أكد "حزب الله" ظهر اليوم السبت الإعلان الإسرائيلي باغتيال أمينه العام حسن نصر الله، في غارة جوية مساء الجمعة على مجموعة من المباني السكنية في حي الضاحية الجنوبية، معقل الحزب الرئيسي في العاصمة اللبنانية بيروت. منذ تصعيد إسرائيل من هجومها على "حزب الله" اللبناني قبل أيام، تصدّر الموقف الإيراني "البارد" المشهد الميداني والدبلوماسي، خصوصا وأنّ طهران التي لم ترد بعد على اغتيال زعيم "حماس" على أراضيها باتت في موقف أكثر صعوبة وسط تكهّنات بأنّ يؤدي انكسار "حزب الله" في لبنان إلى تراجع نفوذها في المنطقة. تزامن ذلك مع تصريحات للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي عبر فيها عن رغبة بلاده في تسوية الخلافات مع الدول الغربية. فيما كشف في لقاء صحفي عن وجود خطط لمناقشة الاتفاق النووي المجمّد، عقب "لقاء إيجابي" جمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. موقف إيراني "سلمي" لم يثن التأني الإيراني في الرد على اغتيال هنيّة، تل أبيب، عن مواصلة التصعيد العسكري في المنطقة، وصولاً إلى اغتيال نصر الله، أهم رموز ما يسمى "محور المقاومة" في لبنان والحليف الأقوى لطهران في المنطقة. واتّسمت الإستراتيجية الإيرانية في الأشهر الأخيرة بالعمل على مسارين متوازيين قوامه ردع إسرائيل دون الانخراط في حرب مباشرة معها، وفي الوقت ذاته إرسال رسائل سلام وتهدئة إلى واشنطن وصولاً إلى حل للملف النووي ومعضلة العقوبات الغربية على إيران. هذه ليست المرة الأولى التي يبدي فيها الرئيس الإصلاحي رغبته في الانفتاح على الغرب، وقد كررها في أكثر من مناسبة منذ تولّيه رئاسة البلاد، بعد حملة انتخابية كانت إعادة إطلاق المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق المبرم في 2015 بينها وبين مجموعة 5+1 أحد أبرز عناوينها. لكن تزامن تصريحات بزشكيان اليوم مع استهداف إسرائيل لـ "حزب الله" بشكل غير مسبوق طوال حقبة الصراع بين الجانبين أثار العديد من التساؤلات التي وصل بعضها إلى التكهّن بإمكانية "تضحية طهران بحزب الله" مقابل مكاسب سياسية واقتصادية. في السياق ذاته، أفاد موقع "أكسيوس" الأميركي نقلًا عن مسؤولين إسرائيليين ودبلوماسي غربي أن "حزب الله" اللبناني دعا إيران في الأيام الأخيرة إلى شن هجوم ضد إسرائيل، لكن طهران تمتنع حتى الآن عن ذلك. في أول تعليق له، عقب إعلان إسرائيل اغتيال نصر الله، السبت، اعتبر المرشد الإيراني علي خامنئي، أن إسرائيل "أقل شأناً من أن تسبب أيّ ضرر كبير للبنية القوية لحزب الله"، في إشارة إلى مواصلة طهران التعويل على قوة "حزب الله" وقدرته العسكرية على تهديد إسرائيل كورقة تفاوضية إيرانية.جر إيران إلى الحرب بعد هجوم 7 أكتوبر اتّهمت إيران إسرائيل وبالتحديد نتانياهو بمحاولة جرّها إلى مواجهة عسكرية مباشرة، من خلال استهداف مصالحها وحلفائها، لكنّها لم تصعّد بالمقابل من هجماتها ضد تل أبيب وبقيت ردودها على الاغتيالات محدودة، معتمدة بذلك على سياسة "الصبر الإستراتيجي" التي يتبناها المرشد الأعلى علي خامنئي. وفي حين تؤكّد إيران على استعدادها للدفاع عن مصالحها وحلفائها، إلا أنها تحرص في الوقت ذاته على تفادي توسيع نطاق الحرب، الأمر الذي يصرّح به المسؤولون الإيرانيون باستمرار، دون أن ينسوا الإشارة إلى أن أيّ حرب ستكون لها تداعيات خطيرة على المنطقة بأكملها، بما في ذلك على إسرائيل. يقول المحلل المختص في الشأن الإيراني محمد العبادي في حديثه إلى منصة "المشهد" إنه "بالنظر لحالة الدعاية الإيرانية فيما قبل 7 أكتوبر وفي حال محاكمة إيران لهذه الشعارات كونها قائد محور المقاومة والممانعة أو من دشنت "وحدة الساحات" فيمكن القول إن إيران قد تخلت عن وكلائها في المنطقة، غدرت أولاً بغزة ثم تخلت عن "حزب الله" ليواجه مصيره". ويتابع العبادي "أما بالنظر إلى الواقعية الشديدة والبراغماتية الإيرانية المعتادة، فإن صانع القرار الإيراني يضع نصب عينه فخ نتانياهو الراغب في جرّ إيران إلى ساحة الحرب، لتحقيق هدفين": الأول هو ضرب المنشآت النووية الإيرانية. الثاني دفع طهران لصدام عسكري واسع مع واشنطن، وهو ما يفسر حالة التراجع الإيراني أمام الضربات الإسرائيلية المؤلمة سواء في قلب طهران، وهنا نشير إلى اغتيال إسماعيل هنية، أو في لبنان وما يواجه "حزب الله" من تحطيم لقدراته واغتيال فائق لقادته. في المقابل، يشرح المختص في الشأن الإيراني رضا الباشا، أنه "من الخيال التفكير في سيناريو استغناء إيران عن حزب الله أو بيعه. انكسار حزب الله سيزيل الثقل الإيراني في المنطقة، وهذا أصلاً يتناقض مع الإستراتيجية الإيرانية القائمة منذ عام 1979". ويضيف الباشا لـ"المشهد" أنه "لا شك أن هناك جناحين داخل إيران، والموضوع ليس تبادلاً للأدوار بل تنويعاً للخيارات. الأصوات المطالبة للرد الحازم في الجناح المتشدد باتت تتعالى". الحكم لساحة المعركة ويلفت الباشا إلى أنّ "إيران إن لم ترد خلال الأيام القليلة القادمة ردّاً قوياً وصارماً فإن موقفها أمام أنصارها في الداخل وفي الإقليم سيكون ضعيفاً وهذا يعني تراجع نفوذها الإقليمي". وأضاف "لذلك أعتقد أن الرد قادم لا محال، وسيكون مختلفاً عن الردود السابقة. طهران لن تغامر بفقدان نفوذها في المنطقة". من جهته، يعتقد العبادي أن "إيران اليوم تسعى لتسوية مع واشنطن تشمل ملفات عدة سواء البرنامج النووي أو ملفات إقليمية متعلقة بنفوذها ووكلائها، وتهدف هذه التسوية إلى تقديم تنازلات، تدفع واشنطن للضغط على الحكومة الإسرائيلية لوقف الحرب في غزة وبالأخص في لبنان ضد حزب الله".وفي حال فشلت هذه التسوية، نظرًا لتحدي رغبة نتنياهو في فرض واقع جديد في المنطقة، فإن الإيراني سيعطي توجيهاته للحوثي في اليمن والميليشيات في سوريا للتحرك، وسحب فائض القوة الإسرائيلية، وإشغال الجيش الإسرائيلي عن مواصلة سحق "حزب الله"، وفقا للعبادي.لردع إيران، أعادت الولايات المتحدة نشر العديد من القوّات العسكرية في المنطقة، بما في ذلك طائرات مقاتلة من طراز F-22 ومجموعات حاملات الطائرات والمدمرات البحرية المتقدمة القادرة على الدفاع ضد الصواريخ الباليستية. وتهدف هذه الانتشارات إلى طمأنة الحلفاء والإشارة إلى إيران بأن أيّ عدوان سيقابل برد قوي. وسط الرأيين المتناقضين، يجادل بعض المختصين بكون الإستراتيجية الإيرانية في عهد بزشيكيان تميل إلى التلويح بالجاهزية العسكرية كسبيل للمشاركة الدبلوماسية الهادفة إلى ضبط التصعيد الإقليمي وضمان الاستقرار الاقتصادي والداخلي لإيران، لكن هذه المعادلة تبدو غير فاعلة في ظل التطورات الميدانية ما بعد اغتيال نصر الله.(المشهد)