أعلن الجيش الإسرائيليّ أواخر يناير الماضي، أنه بدأ بالفعل تنفيذ خطط غمر شبكة الأنفاق التي أقامتها حركة "حماس" في قطاع غزة بمياه البحر، وهي الاستراتيجية التي ظلّت مثار تكهنات على مدار قرابة شهرين. وذكر بيان للجيش أنه بدأ تنفيذ خطة الغمر في مواقع لم يتم الكشف عنها، مشيرًا إلى أنّ هذه الخطوة تُمثّل "انفراجة هندسية وتكنولوجية ملموسة"، وأنه تم اختيار الأماكن التي سوف يتم غمرها "بحيث لا تتعرض المياه الجوفية بها لأيّ تهديد". غير أنّ خبراء متخصصين في علوم المياه، حذّروا من أنّ غمر الأنفاق بمياه البحر، سوف يكون له تأثير مدمّر على موارد المياه العذبة النادرة بالفعل في غزة، بل وربما يقوض أساسات البنايات في القطاع. تلويث المياه الجوفيةويقول خبير المياه ومدير مركز "Water Hub" لأبحاث المياه في جنيف بسويسرا مارك زيتون، إنّ المصدر الرئيسيّ لمياه الشرب في غزة يتم تلويثه، موضحًا أنه "إذا وُضعت مياه مالحة داخل مصدر مياه عذبة، فإنّ ذلك سوف يؤدي إلى تلويثه وتسميمه". وأضاف في تصريحات للموقع الإلكتروني "ساينتفيك أميركان" المتخصص في الأبحاث العلمية، أنّ هناك إمكانية أن تتسرّب مياه البحر ببساطة بمجرد ضخّها داخل الأنفاق عبر التربة إلى طبقة المياه الجوفية. واستطرد قائلًا: "إذا حاولت غمر الأنفاق بالمياه، فإنني افترض أنها ليست معزولة بشكل كافٍ بما يسمح لها بالاحتفاظ بالمياه، وبالتالي سوف تتسرب هذه المياه إلى طبقة المياه الجوفية". ويتفق الباحث في علوم الجغرافيا بجامعة النجاح في نابلس بالضفة الغربية أحمد رأفت غضية مع هذه الرأي، قائلًا إنّ طبقة المياه الجوفية على الأرجح قد تلوثت بالمياه المالحة على نحو لم يعد من الممكن علاجه.وأوضح في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني، أنه "إذا تم غمر الأنفاق، فسوف تتسرب مياه البحر عبر الطبقات الأرضية حتى تصل إلى المياه الجوفية"، مشيرًا إلى أنّ مثل هذا العمل "سوف تكون له تداعيات خطيرة على جميع أنشطة الحياة في غزة، مثل الزراعة والتربة والبنية التحتية"، مؤكدًا أنّ مياه البحر قد تصنع فجوات في التربة تؤثر على أساسات المباني. ومن جانبه، أعرب عميد معهد جاكوب بلاوستاين لأبحاث الصحراء التابع لجامعة بن غوريون الإسرائيلية ناعوم وايزبرود، عن شكوكه في أنّ طبقة المياه الجوفية في قطاع غزة بأكملها، سوف تتلوث بفعل غمر الأنفاق بمياه البحر.وقال في تصريحات لموقع "ساينتفيك أميركان": "لست واثقًا من أنّ المخاطر البيئية خطيرة على النحو الذي يريدنا البعض أن نظنّه، فتأثير الغمر سوف يختلف باختلاف موقع الأنفاق التي سوف يتم استهدافها".ندرة مياه الشربوبحسب دراسة نشرتها مجلة "Water"، فإنّ منسوب المياه الجوفية في قطاع غزة يتراوح ما بين 60 مترًا نحو الشرق، ثم يتراجع إلى عمق بضعة أمتار مع الاتجاه نحو ساحل البحر المتوسط، وأنه يتم سحب كميات من المياه الجوفية تفوق قدرة هذه الطبقات على تعويض المستنفد بالسبل الطبيعية، ونتيجة لذلك، فإنّ مياه البحر تشق طريقها بالفعل إلى المياه الجوفية في القطاع. وتسلّط خطط إسرائيل لغمر أنفاق "حماس" الضوء على مشكلة كانت قائمة بالفعل قبل اندلاع الصراع، وهي ندرة مياه الشرب في غزة، بصرف النّظر عن مدى تلوث طبقة المياه الجوفية بمياه البحر بسبب خطة غمر الأنفاق.وفي عام 2020، أشارت تقديرات وكالات أممية إلى أنّ 10% من سكان القطاع يحصلون على مياه شرب آمنة. ويتم ضخّ بعض هذه المياه من خلال إسرائيل ومصر، كما تم افتتاح محطة تحلية بقيمة 10 مليون يورو بتمويل من الاتحاد الأوروبيّ في غزة عام 2017، ولكنّ هذه المحطة لا يمكنها أن تعمل في ظل انقطاع التيار الكهربائي، حيث كانت نصف كهرباء غزة تأتي من إسرائيل قبل الحرب، ولكنّ الحكومة الإسرائيلية قطعت الكهرباء عن القطاع منذ أكتوبر الماضي.ويقول الباحث أحمد رأفت، إنّ هناك زهاء 1.9 مليون نازح جراء الحرب موجودون حاليًا في غزة، ويعيش الكثيرون منهم داخل خيام أو في شوارع رفح جنوبيّ القطاع، وفي أعقاب الأمطار الغزيرة التي انهمرت على غزة الشهر الماضي، قام الكثيرون بجمع المياه في أطباق وأوعية، ويعمد آخرون إلى شراء الماء من شاحنات نقل المياه، ولكنها مياه غير جيدة يتم استخراجها من طبقات المياه الجوفية ثم تحليتها بواسطة شركات خاصة. تحلية مياه غزةويرى مدير مركز الدبلوماسية البيئية التطبيقية التابع لمركز وادي عربة للدراسات البيئية في إسرائيل ديفيد ليرير، أنه عندما تنتهي الحرب، لا بدّ أن تبدأ إسرائيل وغزة في التخطيط من أجل مستقبل أفضل للمياه، مشيرًا إلى الشراكة التي تم إبرامها العام الماضي بين شركة المياه الإسرائيلية و"وترجين" ومنظمة "الدامور" الفلسطينية غير الحكومية للتنمية المجتمعية والإدارة المدنية الإسرائيلية، والتي تم بموجبها تشغيل 5 مولدات مياه من رطوبة الجو تعمل بالطاقة الشمسية في مراكز رعاية صحية في القطاع.وبحسب المركز تستطيع هذه المولدات إنتاج قرابة 900 لتر من المياه العذبة يوميًا عن طريق تكثيف مياه الرطوبة وترشيحها. ويقول ليرير إنّ هذه المبادرة وغيرها من الإجراءات المؤقتة مثل معالجة مياه الصرف، سوف تعطي "بارقة أمل في وضع سوف يتحسن في نهاية المطاف".(د ب أ)