مع تسارع الأحداث في سوريا والتي طوت صفحة حكم بشار الأسد، بعد سيطرة المعارضة المسلحة على البلاد، وفراره لروسيا، يُطرح التساؤل عن الدور الذي ستلعبه الولايات المتحدة، في تحديد مآلات التغيرات الحاصلة، خصوصًا وأنّ القرارات التي ستتخذها واشنطن بعد أسابيع قليلة، سيكون مُهندسها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب، الذي يصعب التنبؤ بخطواته.فبينما تقف مؤسسات واشنطن إلى جانب الأكراد، ويُعرف عن الرئيس الأميركيّ الحالي جو بايدن حفاظه على هذا التوجه التقليدي، يبعث ترامب برسائل مُختلفة عبر منشور على منصته الخاصة "تروث سوشال"، يقول فيه إنّ "سوريا ليست دولة صديقة، ومعركتها لا تخص الولايات المتحدة"، ما يُثير تساؤلات عديدة حول سياساته المستقبلية حيال سوريا، ومصير القوات المُقدرة بـ900 جنديّ، ومُستقبل التأثير الأميركي بالمنطقة.سحب القوات والمرحلة الجديدة وفي هذا السياق، يُشير الأستاذ المحاضر في الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، نزار فرسخ، إلى أن ضبط الأسلحة وخصوصًا الكيماوية منها، هي "أولوية في الحسابات الجيوإستراتيجية للولايات المتحدة بسوريا، وفي ظل التطورات المتلاحقة عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد، يقول الأستاذ فرسخ لمنصة "المشهد" إنّ "سحب القوات الأميركية من قاعدة التنف، مُستبعد بالنظر لموقعها الذي يُعدّ ذا أهمية إستراتيجية بالغة لقربه من إيران". وبالنسبة للباحث في العلاقات الدولية بهيئة الشرق الأوسط للسياسات، ماركو مسعد، فإنّ احتمالية انسحاب القوات الأميركية، إذا ما تم قياسها بناءً على المنشور الأخير لترامب، الذي تحدّث فيه عن ضرورة خروج الولايات المتحدة من سوريا بشكل صريح، تبدو كبيرة، فترامب بحسب مسعد، يعتقد أنّ "المهمة الأساسية للقوات كانت القضاء على داعش"، وقد حصل ذلك وبالتالي لم يعد هناك سبب لبقائها. لكن ما سيحدث في سوريا ومآلات المرحلة المُقبلة "قد تفرض على الرئيس خيارات أخرى غير خيار الانسحاب الذي اقترحه". ويرى ماركو مسعد أنّ طريقة تعامل الولايات المتحدة مع سوريا مستقبلًا، سيتوقف على أداء إدارة العملية الانتقالية الجديدة لما بعد نظام الأسد، ومدى التزام الجماعات المنضوية تحت لواء المعارضة السورية باحترام التزاماتها الحقوقية، وابتعادها عن الإرهاب، ويتحدث الباحث في العلاقات الدولية عن صعوبة التنبؤ بخطوات ترامب، الذي لا يرى أيّ مصلحة لواشنطن في مُساندة الأكراد، ويعتقد أنّ الدعم الذي يستفيدون منه كفيل بمساعدتهم على الدفاع عن أنفسهم، كما لا يرى الرئيس الأميركيّ المنتخب أيّ مصالح إستراتيجية للولايات المتحدة في سوريا، على عكس بايدن الذي يتحدث عن إبقاء عين لمراقبة ما يحدث يومًا بعد آخر. "تحرير الشام" خارج قائمة الإرهاب غير أنّ انخراط واشنطن في ما يحدث بسوريا لا بد أن يُمر أولًا عبر رفع "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب، فالتعامل مع القيادة الجديدة المؤقتة أصبح يتطلب ذلك. وفي هذا الإطار يقول ماركو مسعد إنّ ما تقوله وتفعله "هيئة تحرير الشام" سيحدد مستقبلها، فإذا نجحت في تحقيق انتقال سياسيّ جيد، ستجبر المجتمع الدوليّ على احترامها، كفصيل سياسيّ يعمل بشكل حكيم مبني على احترام حقوق الإنسان، وتدفع الولايات المتحدة لشطبها من قائمة الإرهاب. لكن إذا اختارت الهيئة طريقًا آخر يعتمد على العمليات العسكرية، والاحتكام للسلاح لإبعاد فصائل أو طوائف وأقليات معينة عن الحكم، فهنا يمكن أن تزيد الولايات المتحدة من تضييقاتها عليها، وتبقيها على القائمة، يقول المتحدث، الذي يعتقد أنّ ما سيحدث مستقبلًا متوقف بشكل كبير على الفصائل السياسية، وأنّ اختيارات الشعب السوريّ نفسه، هي التي ستحدد تعاطي المجتمع الدوليّ وتعامل واشنطن مع البلاد، سواء في ما يتعلق بالسياسات المُستقبلية، أو في ما يخص رفع العقوبات أو فرض المزيد من القيود والتضييقات.الأكراد .. نهاية مهمة وبداية أخرىكان الرهان الأميركيّ سابقًا مُركزا على دعم قوات سوريا الديمقراطية الكردية، ضمن مهمة التحالف الدوليّ للقضاء على "داعش"، لكنّ الواقع اليوم مختلف تمامًا، فعودة ترامب الذي يعتقد بأنّ التنظيم قد انتهى، قد تؤثر على التحالف الأميركيّ مع الأكراد. المؤسسات الأميركية التقليدية في العادة تتحالف مع الأكراد وتُحافظ عليهم، لكنّ ترامب ليس تقليديًا، وتعاطيه مع هذه الفئة يُتوقع أن يكون مختلفًا، بحسب أستاذ الشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن نزار فرسخ، الذي يعتقد بعدم اهتمام ترامب كثيرًا بقضيتهم. وفي حين ينظر الأكراد لمصيرهم من خلال المشاورات الحالية بين جو بايدن، والرئيس التركيّ رجب طيب إردوغان، يتوقع الأستاذ فرسخ أن يماطل هذا الأخير حتى إتمام تنصيب ترامب، لأنه يتفق معه بشكل أكبر حيال مصير هذه الأقلية. علاوة على ذلك، يُرجح الأستاذ نزار فرسخ احتمال تشكيل اتفاق يُقلص دور الأكراد في سوريا، ويضمن عدم حدوث أيّ تقارب بينهم وبين أكراد إقليم كردستان العراق، وإلغاء فكرة استقلالهم. في المقابل، يُمكن أن تتغير هذه السنياريوهات بناءً على ما يُمكن أن تطلبه إسرائيل من ترامب، وهي التي لا تخفي نية تعزيز علاقاتها مع الأكراد وأقليات أخرى في المنطقة.(المشهد - واشنطن)