عينت إيطاليا سفيرا لها في دمشق وذلك بعد نحو عقد ونصف من تعليق نشاطها الدبلوماسي مع سوريا على خلفية الأزمة حين استدعت روما جميع موظفيها من سفارتها في دمشق في عام 2012 في خطوة متطابقة مع حلفائها في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.ومع عودة السفير المعيّن ستيفانو رافاجنان إلى دمشق، قال وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني إن بلاده قررت تعيين سفير في سوريا "لتسليط الضوء" عليها، لتكون أول دولة من مجموعة السبع الصناعية الكبرى تستأنف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق، رغم العقوبات الدولية والعزلة الدبلوماسية.إيطاليا تعين سفيرا في سوريا قبل أيام، كتب ممثلو 8 دول أوروبية رسالة موجهة إلى مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، وجاء في الرسالة: يواصل السوريون مغادرة بلادهم بأعداد كبيرة، ما يشكل ضغطا إضافيا على الدول المجاورة.في فترة تزداد فيها حدة التوتر في المنطقة، الأمر الذي يهدد بتدفق موجات جديدة من اللاجئين. واقترحت الدول الـ8 عددا من الأمور، أبرزها تعيين مبعوث خاص إلى سوريا، وهذه الدول هي إيطاليا والنمسا، كرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا، فيما رفضت ألمانيا الانضمام. بدوره، أبدى منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل تحفظاته بعد تقديم الورقة، ولم يستبعد اتخاذ إجراء عملي "نيابة عن الشعب السوري"، لكنه ذكّر بأن دمشق تحتفظ بعلاقات وثيقة مع روسيا وإيران.العلاقات السورية - الإيطاليةويرى الباحث والمحلل السياسي السوري د. محمد نادر العمري في حديث إلى منصة "المشهد" أن "إيطاليا ليست من الدول الجديدة التي تعلن عودة علاقاتها أو مساعيها لإعادة العلاقات مع سوريا، حيث كانت هناك محاولات من قبل إيطاليا وقبرص واليونان لإعادة هذه العلاقات بعد عام 2018، خصوصا بعد قيام بعض الدول العربية بإعادة علاقاتها مع سوريا". ويعتقد العمري أن "وجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تلك الآونة والتلويح بفرض عقوبات على الدول التي تعيد علاقاتها مع سوريا وإقرار ما يسمى بقانون قيصر، مَنع هذه الدول من اتخاذ خطوات تجاه سوريا. وهناك العديد من الدوافع التي جعلت كلا من إيطاليا وعدد من الدول الأخرى تبدأ جدّيا في إعادة العلاقات". وأشار العمري إلى أن "الاتحاد الأوروبي اليوم يعاني من انحصار نفوذ على مستوى الخارطة الإقليمية للشرق الأوسط، فيما يعد ملف اللاجئين مهمّا للاتحاد، ويجب أن يُعالج بسياسة أكثر واقعية من خلال التواصل مع دمشق". ما الفائدة التي تجنيها سوريا؟ يتعارض الموقف المعلن لبروكسل تجاه التطبيع مع دمشق، مع التحرّكات التي تتخذها دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي لإعادة فتح سفاراتها في سوريا، في حين أن جمهورية التشيك كانت الدولة الوحيدة التي أبقت سفارتها مفتوحة في سوريا، وسط نقل معظم الدول لنشاطها الدبلوماسي المتعلق بسوريا إلى دول متجاورة مثل لبنان والأردن وإقليم كردستان العراق. بعد استعادة دمشق لمقعدها في جامعة الدول العربية، كثّفت الدول الخليجية من مساعيها لحث الدول الأوروبية على عودة علاقاتها مع دمشق، وفق أرضية اقتصادية تقوم على تحسين ظروف السوريين المعيشية كطريقة مثلى لتفادي موجات الهجرة واللجوء، والتي باتت تهدد دولاً أوروبية متعددة بمشاكل اجتماعية واقتصادية مؤثرة على حسابات سياساتها الداخلية.ملف اللاجئينويرى العمري أن "قرار إيطاليا سيكون تمهيدا لعودة دول أوروبية أخرى، وسيشجع الدول الأخرى أكثر لإعادة علاقاتها وتصحيحها مع سوريا. وهذا سيؤثر على الأخيرة على المستوى الداخلي والدولي". على الصعيد الداخلي: ستبدي هذه الدول رغبة لإعادة اللاجئين، والمشاركة في مشاريع التعافي وإعادة استثماراتها وامتيازاتها الاقتصادية، ومشاركتها في إعادة الإعمار.على الصعيد الدولي: سيرى المجتمع الدولي بأن سوريا استطاعت تجاوز مرحلة "عنق الزجاجة" من خلال محاولة هذه الدول إسقاط النظام السياسي في سوريا. وبالتالي قرار عودة هذه الدول للتنسيق مع سوريا يشير إلى اعترافها بفشل مشاريعها وبعدم صحة قراراتها وسياساتها.تواصل بعثة الاتحاد الأوروبي في سوريا عملها من بيروت، مع احتفاظها بمقرها في دمشق والذي بات يحتوي على موظفين سوريين فقط. في الوقت نفسه، ترددت تقارير إعلامية لم يتم تأكيدها من مصادر رسمية عن لقاءات أمنية متواصلة بين ممثلين من دول في الاتحاد الأوروبي مع الأجهزة الأمنية المعنية في سوريا. من جهته، يستبعد المحلل المختص بالشؤون الأوروبية ناصر زهير أن يكون هناك "تأثير كبير للخطوة الإيطالية على مكانة سوريا ودور سوريا في المجتمع الدولي سوى تحسين صورتها الدبلوماسية، ولكن من ناحية العلاقات الاقتصادية والتجارية ستظل الأمور شبه مجمدة بفعل العقوبات، فيما الخطوة قد تكون مهمة للعب الاتحاد الأوروبي دوراً أكبر في العملية السياسية والتسوية السياسية للملف السوري".دوافع أوروبية في الأشهر الأخيرة، شهدت قبرص زيادة ملحوظة في عدد اللاجئين السوريين، الذين يخاطرون بحياتهم لعبور البحر من لبنان إلى الجزيرة الأوروبية في قوارب بدائية، ما أدى إلى وفاة الكثيرين خلال هذه الرحلات المحفوفة بالمخاطر. على خلفية ذلك، دعت قبرص إلى جانب 7 دول أخرى في الاتحاد الأوروبي إلى إعادة تقييم الوضع في سوريا خلال مؤتمر الهجرة الذي عُقد في مايو، بهدف إيجاد حلول للتحديات التي يواجهها اللاجئون وتحسين آليات الدعم والاستجابة الإنسانية لهم. ويشرح العمري أن "جزءا من دوافع الدول لإعادة علاقاتها مع سوريا رغبتها بتجاوز الموقف الأميركي لأن تركيز السياسة الخارجية الأميركية اليوم منصب على تطورات أوكرانيا وملف غزة، وهذا الأمر جعل من الملف السوري يتراجع ضمن قائمة أولويات الاهتمام الأميركي، ولكن هذا الأمر أضر بالكثير من الدول الأوروبية التي تعاني من مشكلة اللاجئين أو التي تشكل ممرا لانتقالهم إلى دول أخرى". في الواقع فإن جهود التطبيع مع دمشق على أرضية ملف اللاجئين، تلتقي مع توجّهات الأحزاب السياسية إلى إيجاد حلول للأزمة التي باتت تهدد المستقبل السياسي للعديد منها، وتهددها بالإطاحة من السلطة من قبل أحزاب يمينية مناهضة للهجرة، بالإضافة إلى إراحة الدول المجاورة مثل الأردن ولبنان وتركيا، التي أعلنت مراراً عجزها عن تأمين متطلبات الأعداد الكبيرة من السوريين الموجودين على أراضيها تحت مسمى "الحماية المؤقتة". ويلفت العمري إلى أن "هناك شعوراً حتى من قبل الأوروبيين بأن الولايات المتحدة قد تفرط بهم في حال تغير الإدارة في البيت الأبيض، وهذا يسبب قلقاً لديهم لما له من تداعيات سلبية على الأمن الأوروبي". مشيرا إلى وجود "العديد من الدول التي من الممكن أن تحذو حذو إيطاليا مثل النمسا وسلوفاكيا وكرواتيا قبرص اليونان، ولا بد من الإشارة إلى أن الجهود الروسية لإعادة العلاقات السورية – التركية تشجع الدول على القيام بهذه الخطوات. في المقابل باتت هذه الدول تدرك أن التبعية لأميركا تشكل خطرا على الاتحاد الأوروبي".اعتراض واشنطنبالمقابل يعتقد زهير أن "واشنطن ليس لديها اعتراض كبير على هذه الخطوات، على الرغم من التصريحات الأميركية المنددة، وذلك لأن هذه الخطوة تأتي من دولة عضو في مجموعة السبع". وحسب زهير فإن واشنطن"ترى بأن مثل هذه الخطوات لن تؤثر بشكل كبير طالما أنها لن تشمل علاقات اقتصادية أو توجّهات أخرى" مخالفة للعقوبات الغربية المفروضة على دمشق. وتشمل العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي منذ عقد من الزمان حظر السفر وتجميد الأصول الرئيس السوري وغيره من كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال، وتضم قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي 283 شخصاً و70 كياناً سورياً، فيما تضغط واشطن على دمشق من خلال سلسلة من العقوبات المسماة "بقانون قيصر" التي تعتبر الأقسى بعد العقوبات على روسيا وإيران.(المشهد)