منذ أن أطاحت فصائل المعارضة بحكومة الرئيس السابق بشار الأسد يوم الأحد الماضي، نزل آلاف السوريين في العاصمة دمشق إلى الشوارع للاستمتاع بالحرية بعد أكثر من 54 عاما من قبضة حديدية لعائلة الأسد. ووسط الاحتفالات، وجدت سوريا نفسها أيضا في الفصل الافتتاحي من حساب وطني حول الفظائع التي عانى منها السوريون في ظل حكومة الأسد وهم يواجهون وجها لوجه شبكة السجون ومراكز الشرطة وغرف التعذيب. وعلى مدار 13 عاما، بعد الحرب الأهلية، استخدم الأسد الأذرع الطويلة لنظامه بشكل لم يسبق له مثيل للقضاء على المعارضة، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية.تم اختطاف المتظاهرين والنشطاء والصحفيين والأطباء وعمال الإغاثة والطلاب من متاجرهم، فيما لم يسمع عنهم أحد مرة أخرى. وانتهى المطاف بالعديد منهم في صيدنايا، السجن سيئ السمعة في ضواحي دمشق، والذي كان في كثير من الأحيان آخر مكان يُلقى فيه المعتقلون بعد شهور من الاستجواب في مراكز احتجاز أخرى. وأصبح السجن المترامي الأطراف ذو الأجنحة الثلاثة رمزا مؤلما لقسوة الأسد ومركزا لبعض أسوأ الفظائع التي ارتكبت خلال فترة حكمه. وقتل أكثر من 30 ألف معتقل، أعدم العديد منهم في عمليات شنق جماعية، وفقا لجماعات حقوقية، فيما وصفت منظمة العفو الدولية سجن صيدنايا بأنه "مسلخ بشري". ويسلّط التقرير الضوء على ما عاناه أقارب المعتقلين، الذين كانوا يدفعون آلاف الدولارات كرشاوى لمسؤولين حكوميين لتعقب مكان ذويهم دون جدوى. وبالنسبة لهؤلاء، وفي غياب دليل على مقتل أطفالهم أو أشقائهم أو أزواجهم، هرعوا إلى السجون ومراكز الاحتجاز في جميع أنحاء البلاد للبحث عن ذويهم في ظل سيطرة المعارضة على دمشق وإزاحة النظام السوري. ولا يزال كثيرون يبحثون ويمشون عبر أرضيات زنازين السجن المتّسخة حيث يقول المعتقلون المفرج عنهم مؤخرا إنهم توسّلوا الموت في فترة ما.وقال بسام بطاف (38 عاما) وهو يقف خارج سجن صيدنايا "أفتقد 40 شخصا من عائلتي.. يجب أن أعرف أين هم، أين اختفوا؟ ماذا حدث لهم؟ لماذا لا يمكننا العثور عليهم؟". سجن صيدناياكان سجن صيدنايا في معظم المقاييس أكثر سجن للتعذيب رعبا في نظام الأسد. وكانت التقارير عن تعرض المعتقلين للضرب والتجويع مخيفة للغاية لدرجة أن قلة قليلة في دمشق تجرأوا حتى على نطق اسمها خلال حكم الأسد.وفي الساعات الأولى من صباح الأحد الماضي، كان معظم السجناء في صيدنايا قد أفرج عنهم مع اقتحام مسلّحي المعارضة العاصمة وهروب الضباط من السجن. لكن استمرت الشائعات عن قسم سري، يعرف باسم "الجناح الأحمر" ، حيث قد لا يزال المزيد من السجناء على قيد الحياة. وقال غسان الدبس (63 عاما) وهو يسير إلى جانب الحشود "يقولون إنها ثلاثة طوابق تحت الأرض.. ماذا لو نفد الهواء؟ كيف سيبقون على قيد الحياة؟". المشرحة تعتقد جماعات حقوقية أن الآلاف الآخرين الذين لقوا حتفهم في السجن، دفنوا في مقابر جماعية أو تم التخلص منهم في محرقة جثث بنيت في المجمع، فيما وصفه المسؤولون الأميركيون بأنه محاولة للتستر على الفظائع التي ارتكبها النظام السوري المخلوع. ونقل المسلّحون، الجثث إلى مشرحة مستشفى المجتهد وسط العاصمة، حيث بدت مشوهة بشكل لا يمكن التعرف عليه، مع عيون مفقودة وخدود غائرة. وقال الأطباء الشرعيون إن بعض الجثث كانت تحمل ندوبا حمراء سميكة حول العنق تشبه حروق الحبل، في حين كانت جثث أخرى مغطاة بندوب مستديرة، يرجّح بأنها بسبب المكواة الساخنة. داخل المشرحة، قام الأطباء بفحص الجثث بحثا عن أي علامات تعريف - وشم وأسنان ملتوية. التقطوا صورا لوجوه الجثث من عدة زوايا، حيث يبدو أن بعض السجناء المفترضين قد ماتوا قبل أيام فقط. مات آخرون منذ أسابيع، وتحول لون جلدهم إلى اللون الأخضر وملأت الجثث الغرفة برائحة اللحم المتحلل. وصرخت مجموعة من النساء وهن يحاولن شق طريقهن إلى المشرحة "فقط دعونا نلقي نظرة!".(ترجمات)