّ غزّة أجهضت مشاريع كثيرة مثل مشروع التطبيع العربي الإسرائيلي وغيرها، قال المومني إن ما حدث في غزة في سياق الصراع العرب الإسرائيلي والقضية الفلسطينية، قد يكون واحدًا من أخطر المراحل التي مرت.وأضاف "بتقدير الشخصي، فإن غزّة وتأثيراتها على القضية الفلسطينية وعلى الإقليم يمكن أن تكون فاقت عام 1948 (النكبة) وعام 1967 (النكسة)". وتابع المومني أنه لولا الحرب في غزّة لما كانت التداعيات في لبنان أو سوريا أو هجمات "الحوثي" في البحر الأحمر. وقال إنه لولا غزة "لم نر انكشاف العالم بمعاييره المزدوجة بهذا الشكل وبهذا الاتجاه ولو لا غزّة لم نشهد تحرك محكمة العدل الدولية ولم نشهد كثيرا من الأحداث حول العالم". وشدد المومني على أنّ غزة هي نقطة محوريّة أثرت في السياسة الدولية للشرق الأوسط "ولما رأينا هذه الشهوة الإسرائيلية التوسعية بهذا الحجم".الصراع في السودان واعتبر المومني أنّ الأوضاع السياسية للصراع في السودان وإشكالية الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع "لم تنضج بعد". وأضاف أن هناك تزاحما في الأولويات، أي "متى يصبح السودان أولوية إقليمية ودولية وبالتالي ينصب الاهتمام عليه". وأكد المومني أنه في عام 2024 وفي المنطقة العربية، استمرت غزة هي المهمة ثم جاءت الآن سوريا، خصوصا وأن تداعيات الصراع في سوريا ستبقى لأشهر قادمة. واعتبر أن السودان عانى من أمرين، وهو أن القوى هناك لم تصل إلى درجة العقلانية الكافية، بالإضافة إلى أنه لم يكن هناك جهود دولية حقيقية حثيثة وإقليمية عدا عن بعض المبادرات التي حصلت. تغيير وجه الشرق الأوسط وبعد سقوط نظام الأسد في سوريا، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وأكد أن إسرائيل ستغير وجه الشرق الأوسط. ومن هنا، قال زميل الأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والإستراتيجية ورئيس معهد شؤون الأمن العالمي والدفاع والأستاذ الزائر بـ"الناتو" والأكاديمية العسكرية في بروكسل اللواء الدكتور سيد غنيم، إن التغيير الذي كان يقصده نتانياهو هو في النفوذ والقوة وفي معادلة التوازن لأن يجعله لصالحه.وأكد أن الفرق بين القوة والنفوذ، هو أن "القوة هي ما امتلكه من قدرات القوة الشاملة سياسيا واقتصاديا وعسكريا وبيئيا وديموغرافيا.. أما النفوذ فهو القدرة على استخدام عناصر القوة الشاملة في تحقيق رغبتي أو إرادتي". وأوضح غنيم أن منافسي إسرائيل من غير الدول العربية هما تركيا وإيران وهما من تمتلكان القدرات التكنولوجية وقدرات التنافس. وشدد على أن الحرب الحقيقية لإسرائيل هي مع إيران، وبالتالي فإن معادلة النفوذ هي ضرب كل ما هي أذرع تحقق النفوذ الإيراني في الأساس. وأكد أن معادلة النفوذ التركي مختلفة، لأن الذراع التركي الأساسي هو "الإخوان المسلمين" الذي بات صوتهم منذ 2011 "خافت ولا وجود له على الإطلاق" لأن إردوغان "ليس دائماً إسلامياً بشكل عام". واعتبر أن ضرب إسرائيل لمرتكزات القوة الإيرانية بدون أذرعها، يكون عبر الاستمرار بضرب القوى العسكرية والمقدرات الاقتصادية وضرب المقدرات النووية بأي شكل. وأكد أن الهدف الإستراتيجي النهائي لإسرائيل هو إسقاط "حكم الملالي" في إيران، وسيكون ذلك إما عبر الضغط من الخارج على الداخل لكي يضغط على الحكومة ويسقطها بأي شكل من أشكال أو ضرب مرتكزات القوة التي يرتكز عليها "حكم الملالي". عين نتانياهو على تركياوبالنسبة لتركيا، قال غنيم إن نتانياهو لن يواجه الجيش التركي عسكريا على الإطلاق، مضيفا أنه "لو حصل الصدام بالصدفة سيكون صدفة ولن يستمر". وأكد أن تركيا هي دولة عضو في "الناتو" وهي دولة ليست "سهلة" ولديها واحد من أقوى الجيوش في العالم. ولفت غنيم إلى أن تركيا ليست دولة منعزلة أو "مارقة" على غرار إيران وكوريا الشمالية. وقال إنه "في المرحلة القادمة، سيكون هدف إردوغان الحفاظ على نفوذه، الذي يريد نتانياهو ضربه أمنيا وسياسيا وعسكريا من خلال سوريا تحديدا". وعن سبب الخلاف الرئيسي بين إردوغان ونتانياهو، أوضح غنيم أن الرئيس التركي هزم رئيس الوزراء الإسرائيلي. وأكد أنه منذ قدوم إردوغان على رأس تركيا، جعل الجيش تحت سيطرته وعمل على تقليص النفوذ الإسرائيلي داخل الجيش التركي الذي كان واضحا في الأعوام التي سبقت حكم إردوغان.(المشهد)