"مواقع التواصل الاجتماعي أشبه بجحيم لا يمكن العيش فيه" هكذا تعرّف الناشطة السابقة على سوشيال ميديا مريم بنت يهديه، التي اختارت صحتها النفسية على المواصلة كناشطة تتبعها الأعين وأرصد المتابعين والمتنمّرين، حيث لم يطيب لها العيش مع هذه الحياة. كانت مريم إحدى أبرز النشطاء على "إنستغرام وفيسبوك" في السنوات الماضية، يتابعها الآلاف، تشاركهم حياتها اليومية وتجاربها، تقدم لهم نصائح تتفاعل مع تعليقاتهم، لكنّ أكثر ما كان يضايقها، تعرّضها للتنمّر على مظهرها أو شكلها الخارجي، أو ملبسها. تقول مريم لمنصة "المشهد"، إنها لم تكن في البداية تهتمّ بتلك التعليقات، وكانت تعتبرها مجرد كلام عابر من أشخاص يعانون أمراضا نفسية، لا يمكنهم أن يُفرجوا عن أنفسهم، إلا بتفريغ ما يدور في بالهم من كلام "ساقط ومتنمّر"، إلا عبر مواقع التواصل الاجتماعي. زاد عدد ضحايا حوادث التنمّر في موريتانيا على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت بيئة خصبة ومشجعة عليه، ما جعل بعض الموريتانيين خصوصا من المشاهير يغلقون حساباتهم الاجتماعية، ويختارون الانزواء بدلًا من مواصلة العيش في حضن يطلقون عليه "الجحيم". الهروب من السوشيال ميديا في هذا الإطار تقول مريم، إنها قررت إغلاق حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن شاركت صورا لها مع والدتها، فانهالت عليها بعض التعليقات المتنمّرة عليها وعلى والداتها، التي اعتبرها "مهجة القلب والروح"، لم تستطع أن تحبس دمعتها، وهي تتصفّح كلمات شكلت ندوبا "لا يمكنني أن انساها". تضيف مريم لمنصة "المشهد"، أنّ مواقع التواصل الاجتماعي في موريتانيا، شجعت ثقافة التنمّر على بعض المستخدمين، حيث أصبح لهؤلاء حسابات معروفة يضعون صورهم وينشرون مقاطع فيديو، وصورا لأشخاص يتنمّرون عليهم. وتؤكد أن لا أحد على مواقع التواصل الاجتماعي يدين هذا التصرف أو يحاربه، مشددة على أنها كانت ضحيّة للتنمّر على شكلها ومظهرها الخارجي، ما جعلها تقرر إغلاق حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي. لم تستطع مريم الصمود في وجه ما تسميه "جحيم" مواقع التواصل، وأن تواجه بكل قوة المتخفّين خلف شاشات الهاتف، يعيّرونها على مظهرها الخارجي، لكن هناك من تمكّن من تخطي عقدة المتنمّرين، وأن يواجه حديثهم وكلامهم المتنمّر.سلاح التجاهل من بين هؤلاء الناشط على "فيسبوك" محمدي، الذي يعتبر أنه تعرّض لعشرات حملات التنمّر من أشخاص معروفين على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتابعهم عشرات الآلاف. ويضيف أنّ أصحاب حسابات المتنمّرين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتخفون خلف حسابات وهمية، فهم معروفون ويملكون متابعين حصلوا عليهم من خلال حملاتهم المتنمّرة. ويوضح محمدي لمنصة 'المشهد"، أنه فكر في العديد من المرات اعتزال التدوين والنشر على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب حملات "التنمر" عليه، مؤكدا أنّ هذه الحملات امتدت من الفضاء الافتراضي إلى الواقعي. ويشير إلى أنه قرر ألّا ينحني أمام هذه الحملات، وأن يتجاهلها قدر الإمكان، رافعا شعار "دع الخفافيش تعيش في ظلامها"، على حدّ تعبيره. تطبيع المجتمع مع التنمّر لا توجد إحصائيات دقيقة ورسمية تكشف معدل حوادث التنمّر الرقمي على مواقع التواصل الاجتماعي في موريتانيا، بيد أنّ بعض الدارسين والخبراء يرون أنها تحولت إلى منصة للتشهير والمضايقة، والتنمّر على كل من يعبّر عن رأيه، أو ينشر صوره أو يشارك حياته اليومية مع المتابعين. في هذا السياق يوضح الباحث الاجتماعي التار ولد عبد الله لمنصة "المشهد"، أنّ معدل حوادث التنمّر على مواقع التواصل الاجتماعيي، تضاعف وصار سلوكا شائعا في موريتانيا، محذرا من خطره على المجتمع في المستقبل القريب. ويقول ولد عبد الله، إنّ التنمّر كان يمارس في المدارس والمؤسسات التعليمة، لكن مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وثورة الاتصالات، بات يمكن أن يتعرض الشخص للتنمّر في غرفة نومه وفي الشارع، وذلك عبر ما يقرأه من التعليقات على ما نشره على صفحاته الافتراضية. لكنّ أكبر خطر للتنمّر هو أنه يمكن أن يُدخل الضحية في حالة اكتئاب، أو تتدهور صحته النفسية، لذلك يرى الاستشاري النفسي الشيخ أحمد ولد الحسين، أنّ التنمّر صار سلوكًا شائعا طبع معه البعض على مواقع التواصل الاجتماعي، بدلا من محاربته ومحاربة المتنمّرين. ويضيف أنّ بعض الأشخاص يختار التنمّر كسلوك حياتي له، لأنه يرغب في أن يسدّ نقصا له، بالسخرية والتنمّر من الآخرين، وبذلك يشعر بأنه فرّج عن نفسه وعوّض النقص الحاصل له. وأشار إلى أنه يوميا يرصد مئات التعليقات المتنمّرة والساخرة من آخرين على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرا أنّ بعض هذه الحملات لا يمكن الشخص أن يصمد أمامها، ربما بسببها سيصاب بعارض نفسي. ويؤكد أنّ النساء اللائي يحملن رؤية، ولديهم رسالة هادفة، هم أكثر ما يتعرضون لحملات التنمّر على مواقع التواصل الاجتماعي في موريتانيا، مشددا على أنّ الحل الوحيد لمواجهة هذه الحملات هو التخفيف قدر الإمكان من المواقع الاجتماعية، تجاهل تلك الحملات المتنمّرة. (المشهد)