منذ عرض حلقاته الأولى عاد مسلسل "الفلوجة" ليُشعل الجدل من جديد في تونس حول واقع المدارس التونسية من خلال تطرقه لظواهر انتشرت بها في غفلة من المجتمع والعائلات.مسلسل "فلوجة" للمخرجة سوسن الجمني يُعرض في موسمه الثاني على تلفزيون "الحوار التونسي"، ويغوص في عالم المراهقة ومشاكلها ومشاغلها من خلال تتبع يوميات عدد من الطلاّب بالمداس ورصد تفاصيل حياتهم وعلاقتهم ببعضهم وبأسرهم. ويُقدّم العمل صورة صادمة للواقع الاجتماعي في تونس، ما جعله موضوع خلاف واسع النطاق بين التونسيين. ويتناول العمل ظواهر وسلوكيات على غرار العنف في المدراس سواء كان بين الطلاب أو ممارسا عليهم واستهلاكهم للمخدرات وترويجها. "فلوجة".. ضجة كبيرة في تونسولا يكاد يمر عرض حلقة من المسلسل من دون أن تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلاً مع محتواها. واختلفت الآراء حول العمل بين من رأى أنه نجح في تعرية قضايا حقيقية وظواهر منتشرة في الأسر والمدارس التونسية مسكوت عنها وإن كان ذلك بطريقة مبالغ فيها، وبين من اعتبر أن العمل بحث عن الإثارة من خلال تهويل الحقائق، مؤكدا أنّ ما يقدمه يسيء لصورة الكادر التدريسي وللمدارس التونسية بشكل عام عبر تصويرها فضاء للجريمة والانحراف. ويعتبر أصحاب الرأي الأول أن العمل يشكّل خطرًا على المراهقين والشباب في تونس، وتقول السيدة راضية الزين وهي أم لشابين مراهقين إنها ترفض أن يشاهد أطفالها هذا المسلسل.وتعتبر في تصريح لمنصّة "المشهد" أنه يطبّع مع سلوكيات العنف واستهلاك المخدرات ويجعل منها سلوكيات عادية وغير مرفوضة اجتماعيا، وتضيف "كنا نرغب في أن نشاهد على شاشاتنا أعمالا تعلم أطفالنا القيم والأخلاق لا أن نشاهد عملا يصوّر الانحراف على أنه سلوك طبيعي".وعلى مواقع التواصل الاجتماعي يتداول الناشطون خصوصًا من فئات المراهقين والشباب مقاطع من المسلسل على حساباتهم ما حوّله إلى واحد من "الترندات" المتداولة في البلد كل ليلة يحاولون تقليد أبطاله في حركاتهم وطريقة كلامهم.في المقابل، يعتقد جزء من المتابعين للعمل أنه من المهم الحديث عن هذه الظواهر وتشريحها لأنّها موجودة في المدرسة التونسية ولم يختلقها المسلسل. ودافع الإعلامي سمير الوافي على العمل قائلا في تدوينة نشرها على حسابه الشخصي "أخلاق أطفالكم وقيم عائلاتكم لن يهددها مسلسل يأتي أسبوعين في العام ثم يختفي ومن ينتظر أن تربي التلفزة أطفاله وتعمله القيم فهو يبالغ لأن الأطفال والمراهقين تجاوزوا زمن التلفزة وبين أياديهم شاشة أخرى أخطر فيها "التيك توك" ومنافذ أخرى تطل على كل الممنوعات والمحظورات ومتاحة في متناولهم في كل وقت وهي الخطر الحقيقي الذي يؤثر ويغيّر ويدمر". وكان العمل أثار جدلا كبيرا في موسمه الأول وصل حد القضاء والتهديد بمنع مواصلة عرضه.ظواهر مفزعة لكن هذا التباين في الرأي بخصوص تقييم طريقة تناول مسلسل "فلوجة" لقضايا مثل العنف في الوسط المدرسي وخارجه واستهلاك المخدرات بالمدارس لم ينف الاجماع الرسمي والشعبي على أن هذه الظواهر تحوّلت لغول يهدّد المدرسة التونسية بسبب انتشارها بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة وهو ما تثبته الدراسات والاحصائيات والتصريحات الرسمية وغير الرسمية التي تصفها ب "المفزعة". وتقول أستاذة الجامعة في اختصاص علم الاجتماع صابرين الجلاصي لمنصّة "المشهد" إن هذه الظواهر منتشرة بشكل ملحوظ في الوسط المدرسي في تونس، وتضيف "لم نكن ننتظر مسلسل "فلوجة" حتّى نكتشفها فهي ظواهر وسلوكيات مفزعة نتابعها بشكل يومي ومنذ سنوات". وتعتبر الجلاصي أن الطفل الذي يمارس عليه العنف داخل أسرته سيكون طفلا عنيفا في مدرسته، مضيفة "هو يرد الفعل بتلك الطريقة".وتؤكد أن الطالب يمارس العنف إما تقليدا لما رآه من عنف من حوله أو محاكاة للعنف الذي يتعرض له أو رغبة في الانتماء إلى مجموعة تمارس العنف".وتزيد أن غياب العائلة وانشغالها عن أطفالها بسبب تغير نمط الحياة فاقما هذه الظاهرة "فالأم والأب يعملان طوال اليوم ولا يلتقيان طفلها الا لساعات قليلة كل ذلك ساهم في جعل المحيط المدرسي هي الفضاء الذي يقضي فيه الطالب معظم وقته ويتعلم فيه كل القيم التي كان من المفترض أن يتعلمها داخل أسرته". وتلفت إلى أن هناك حاجة ماسة لتأطير الطلاب والاحاطة بهم نفسيا واجتماعيا ومن هنا تأتي أهمية أن "يكون هناك مختص في علم النفس أو الاجتماع بمدارسنا".غياب الحلول ويندد المتخصصون والمعنيون بالشأن التربوي بارتفاع ظاهرة العنف المدرسي خلال السنوات الأخيرة الذي وصل حد استخدام الأسلحة البيضاء.وقبل أيام فقد طفل عينه بعد أن اعتدى عليه زميله في المدرسة بمقص في حادثة أثارت ضجة واسعة خصوصًا بعد توقيف المدير والمدرسة، والعام الماضي قتل طالب في محافظة بنزرت شمالا على يد زميله بعد أن طعنه بسكين.ويؤكد مختصون في الشأن التربوي أن سلوك الطلاب تغيّر في السنوات الأخيرة وبات ميلهم للعنف ولعالم الانحراف ملحوظا بعد أن صاروا فريسة سهلة للمنحرفين. وبحسب أرقام لوزارة التربية التونسية تسجل سنوياً بين 13 و21 ألف حالة عنف في المؤسسات التربوية، خصوصا في المدارس الإعدادية والمعاهد وهو ما يضع تونس في مراتب متقدمة عالميا في هذا السياق. ويقول رئيس جمعية "أولياء التلاميذ" رضا الزهروني لـ"المشهد" إن هناك عوامل كثيرة ساهمت في ارتفاع منسوب العنف داخل المؤسسات التربوية في تونس أبرزها تراجع دور العائلة وضعف الرقابة على الطفل والمراهق بشكل عام. ويضيف "العنف الذي نشاهده في المدارس هو نتيجة طبيعة لانتشار العنف في المجتمع ولاستعمال الأنترنت دون رقابة ولتفكك الأسر". ويتابع "اليوم صرنا نسمع عن استعمال أسلحة بيضاء مثل السكاكين واستهلاك المخدرات بشكل كبير في المدارس والظاهرة في ارتفاع متواصل وهذا يشعرنا بالخوف". ووفق تقديره هناك أشكال مختلفة من العنف التي يتعرض لها التلميذ "هناك عنف افتراضي وآخر جنسي وهناك العنف المادي أيضا".ويزيد أن منسوب العنف يختلف من منطقة لأخرى ومن محيط لآخر ومن مدرسة لأخرى ولابد من القيام بدراسات ميدانية تأخذ هذه العوامل بعين الاعتبار. لكن المشكلة الحقيقية في رأيه "هي العجز عن إيجاد الحلول التي يجب أن تكون بمشاركة جميع الأطراف بداية من العائلة وصولا إلى الكادر التدريسي وحتى رجال الأمن".حملات في محيط المدارسويشتكي الأولياء والمشرفون على المدارس من خطر وجود غرباء بمحيط المدارس التونسية يمارسون العنف على التلاميذ ويبيعونهم المخدرات.وبسبب تفاقم الظاهرة أطلقت وزارة الداخلية التونسية في بداية العام الدراسي الحالي حملات أمنية مكثفة لحماية الطلاب من المنحرفين أسفرت عن اعتقال أكثر من ألفي ملاحق قضائيا كما تم توقيف عدد من المورطين في ترويج المخدرات بمحيط المدارس.وسنويا يتعرض مئات الطلاب للسجن بسب ارتكابهم للعنف داخل المدراس أو لاستهلاكهم المخدرات.(المشهد)