في ظل تداعيات الزلزال المدمّر لم يشأ الرئيس التركي رجب طيب إردوغان تأجيل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية معلنا أنها ستكون في 14 مايو المقبل، في حين يبدو في هذه الدورة الاستثنائية للرئيس أن المكون الكردي سيلعب دورا بارزا في حسم النتائج خصوصا بعد اختيار المعارضة لمرشحها رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو.وفي الحقيقة، يمّر الأكراد في تركيا بتغيرات مجتمعية عميقة تتميز في المقام الأول بديناميكيات العلمنة والتحديث، حيث ظهرت الأجيال الشابة من الأكراد خصوصا أولئك الذين ولدوا بعد عام 1981 (الجيل Y) وأولئك الذين ولدوا بعد عام 1996 (الجيل Z)، كمستفيدين رئيسيين من الدولة المنتفحة على السياحة، لكنهم أيضا المحركون الرئيسيون للتغيير في شكل التحضر والتعزيز الاجتماعي في جنوب شرق تركيا.وهذه الديناميكيات لها تأثير عميق على الشبكات التقليدية لأكراد تركيا وعلاقتها بالسياسة، حيث تتمثل الاتجاهات السائدة في الاستياء التدريجي من حزب العدالة والتنمية بين العديد من الأكراد، بحسب دراسة أعدتها المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية (ELIAMEP).مع أو ضد إردوغان؟ويوضح الباحث السياسي سربست فرحان سندي في تصريحات لمنصة "المشهد" أن:أكبر حزب كردي سيشارك في الانتخابات هو حزب الشعوب الديمقراطي. الحزب صرّح بصورة مباشرة ضد إردوغان بخصوص هذه الانتخابات.وكان زعيم حزب الشعوب الديمقراطي ميتات سنكار قد أعلن دعم مرشح الرئاسة المعارض إذا اتفقوا على "المبادئ الأساسية"، قائلا: "توقعاتنا الواضحة هي الانتقال إلى ديمقراطية قوية".وعن السبب وراء ذلك، يعتقد سندي أنه "يعود إلى ضغط الأحزاب الصغيرة اليسارية داخل تحالف المعارضة، أما الأحزاب الكردية الباقية فهي صغيرة الحجم ولا توجد لديها كفائية التغيير في الانتخابات".و"الشعوب الديمقراطي" هو ثالث أكبر حزب في البرلمان ويدعمه 12% من الأتراك، وهو ليس جزءا من هذا التحالف لكن أنصاره ساعدوا المعارضة على الفوز بالانتخابات البلدية المفاجئة في إسطنبول وأنقرة ومدن أخرى عام 2019"، بحسب الدراسة.وأشارت استطلاعات الرأي أن "ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي سيحتاجون إلى دعم تحالف المعارضة من أجل الإطاحة بإردوغان والفوز بأغلبية في البرلمان من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحلفائه وأبرزهم حزب الحركة القومية".وحول مدى إمكانية دعم إردوغان، يقول سندي إن "الأطراف الكردية سواء حزب الشعوب الديمقراطي أو باقي الأحزاب الصغيرة سوف تنظر إلى وعود الطرفين وتقرر وفقا لذلك بخصوص دعم الرئيس أو كمال كليجدار أوغلو".انقسام كرديبينما ترى الباحثة في الشؤون التركية هدى رزق في حديث لمنصة "المشهد" أن "الأكراد المتدينين سينتخبون إردوغان وكذلك المؤيدين لرئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني في ديار بكر (جنوبي البلاد)".أما بالنسبة لحزب الشعوب الديمقراطي، وهو يمثل نحو 8 ملايين ناخب، فتعتبر رزق أن "هذا الحزب الذي يمثل أكثر من 15 بلدية، 10 منها جرى عزل رؤساءها من قبل حكومة إردوغان، فسيكون بجانب المعارضة". وأضافت رزق: "الحزب يؤيد كليجدار أوغلو ويعمل مع طاولة المعارضة بالخفاء لخلع إردوغان، حيث أن المعارضة وعلى الرغم من خلافاتها الإيديولوجية ومشاريعها الحقيقية إلا أنها تجتمع وأهم ما في جدول أعمالها إسقاط الرئيس التركي". وكذلك يتفق سندي مع رزق ويقول إنه "يوجد انقسام بسيط بين الأكراد وخصوصا مع التيار الإسلامي والذي يجسده هودا بارت (حزب هدى)، وهو الحزب الكردي الموالي لإردوغان، لكنه لا يمتلك الحاضنة الشعبية أو القوة الموجودة لدى حزب الشعوب الديمقراطي"، متوقعا أن "يكون قرار الحزب الشعبوي مع الأغلبية الكردية المؤيدة للمعارضة خلال الانتخابات".وحول طبيعة التفاهمات التي طلبها رئيس حزب الشعوب الديمقراطي لإعلان التأييد الرسمي للمعارضة، يقول سندي: "مطالب الأكراد هي تطبيع الأوضاع خصوصا مع المكوّن الكردي وإعادة رؤساء البلديات للأكراد وتحقيق المطالب الثقافية وإطلاق سراح الآلاف الموجودين في السجون". ولسنوات، واجه حزب الشعوب الديمقراطي حملة قمع حكومية وحظرا محتملا لعلاقات مزعومة بحزب العمال الكردستاني (PKK) وهو ما ينفيه الحزب. وفي يناير الماضي، جمّدت المحكمة العليا حسابات الحزب المصرفية، مما قطع شريان الحياة المالي قبل الانتخابات، إلا أنه تم الرجوع عن القرار قبل أيام قليلة بقرار فُسّر على أنه محاولة من إردوغان لإرضاء المكون الكردي.موقف الأكراد في الانتخابات السابقةلطالما تقاسم حزب الشعوب الديمقراطي وأسلافه وحزب العدالة والتنمية نحو 90% من الناخبين الأكراد على مدى العقد الماضي. وبحسب مؤسسة "بكير آجيردير" (كوندا)، أحد كبار استطلاعات الرأي من كوندا، فإنه "في انتخابات 2011 من بين 100 ناخب كردي، صوّت 52 لصالح حزب العدالة والتنمية و35 لصالح المرشحين المستقلين، وفي انتخابات عام 2015، تغيّرت هذه النسبة: من بين 100 ناخب، صوّت 65% لحزب الشعوب الديمقراطي و27% لحزب العدالة والتنمية". وهذا يعني أيضا أن الحزبين معا قد رفعوا حصتهما من 87% إلى 92%، فيما تمثّل جميع الأحزاب الأخرى ما نسبته 8% فقط من الأصوات الكردية المشاركة.وبالنسبة للسياسات الحزبية على مستوى تركيا وحسابات الانتخابات، كان عام 2018 نقطة فاصلة، فمع إدخال النظام الرئاسي لم يعد بإمكان الأحزاب الفردية الفوز بالأغلبية المطلقة اللازمة بمفردها، وأصبحت التحالفات الانتخابية بين حزبين على الأقل ضرورة.وظهرت حينها كتلتان حزبيتان رئيسيتان: انضم حزب العدالة والتنمية إلى حزب الحركة القومية، وانضم حزب الاتحاد الكبير (BBP) اليميني أيضا إلى ما يسمى بتحالف الشعب (جمهور إتيفاكي).وبالنسبة للموقف من التحالف المعارض، ففي مايو 2018 وافقت 4 أحزاب معارضة: حزب الشعب الجمهوري، حزب الخير (IYI)، حزب السعادة، والحزب الديمقراطي على الترشح في الانتخابات البرلمانية مجتمعة باسم تحالف الأمة (مليت).وفي فبراير 2022، انضم الحزبان المنشقّان عن حزب العدالة والتنمية حزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل إلى التحالف والذي عُرف باسم "الطاولة السداسية" أو "التحالف الوطني".وعن سبب غياب حزب الشعوب الديمقراطي عن هذا التحالف، يقول الأستاذ في القانون الدستوري سنان سيدي إن "سبب استبعاد حزب الشعوب الديمقراطي بسيط نسبيا: لا يريد أعضاء التحالف أن يُنظر إليهم على أنهم متعاطفون مع القضية الكردية في تركيا، وهي تهمة كان من شبه المؤكد أن يفرضها إردوغان ضد التحالف إذا شمل الحزب باعتباره العضو السابع".وبدلا من ذلك، شكّل حزب الشعوب الديمقراطي تحالفا خاصا به في 25 أغسطس 2022 مع مختلف الأحزاب اليسارية الصغيرة (TİP ،EMEP ،Emekçi Hareket Partisi ،TÖP) للانتخابات المقبلة عام 2023، وهذا التجمع يسمى تحالف "العمل والحرية".ومع ذلك، تغيرت الأمور في عام 2019، عندما قرر التحالف الوطني خوض الانتخابات البلدية مع مرشحين مشتركين، وكانت النتائج زلزالا سياسيا: لأول مرة منذ عام 1994، فاز رؤساء بلديات حزب الشعب الجمهوري بمدينتين رئيسيتين في تركيا وهما إسطنبول وأنقرة. بالإضافة إلى ذلك، تم الاستيلاء على معقل حزب الشعب الجمهوري في إزمير بسهولة، بينما انتزع حزب الشعب الجمهوري أيضا مناصب بلديات في مدن كبيرة مثل أضنة (من حزب الحركة القومية) وأنطاليا (من حزب العدالة والتنمية).ماذا تقول استطلاعات الرأي؟أظهرت دراسة لمؤسسة "يورونيوز" في يناير 2023، أن الناخبين الأكراد سيحسمون الانتخابات الرئاسية، وذلك وفقا للآتي:الجولة الأولى74% سيصوتون لمرشح حزب الشعوب الديمقراطي، إذا رشح الحزب مرشحه. من بين البقية، سيصوت 10% لإردوغان، ونحو 4% لكليجدار أوغلو و1.4% لمرشح التحالف الشعبي إمام أوغلو.جولة ثانية 63% قالوا إنهم سيصوتون للمرشح الذي يفضله حزب الشعوب الديمقراطي. 14% سيصوتون لمرشح التحالف الوطني. 11% لمرشح التحالف الشعبي. وعندما سُئل الناخبون عمّن سيصوتون له إذا وقف إردوغان ضد كليجدار أوغلو في الجولة الثانية، قال 58.6% إنهم سيصوتون لكليجدار أوغلو و9.3% للرئيس التركي، بينما لن يصوت 24% لأي منهم. وإذا واجه إردوغان إمام أوغلو، وهو الأمر الذي يبدو الآن غير مرجح للغاية، فإن 58.7% سيصوتون لإمام أوغلو و11% للرئيس التركي.وتُظهر الاستطلاعات تغيرات عميقة في المواقف الاجتماعية للأكراد في تركيا، ويبدو أن الأكراد الأصغر سنا أكثر ليبرالية اجتماعيا وأكثر مرونة من الناحية السياسية.(المشهد)