في حي التضامن، يعرف الأطفال الفرق بين فك الإنسان وفك الكلب.لقد اعتادوا على بقايا الجثث المتحللة، نتيجة للعيش في هذه الضاحية المهجورة في دمشق، لدرجة أنّ الأولاد يرمون الجماجم وعظام الفخذ المكسورة بلا مبالاة. بعد أن كان حيّ التضامن معقلًا للمعارضة، تحول إلى حقل قتل صناعيّ من قبل عناصر موالية لبشار الأسد خلال الحرب الأهلية السورية التي استمرت 13 عامًا، وفق صحيفة "فايننشال تايمز".ظل حي التضامن أرضًا قاحلة منذ ذلك الحين، ما يعكس سياسة الأسد في معاقبة الذين وقفوا ضده بلا رحمة: بحر من القمامة والبقايا البشرية؛ ومظهر رماديّ يملأ أرواح الموتى المجهولين.بقايا عظام بشريةوعثرت صحيفة "فايننشال تايمز" على عظام بشرية متناثرة في أكوام من الحطام وملابس متحللة ملطخة بالدماء في مبانٍ مجوّفة. وفي أحد الأقبية، كانت هناك حبال مشنقة مهترئة معلقة من العوارض الخشبية. وفي قبو آخر، كانت رائحة الموت تنبعث من كومة من الجثث التي لا يمكن التعرف إليها.هذه هي نتيجة ما وصفه السكان وجماعات حقوق الإنسان بسنوات من الفظائع غير المقيدة التي ارتكبتها القوات الموالية للأسد، بما في ذلك الحصار والذبح والتعذيب والعنف الجنسيّ الوحشي. وحتى يوم الأحد الماضي، كانت المنطقة خاضعة لحكم قوات الدفاع الوطني، وهي ميليشيا موالية للأسد أرعبت السكان وأرغمتهم على الخضوع.قال صبي يبلغ من العمر 10 سنوات "أينما وقفنا، ربما كنا نقف على جثث"، وتذكر كيف اكتشف قبل أيام يدًا متحللة تخرج من كومة من الأنقاض؛ فقام هو وأصدقاؤه بتغطيتها بكومة من التراب.الحي موطن لعدد غير معروف من المقابر الجماعية المحفورة على عجل، وهي بعض أسوأ الأمثلة على عنف الأسد التي تم الكشف عنها منذ الإطاحة بنظامه من قبل المعارضة هذا الشهر. في حين وثقت جماعات حقوق الإنسان والناشطين المناهضين للأسد الفظائع الفردية التي حدثت هناك، فإنّ العدد المذهل من الرفات البشرية دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأنّ جزءًا ضئيلًا فقط مما حدث معروف. وتشير التقديرات إلى مقتل مئات الآلاف من الأشخاص في سوريا منذ عام 2011، عندما أدى قمع الأسد للمحتجين إلى اندلاع حرب أهلية شاملة.إعدامات جماعية وكانت عمليات القتل خارج نطاق القضاء والإعدام الجماعيّ والاختفاء القسريّ سمات متسقة لحكم الأسد وحكم والده حافظ، الذي حكم من عام 1970 حتى وفاته في عام 2000.لقد كان حي التضامن مرادفًا لرغبة النظام في سفك الدماء منذ ظهور مقطع فيديو في عام 2022 يظهر أدلة على مذبحة جماعية في عام 2013. في الفيديو، ظهر رجل يرتدي زيًا عسكرياً وهو يقود رجالاً عُزّلاً ومعصوبي الأعين نحو خندق كبير في وسط شارع ضيق ويطلق النار عليهم من مسافة قريبة عندما يقتربون من الحافة أو بعد سقوطهم فيها. تم التعرف إليه لاحقًا على أنه عضو في قوات الدفاع الوطنيّ أمجد يوسف، وقد أكد باحثو "هيومن رايتس ووتش الموقع"، الذين طابقوا صور الأقمار الاصطناعية مع المشهد في الفيديو. لم يتم إجراء فحص جنائيّ للموقع بعد، لكنّ المجموعة وجدت بالفعل أدلة على جرائم حرب.قالت الباحثة في هيومن رايتس ووتش، هبة زيادين، إنّ المجموعة "لم تتوقع العثور على بقايا بشرية متناثرة عبر مساحة أكبر بكثير من الحي". وأضافت "لقد حدث الكثير في التضامن".وقال أحد السكان، واصفًا ما حدث "كانوا في بعض الأحيان فتيانًا من الحي - ثوار انتفضوا ضد الأسد"."كيف قُتل ابناه على يد جنود قوات الدفاع الوطني بهذه الطريقة. "لكن في بعض الأحيان لم نكن نعرف من هم وكانوا يُحضرون إلى هنا فقط ليموتوا"، قال، وهو لا يزال خائفًا جدًا من الانتقام لاستخدام اسمه. يبدو أنّ الحي كان يُستخدم كمكب لجثث مجهولة المصدر، قُتلت هناك أو في مكان آخر. غالبًا ما كان يتم جمع الشباب والأولاد تحت تهديد السلاح ليأتوا ويحفروا خنادق لإلقاء الجثث فيها. تحدث أحد الرجال عن عدم قدرته على مسامحة نفسه على تواطئه في حفر قبور الثوار الشباب.يتذكر صلاح (59 عامًا)، وهو سائق سيارة إسعاف سابق في مديرية صحة دمشق، كيف كانوا يتلقون أوامر الإرسال إلى حي التضامن في عام 2018 لالتقاط الجثث وتحميلها على سيارات الإسعاف وإيداعها في مشرحة مستشفى المجتهد الحكوميّ في العاصمة. وقال إنّ تعليماته جاءت بعد وقت قصير من إبرام صفقة في ذلك العام بين المعارضة وحكومة الأسد لإجلاء المعارضة وعائلاتهم من حي التضامن إلى إدلب التي تسيطر عليها المعارضة في شمال غرب سوريا، وإعادة الحيّ إلى سيطرة النظام.(ترجمات)