لهذا السبب شنّت أميركا هجوما عنيفا على "الحوثيين" في اليمن

واشنطن أعلنت مؤخرا أنها بدأت بسلسلة هجمات ضد "الحوثيين" في اليمن (رويترز)
واشنطن أعلنت مؤخرا أنها بدأت بسلسلة هجمات ضد "الحوثيين" في اليمن (رويترز)
verticalLine
fontSize
هايلايت
  • باحثة بريطانية ترى أن أميركا تريد إضعاف القدرات العسكرية لـ"الحوثيين".
  • واشنطن تسعى لتوجيه تحذير لمشتري النفط الإيراني الخاضع للعقوبات.

صعّدت الولايات المتحدة ضرباتها ضد "الحوثيين" في اليمن، في خطوة تعكس نهج إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في ممارسة أقصى الضغوط على إيران ووكلائها.

وتقول بورجو أوزسيليك، وهي باحثة أولى في أمن الشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن وحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة كامبريدج، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست"، إنّ ترامب تعهد في أسبوعه الأول من ولايته، بتصنيف جماعة "أنصار الله"، المعروفة باسم "الحوثيين" في اليمن، كمنظمة إرهابية أجنبية.

ودخل القرار حيز التنفيذ في أوائل مارس، وبعد أسابيع، في 15 مارس، أمر ترامب بشن ضربات جوية وبحرية واسعة النطاق على عشرات الأهداف في مناطق يسيطر عليها "الحوثيون" المدعومون من إيران.

وترى أوزسيليك أنه من خلال إعطاء الضوء الأخضر لأكبر قصف عسكري حتى الآن في ولايته الثانية، تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيق أهداف عدة في آنٍ واحد: إضعاف القدرات العسكرية لـ"الحوثيين"، وتطبيق سياسة "الضغط الأقصى" ضد قدرة إيران على تمويل وكلائها، وتوجيه تحذير لمشتري النفط الإيراني الخاضع للعقوبات، وعلى رأسهم الصين.

وقد بررت إدارة ترامب استخدام القوة العسكرية ضد "الحوثيين" باعتباره إجراءً ضروريًا للحفاظ على "المبدأ الأساسي لحرية الملاحة، الذي تعتمد عليه التجارة الدولية"، إلا أنّ حسابات واشنطن تتجاوز مسألة الأمن البحري.

فللإدارة الأميركية، جدول أعمال جيوسياسي أوسع نطاقًا، يشمل التصدي لنفوذ الصين الاقتصادي، خصوصًا اعتماد بكين على النفط الإيراني.

ومن خلال استهداف "الحوثيين"، لا تعمل الولايات المتحدة فقط على حماية الممرات الملاحية الحيوية، بل تمارس أيضًا ضغوطًا على محور الطاقة بين إيران والصين، وهو عنصر رئيسي في الإستراتيجية الإقليمية لبكين.

وبحسب أوزسيليك، تهدف العملية العسكرية الأميركية أيضًا إلى منع "الحوثيين" من ترسيخ نفوذهم داخليًا في ظل عملية السلام الهشة هناك، وإحباط قدرتهم على إعادة تنظيم صفوفهم لدعم عقيدة الدفاع المتقدم الإيرانية المحدثة، التي تعتمد على تمويل وكلائها. وقد يؤدي استمرار الحملة العسكرية الأميركية إلى إضعاف الترسانة العسكرية لـ"الحوثيين" وربما تصفية قيادتهم.

اقتصاد حرب

لكنّ "الحوثيين" يديرون اقتصاد حرب يتسم بالتنوع، يتيح لهم تحقيق أرباحًا من تهريب سلع غير مشروعة تتراوح ما بين الوقود والسجائر والمكونات ذات الاستخدام المزدوج والمواد العسكرية، إضافة إلى فرض الضرائب ككيان شبيه بالدولة.

وهذا يجعل نظام العقوبات الأميركي والغربي ركيزة أساسية لمواجهة "الحوثيين"، لكنّ تعمق علاقاتهم مع جهات فاعلة رئيسية يعقّد فاعلية تلك العقوبات.

وفي عام 2024، كانت الصين الوجهة الرئيسية لما يصل إلى 90% من صادرات النفط الإيرانية، ما يؤكد تنامي العلاقات الاقتصادية بين بكين وطهران رغم العقوبات الأميركية.

ومن خلال المساهمة في تمويل الخزانة الإيرانية، تساعد الصين الحرس الثوري الإيراني في تمويل وكلاء مثل "الحوثيين".

ومنذ أكتوبر من العام الماضي، كشفت إعلانات بارزة لوزارة الخزانة الأميركية عن روابط سرية بين الصين و"الحوثيين".

وفرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أفراد "حوثيين" مقيمين في اليمن والصين لدورهم في تسهيل نقل الأسلحة والمكونات ذات الاستخدام المزدوج إلى اليمن.

على سبيل المثال، وُصفت شركة صفوان الدبي للشحن والتجارة، ومقرها اليمن، بأنها شركة متخصصة في الشحن والخدمات اللوجستية ولها وجود في الصين، وهي جزء من شبكة شركات وهمية تتيح لـ"الحوثيين" إخفاء عمليات شحن الأسلحة.

كما فرضت عقوبات على شركات عدة صينية في أكتوبر لتورطها في نقل مواد ذات استخدام مزدوج إلى "الحوثيين".

وتقول أوزسيليك إنّ هذه التطورات كشفت عن شبكة سرية تربط بين الصين و"الحوثيين"، ما يثير تساؤلات حاسمة لصناع السياسات الدفاعية والأمنية في الولايات المتحدة.

وقد يؤدي استهداف "الحوثيين" إلى تداعيات أوسع، ليس أقلها التأثير على تدفق النفط الإيراني إلى الصين.

عقوبات أميركية غربية

وعلى الرغم من صعوبة تأكيد ذلك، فقد أفادت تقارير بأنّ "الحوثيين" ربما تلقوا تعويضات مالية أو أشكالًا أخرى من الدعم من الصين، مثل مكونات عسكرية صينية الصنع، مقابل السماح بمرور السفن المرتبطة بالصين بحرية في البحر الأحمر.

وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية مؤخرًا، فرض عقوبات على وزير النفط الإيراني، محسن باكنجاد، بالإضافة إلى "شبكة من ميسّري الشحن في عدة ولايات قضائية، والذين من خلال التعتيم والخداع، يقومون بتحميل ونقل النفط الإيراني لبيعه لمشترين في آسيا".

وتستهدف العقوبات مقدمي الخدمات البحرية، بما في ذلك 3 شركات و3 سفن، قامت بتسهيل عمليات نقل النفط الإيراني من سفينة إلى أخرى خارج حدود الموانئ في جنوب شرق آسيا.

جاء ذلك عقب عقوبات سابقة في فبراير استهدفت أفرادًا وكيانات وسفنًا متورطة في تهريب ملايين البراميل من النفط الإيراني بقيمة مئات الملايين من الدولارات، حيث كانت الصين الوجهة الرئيسية لها.

وفي إطار سياسة روسيا الخارجية المناهضة للولايات المتحدة، ورد أنّ موسكو قدمت بيانات استهداف عبر الأقمار الاصطناعية لـ"الحوثيين" لضرب السفن الأميركية في البحر الأحمر والممرات المائية المجاورة.

وقد تعمّقت العلاقة بين روسيا و"الحوثيين" خلال الصراع في غزة، وزادت وضوحًا في 5 مارس عندما فرض مكتب مراقبة الأصول الأجنبية عقوبات على 7 من كبار قادة "الحوثيين" بتهمة تهريب مواد عسكرية وأنظمة أسلحة والتفاوض على صفقات تسليح مع روسيا.

وشملت العقوبات عنصرًا "حوثيًا" يُشتبه في قيامه بتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا لصالح روسيا. ومع انشغال بوتين حاليًا بشروط وقف إطلاق النار التي توسطت فيها الولايات المتحدة بشأن أوكرانيا، فمن غير المرجح أن تواصل موسكو دعمها لـ"الحوثيين"، الذين كانوا أداة نفوذ موقتة وليسوا جزءًا من استراتيجية طويلة الأمد.

ما علاقة الصين؟

وفي 14 مارس، عُقد اجتماع ثلاثي بين روسيا وإيران والصين في بكين لمناقشة البرنامج النووي الإيراني وقضايا أخرى. وأكد الدبلوماسيون الحاضرون "ضرورة إنهاء جميع العقوبات الأحادية غير المشروعة".

وبالنظر إلى استفادة الصين من التحايل على العقوبات وشرائها النفط الإيراني بأسعار مخفضة، فإنّ دوافعها واضحة.

لكنّ هذه العلاقة تتجاوز المصالح الاقتصادية، حيث ترى بكين قيمة في الإبقاء على علاقاتها مع طهران، ما يمنحها نفوذًَا على أيّ محادثات أميركية-إيرانية مستقبلية أو أيّ اتفاق نووي محتمل.

وفي منتصف مارس، أجرت الدول الثلاث مناورات بحرية مشتركة تحت اسم "حزام الأمن البحري 2025" في خليج عُمان.

ومن المتوقع أن تتصاعد التوترات الجيوسياسية في الممرات المائية الإستراتيجية بالشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة، في ظل استمرار التوترات الأميركية-الإيرانية.

وأصبح "الحوثيون" ركيزة إستراتيجية لإيران، ومن المرجح أن تسعى طهران على المدى الطويل إلى تعزيز قدراتهم للحفاظ على الحصار البحري في البحر الأحمر وربما توسيعه. وتزايدت أهميتهم لدى إيران، خصوصًا بعد الخسائر التي تكبدتها شبكاتها في لبنان وغزة وسوريا.

ومع تقييد قدرة إيران على نقل الدعم المالي والتقني لـ"الحوثيين"، من المتوقع أن تعمد الجماعة إلى تصعيد أنشطتها في شبكات التهريب غير المشروعة، بما في ذلك تهريب المخدرات والنفط والتبغ، لتعزيز قوتها الاقتصادية والتنظيمية.

"الضغط الأقصى"

وتشكل التحالفات الناشئة بين "الحوثيين" والجماعات الإرهابية مثل "القاعدة في جزيرة العرب" و"حركة الشباب" في الصومال تهديدًا متزايدًا.

وإذا رأى "الحوثيون" أنّ هجماتهم لم تُلحق ضررًا كبيرًا، فقد يوسعون نطاق عملياتهم العسكرية من البحر الأحمر ومضيق باب المندب إلى منطقة القرن الإفريقي.

ومن خلال استهداف "الحوثيين" ضمن حملة "الضغط الأقصى" على إيران، تؤكد الولايات المتحدة أنها لن تتردد في ضرب الجماعات المسلحة المرتبطة بطهران.

وهذا يثير تساؤلات حول ما إذا كانت الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران في العراق قد تكون الهدف التالي في الأشهر المقبلة، مع تكثيف واشنطن ضغوطها على بغداد لنزع سلاح هذه الفصائل وتقليص النفوذ الإيراني في البلاد، وذلك قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في أكتوبر.

(د ب أ)

تعليقات
سجّل دخولك وشاركنا رأيك في الأخبار والمقالات عبر قسم التعليقات.