في ظلّ أزمة سياسية معقّدة في ليبيا منذ أعوام عدة، خصوصا بعد اتفاق هشّ لوقف إطلاق النار جرى التوقيع عليه في أكتوبر الماضي، فإن التوترات لا تزال مستمرة في الدولة النفطية دون أي تقدّم ملحوظ في المفاوضات السياسية.حالة من الغموض تسود مصير العملية السياسية في البلاد مع عدم إجراء الاستحقاق الرئاسي الخاص بالانتخابات التي طال انتظارها، بعد تقرير نشرته وكالة "نوفا" الإيطالية مؤخرا عن ترتيبات لعودة نجل ولي العهد الليبي السابق الأمر محمد رضا السنوسي إلى ليبيا خلال فبراير المقبل. عودة "الملكية" إلى ليبيا في الوقت الحالي، صاحبها جدل وتساؤلات، عمّن يدعم الحكم الملكي في البلاد ومن يقف وراء هذا التحرّك، وهل سيرضى الليبيون بنظام حكم قديم أن يعود؟ وبدأت "الحركة الملكية"، بحسب تقارير عدة، مشاورات مع مشايخ وزعماء قبائل عدة من المنطقة الشرقية في ليبيا، تحضيرا لعودة ولي العهد إلى البلاد وانخراطه في العملية السياسية المتعثّرة منذ أعوام. خيار وسيناريو بديل وقال المتحدث السابق باسم رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد السلاك، في تصريح لمنصة "المشهد" إن عودة الملكية الدستورية إلى ليبيا تُعدّ أحد الخيارات المطروحة كسيناريو بديل خصوصا مع حالتي الجمود الدستوري والانسداد السياسي الذي تعاني منه البلد لكنه قد يصطدم بعوائق كثيرة في ظل التشابكات الراهنة وتعقيدات المشهد وتعدد أطراف الصراع على نحو لا يمكننا معه أن نتوقع كيف ستتعامل مع هذا الطرح؟وأضاف السلاك: "لا أتوقع جديدا بحلول فبراير المقبل بالنظر إلى المعطيات الحالية". وتابع: "من غير الواضح أيضا موقف الأسرة الدولية والقوى الإقليمية المنخرطة في الملف الليبي من هذا الطرح".وقال: "ثمة قاعدة شعبية وحاضنة اجتماعية تدعم هذا الخيار بقوة وترى فيه بديلا لحالة الانقسام السياسي والمؤسساتي والجمود الدستوري الحالي إلا أنها لم تكتسب الزخم المطلوب بعد، فهناك من ينظر للطرح بريبة وتشكك وهناك من يرفضه إلا أنه يظل خيارا مطروحا وربما سيناريو قابل للتنفيذ".ويُذكر أن تقارير عدة أكدت أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها عبدالحميد الدبيبة، أبلغ المجلس الرئاسي بالعمل على إخلاء "قصر العهد" والذي كان مقر إقامة ولي العهد حسن رضا السنوسي قبل الإطاحة بالنظام الملكي في سبتمبر 1969، ليتخذ منه الأمير محمد مقرا له. ما رأي الليبيين؟ بدوره، أكد مدير مركز الأمة الليبي للدراسات الاستراتيجية محمد الأسمر، أن ما يُثار الآن حول دعوات لعودة الملكية يجب أن يصحبه سؤال وهو "ما مدى الشعبية المصاحبة لهذه الدعوة وكيف كانت آخر أيام الملكية في ليبيا وكيف استقبل الناس ثورة الفاتح من سبتمبر 1969 وما هي الالتفافات التي كانت حول هذه الثورة على أنقاض النظام الملكي السابق؟".وتساءل الأسمر في حديثه لمنصة "المشهد" أن "آراء الليبيين مع من تتحالف أو ماذا تتمنى؟"، لافتا إلى أنه إذا كان الحديث عن عودة نظام ما، فلنأتي إلى الأقرب هناك نظام انتهى فقط من 13 عاما وتحديدا في 2011 وهناك أصوات أكثر تنادي بهذا النظام.وقال الأسمر إن الدليل على ذلك، كان عندما ترشح سيف الإسلام القدافي في 14 نوفمبر 2021 في الانتخابات الرئاسية الرئيسية. وأكد أن تشخيص الأزمة الليبية يقول "إنه يجب العودة إلى آراء الشعب الليبي، وعمل استفتاء عام لكي يُنتج قاعدة يمكن الانطلاق منها".وأوضح الأسمر أن الليبيين في 2011 الذين كانت عمارهم 18 عاما فما فوق، وما زالوا على قيد الحياة، يدلون بأصواتهم في 2011 "هل كانوا مع النظام الجماهيري أم مع فبراير". ولفت إلى أن القول بعودة الملكية هو حديث غريب، متسائلا "ما هو التشريع الذي سيعيد النظام الملكي أي تغيير النظام السياسي القائم الآن خلافا للإعلان الدستوري المنظم للحياة السياسية اليوم في ليبيا الإعلان الدستوري الصادر في أغسطس 2011 و13 تعديل تسيّر وتنظم الحياة السياسية؟". واعتبر أن عودة النظام في ليبيا سيكون بأي شكل "هل هو استفتاء عام يقول به الليبيون لعودة الملكية أم لا؟". وقال الأسمر: "من يقول اليوم إن محمد الرضا السنوسي هو الممثل للملكية.. هناك خلاف في ذلك حتى داخل الأسرة الملكية نفسها".وأضاف أن ولي العهد المُنادى به الآن لديه شقيق اسمه نوري، طعن في الرسالة التي يستند عليها محمد رضا السنوسي بأن والده قد أوصى له بذلك "ونعلم أن ولي العهد قد تنازل عن العرش تنازلا رسميا موثقا باعتماد المحاكم المختصة بليبيا عام 1969". وتساءل: "ما هي الوجهة الشرعية والدستورية التشريعية لعودة النظام الملكي وهذا السؤال لحد الآن لم يتم الإجابة عنه". وأشار الأسمر إلى أنه إذا ما نُظّم استفتاء عام في البلاد، فإن النتائج معروفة وواضحة، مبينا أن سياسة فرض الأمر الواقع هي ما أدت إلى تفاقم المشاكل في ليبيا.عودة صعبةإلا أن المحلل الاستراتيجي الدكتور منذر الحوارات أكد أنه لوحظ خلال الفترة الماضية، اجتماعات متعددة للأمير محمد الرضا السنوسي وللعودة إلى الشرعية وتوحيد البلاد وإنهاء الانقسام والتنافس على السلطة، حيث كانت تلك اللقاءات مع فعاليات اجتماعية وسياسية.وأضاف الحوارات في تصريح لمنصة "المشهد" أن "الوضع في ليبيا معقد بشكل كبير.. هناك أطراف لديها القوة العسكرية ولديها الدعم الدولي ولديها الإمكانيات على الأرض". وتوقّع أن هذه الأطراف لن تتنازل بسهولة عن مكاسبها وعن امتيازاتها بدون أن تحصل عليها بالذات مع هذه الجمهرة الكبيرة للأسلحة والدعم الدولي. وقال إنه من الصعب العودة إلى الملكية في ظل هذه الظروف ما لم يُفرض إطار دولي على ليبيا يعيد الأمور كما في السابق إلى نصابه الملكي أو إلى السياق الدستوري، مشيرا إلى أنه وفي الظروف الراهنة، لا يمكن إعادة الملكية إلى ليبيا بهذه السهولة أو بمجرد لقاءات غير مدعومة دوليا.دعوة لاستفتاء شعبيفيما استغرب المحلّل السياسي الليبي عز الدين عقيل، هذه الدعوات، مؤكدا في تصريحات لمنصة "المشهد" أنه "ما الذي يملكه محمد السنوسي ليميّزه عن سواه من قادة فبراير من رؤساء الحكومات ورؤساء السلطة التشريعية الذين جمعوا بوقت من الأوقات بين رئاسة السلطتين التشريعية والتنفيذية بذات الوقت والحين؟". وقال عقيل إن السنوسي لديه خبرة سياسية ضحلة وغموض في وضعه العام خصوصا على مستوى صلاته بمؤسسات الدولة العميقة البريطانية. وأكد أن جميع الليبيين خرجوا بمئات الآلاف تأييدا لثورة سبتمبر عند قيامها ضد الملكية.وأضاف: لئن نجح إدريس السنوسي ومناضلي زمانه بجلب الاستقلال وهذا شيء مهم يستحق التقدير عليه، إلا أنه قاد دولة بجوهر أجنبي كامل". وأشار عقيل إلى أن عمر الملكية في ليبيا كان قصيرا جدا، حتى أنها لم ترتبط ببناء أمجاد الأمة على طريقة الملكية الإنجليزية أو الملكيات الإسكندنافية أو حتى الملكية الفرنسية ليكون لها جاه وحظوة ورغبة لدى الليبيين".وقال عقيل "لعل ارتباطها الكلي بالنفوذ الأجنبي وبالفساد الإداري والمحسوبية والسيطرة العائلية الأوليغارشية الريعية جعلها مكروهة من قبل كثير من الليبيين وهو ما عبّر عنه الشعب الذي خرج عن بكرة أبيه لتأييد ثورة سبتمبر عند ولادتها". وشدّد عقيل على أن مخطّط واشنطن ولندن لإعادة السنوسي لحكم ليبيا يستوجب إجراء استفتاء و"بذل جهود تصل حتى تزوير النتائج لصالح عودة الملكية لو لزم الأمر قبل أن يعود إلى الحكم". واعتبر أن الولايات المتحدة وبريطانيا قد تلجآن لإنتاج مسودة دستور تطرح النظام الملكي ثم العمل على جعل نتيجة الاستفتاء عليها بـ"نعم"، خصوصا في ظل العمل الجاد على كتابة دستور جديد لليبيا. وأكد عقيل أن الوجود الروسي المناوئ للغرب في ليبيا والذي يدرك تماما أن عودة الملكية في البلاد تعني الذهاب رأسا نحو شراكة استراتيجية مع "الإنجلوسكسون" وضياع كل فرصة مستقبلية لموسكو في ليبيا. وشدد على أن النظام الملكي، غير مفيد ونافع لليبيين أولا ولا للكثير من القوى الدولية "الصاعدة المتصارعة مع الانجلوسكسون على بناء نظام عالمي جديد". (المشهد)