يستمر التصعيد الذي انفجر في 7 أكتوبر بين الفلسطينيين وإسرائيل التي تكبّدت واحدة من أكبر الخسائر في تاريخ صراعها مع الفلسطينيين، وذلك من خلال الهجوم المفاجئ الذي شنّته الفصائل الفلسطينيّة بقيادة الجناح المسلّح لحركة حماس.الهجوم الذي جاء مفاجئا بتوقيته وشكله وخلفيّته أربك حكومة بينيامين نتانياهو المثقلة بالمشاكل والقضايا الداخلية، وفتح الباب على مصراعيه للتساؤلات التي تركّزت بشكل خاص على فكرة، "كيف فشلت إسرائيل في التقاط أيّ إشارات لهجوم واسع كالذي تعرضت له قبل يومين؟".أمام تطوير حماس لقدراتها الاستخباراتية، والأخطاء في تقييم التهديد الأمني الذي تواجهه تل أبيب، وتداعيات الأزمة السياسية التي طال أمدها في الداخل على القدرة المؤسسيّة لإسرائيل، كل هذه العوامل دفعت بنتانياهو ووزرائه إلى إطلاق تهديدات جادة وصلت إلى حدّ "تغيير وجه الشرق الأوسط".بالمقابل، لا تزال الفصائل الفلسطينية تحتفظ بأوراق ضغط وبطاقات رابحة، يمكن من خلالها تحويل المكاسب الميدانية التي حققوها لأول مرة منذ الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني إلى نتائج سياسية.الأسرى الإسرائيليين ورقة بيد حماستعدّ ورقة الأسرى من أهم المكاسب التي حققتها الفصائل الفلسطينية في الحرب الدائرة اليوم، إذ عملت حماس على أسر عدد كبير من الإسرائيليّين، في عملية اعتبرها البعض مخططا لها مسبّقا، خصوصا في ظل وجود مهرجان نوفا "مهرجان موسيقي أقيم على شكل حفل غنائي ليلة الجمعة إلى السبت" في صحراء النقب، بالقرب من الحدود مع غزة، كفرصة يمكن لحماس من خلالها أسر عدد كبير من الإسرائيليّين وبتوقيت عطلة عيد الغفران في إسرائيل.يُعتبر ملف الأسرى أحد أكثر نقاط الضعف بالنسبة لإسرائيل، التي تبذل جهودا كبيرة لاستعادتهم، وهو ما يشهد عليه تاريخ الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي المليء بالعديد من عمليات تبادل الأسرى بين الجانبَين، أشهرها صفقة شاليط في 11 أكتوبر 2011 بوساطة مصرية، حيث تم خلالها الإفراج عن 1000 أسير و50 أسيرة من السجون الإسرائيلة، مقابل الجندي الإسرائيلي المحتجز لدى حماس، حينها جلعاد شاليط، ولاقت صفقة شاليط انتقاد بعض الإسرائيليين بوصفها غير متكافئة.في هذا السياق، قال الباحث في الشؤون الإقليمية والدولية هاني الجمل، في حديث إلى منصة "المشهد"، إنّ "أهم خطوة خططت لها كتائب القسام، هو محاولة أخذ مجموعة من الأسرى ضمن الهجوم التكتيكيّ الذي قامت به، فهي تشكل ورقة ضغط تستطع من خلالها إدارة الأزمة، خصوصا أنّ عنصر المفاجأة الذي أفقد إسرائيل جيشا وشعبا، قدرة الاختباء في الملاجئ، وهو ما كان تأثيره واضحا في تعامل الجيش الإسرائيليّ عندما استهدف المباني السكنية وليست الأماكن المتوقع وجود الأسرى فيها".على النقيض من ذلك، أشار الباحث والمحلل السياسي محمد العمري في تصريح إلى "المشهد"، أنّ "إسرائيل تولي أهمية للأسرى، لكن عندما يتعلق الأمر ببقاء ووجود إسرائيل، فإنّ ذلك سيكون أولوية على مسألة الأسرى، وقد تمارس تل أبيب سياسة الأرض المحروقة لمنع الفصائل من التمدد".تكتيك حركة حماسبالنظر إلى الخطة التي اتبعتها الفصائل الفلسطينية، تبدو عملية "طُوفان الأقصى" تم رسمها والتخطيط لها بالاستفادة من دروس تاريخ الصراع بين الجانبَين. إذ عمدت حماس إلى أسر عدد كبير من الإسرائيليّين، ونشرتهم في أنحاء القطاع، وذلك لردع أيّ هجمات إسرائيلية انتقامية على القطاع من جهة، وللوصول إلى صفقة تبادل أسرى غير مسبوقة مع تل أبيب من جهة ثانية.وبالتحديد، يولي نتانياهو اهتماما كبيرا بعمليات تبادل الأسرى، بالعودة إلى التاريخ قليلًا، فقد قُتل شقيق نتانياهو عام 1976 يوناتان نتانياهو خلال محاولته إنقاذ رهائن إسرائيليّين من مطار عنتيبي في أوغندا، وذلك بعدما غير مختطفون فلسطينيون وجهتها إلى أوغندا، ما أثر بشكل كبير على نهج نتانياهو السياسي.وفي هذا الإطار، يضيف الجمل أنّ "هذا التكتيك المحكم مقتبس من الفكرة التي تم استخدامها من قبل المصريين قبل 50 عاما، باستخدام الأسلحة الخفيفة والمؤثرة والتي هاجمت العمق الإسرائيلي، وذلك باستغلال حالة الاسترخاء التي انتابت القوات الإسرائيلية بسبب الأعياد اليهودية التي تعيشها هذه الأيام، كما أنّ التظاهرات الداخلية في إسرائيل بسبب التعديلات على السلطة القضائية، أنهكت القوات الإسرائيلية".بدوره، يشرح العمري، أنّ "قيام إدارة سجون إسرائيل بنقل جميع أسرى قطاع غزة من سجن النقب إلى جهة غير معلومة، قد تحمل بعدين، الأول، خشية هذه الإدارة من تمكن عناصر الفصائل الفلسطينيّة من الوصول لهذه السجون وتحريرهم، ما قد يحمل حكومة نتانياهو المزيد من الإخفاقات والنكسات. والثاني، احتمال تحويل هؤلاء الأسرى لدروع بشرية يستخدمها الجيش الإسرائيلي، لمنع تقدم الفصائل الفلسطينيّة نحو المزيد من المستوطنات".وبرأي العمري "قد يكون هناك احتمال ثالث يكمن في إقدام الجيش الإسرائيلي بأذيّة هؤلاء الأسرى".الأسرى الأميركيون في غزةتعتمد إسرائيل بشكل أساسيّ على الدعم الأميركي السياسي والعسكري لها، ويتولى هذا الدعم بشكل أساسيّ منظمة "آيباك" والتي تعدّ أقوى جماعات الضغط (لوبي) في الولايات المتحدة، وتؤثر بشكل كبير على قرارات الكونغرس الأميركي.في صراع اليوم، كان الموقف الأميركيّ كما العادة داعما لتل أبيب، فبعد ساعات من بدء العملية، سرعان ما بدأت التصريحات الأميركية تتحدث عن التزام الولايات المتحدة بحماية إسرائيل.جاء ذلك على لسان الرئيس الأميركي جو بايدن بقوله، إنّ دعم بلاده لإسرائيل "صلب كالصخر" و"راسخ"، مضيفا، "تدين الولايات المتحدة إدانة قاطعة هذا الهجوم المروّع على إسرائيل من قبل إرهابيي حماس من غزة، وأوضحت لرئيس الوزراء نتانياهو أننا على استعداد لتقديم كل وسائل الدعم المناسبة لحكومة إسرائيل وشعبها".ويرى العمري أنّ "إسرائيل قد تستغل ملف الأسرى خصوصا أنها تروّج لوجود أميركيّين بين المحتجزين، وأنّ الكثير من الإسرائيليّين يحملون الجنسية الأميركية، وبالتالي هذا يعني أنّ هناك محاولة إسرائيلية لاستقدام الدعم الأميركيّ من خلال ملف الأسرى".وأشار العمري إلى أنه "بعد هزيمة إسرائيل عسكريا حتى اللحظة، وفشلها في صدّ هجوم الفصائل الفلسطينية والتصدي لعناصرها، تسعى تل أبيب لاستقدام العطف والدعم الغربيّ لممارسة الضغوط على الدول العربية والإقليمية والدولية للضغط على الفصائل لوقف عملياتها، وإعادة عقارب الساعة لقبل فجر لـ7 من أكتوبر لعام 2023".وينهي العمري حديثه إلى المشهد قائلا، إنه "في مرحلة ما بعد الحرب سيكون ملف الأسرى الأكثر تأثيرًا، الأول لأنّ الحكومة الإسرائيلية ستكون تحت الضغط الداخلي وستكون في موقف محرج جدا، وستحاول التوصل إلى تفاهمات لاستعادة الأسرى، قد تكلفها الكثير من التنازلات، السبب الثاني أنّ العدد الكبير من الأسرى لدى الفصائل الفلسطينية".(المشهد)