عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية بيت لاهيا ورفح والنصيرات والمواصي الشهر الماضي، مما أسفر عن مقتل نحو 400 فلسطيني، بدا الهجوم بمثابة استئناف للحرب الدائرة في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، لكن في الحقيقة كان إعلانًا لحرب ومعركة جديدة، بحسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي".وذكر التقرير أنه بعد قرابة شهر من استئناف القتال، بات واضحًا أن إسرائيل تشنّ الآن حربًا مختلفة، بأهداف وتكتيكات مختلفة - مختلفة بما يكفي لاعتبار شهر يناير نهاية الحرب الإسرائيلية الأولى على غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر، وهجوم مارس بدايةً لحرب ثانية. وأشار نتنياهو إلى ذلك مؤخرًا عندما قال: "هذه مجرد البداية"، ما يعني ضمنًا أن هذه ليست حربًا لتحقيق مكاسب تكتيكية قبل استئناف المحادثات، بل هي حربٌ أكبر.وبحسب الصحيفة، كان لهجوم 7 أكتوبر الأثر في توحيد الإسرائيليين من مختلف الأطياف السياسية بعد أشهر من الانقسام العميق حول خطة الحكومة لإصلاح القضاء. وتعددت دوافع القتال مثل استعادة الأسرى واستعادة الردع الإسرائيلي، والانتقام من "حماس". وكان للحرب شبه كامل. مع استمرار القتال على مدى 17 شهرًا، تراجع الحماس للحرب، لا سيما بعد أن اتضحت استحالة تحرير معظم الأسرى بعمليات الإنقاذ العسكرية أو نتيجة الضغط المستمر على "حماس". لكن إسرائيل استعادت صورتها كدولة لا تُهاجم إلا في ظل مخاطر كبيرة. وقد أدت هجماتها وعملياتها إلى إضعاف "حماس" في غزة، و"حزب الله" في لبنان، والقدرات العسكرية لإيران.لكن هذا لم يكن كافيًا لنتانياهو وحلفائه من اليمين المتطرف في الائتلاف. فوفقًا للعديد من المحللين، أصبح رئيس الوزراء يرى في الحرب وسيلةً فعّالة لصرف انتباه الرأي العام عن إخفاقات حكومته ومحاكمته الجنائية الجارية."ليست شعبية"هذه الحرب الثانية في غزة ليست شعبية مثل الأولى. أظهر استطلاع للرأي أجراه معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب في أواخر مارس أن 28% فقط من الجمهور يؤيدون حربًا برية في غزة من النوع الذي يجري الآن، بينما يعارض 37% استئناف القتال على الإطلاق. ووفقًا لتقرير صحيفة هآرتس، أخبر العديد من جنود الاحتياط قادتهم أنهم لن يتقدموا للخدمة إذا تلقوا أوامر.بدلاً من أن تكون حرباً شعبية، فإن الحرب الثانية في غزة هي حرب سياسية وأيديولوجية، بحسب الصحيفة.ومن أبرز الاختلافات بين الحربين أيضا:لم تُخاض الحرب الأولى في غزة بطريقة تُسهّل حلم اليمين المتطرف بالغزو والاستيطان. ففي عهد رئيس الأركان آنذاك، هرتسي هاليفي، امتنع الجيش عن احتلال مساحات شاسعة من غزة لفترات طويلة. أما رئيس الأركان الحالي إيال زامير، لديه أفكار أخرى حول كيفية خوض الحرب. فهو يريد نشر عشرات الآلاف من الجنود في القطاع، واحتلال مساحات شاسعة منه لفترة طويلة، والتحكم في توزيع المساعدات الإنسانية (كوسيلة لتقويض حكم "حماس")، وحصر المدنيين في معازل إنسانية صغيرة. لم ينفذ زامير إستراتيجيته بالكامل حتى الآن، ربما بسبب القلق من أن استدعاء الاحتياطيات على نطاق واسع الذي يتطلبه سيواجه مقاومة. ومع ذلك، اعتبارًا من هذا الأسبوع، يحتل الجيش نحو نصف غزة، معظمها في منطقة عازلة موسعة على طول الحدود، ولكن أيضًا في ممرين من الشرق إلى الغرب يقسمان المنطقة إلى 3 أجزاء.خلال الحرب الأولى، شكّل بعض المسؤولين الإسرائيليين رقابة على الحكومة، بمن فيهم كبار المسؤولين الأمنيين. لكن نتانياهو نجح في إقصاء هاليفي ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت. وهو الآن عازم على التخلص من رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار. حتى الآن، لم يُبدِ ترامب أي اعتراض على حرب إسرائيل الثانية. لكن قد يكون الرئيس متناقضًا في سياساته وإستراتيجياته، ولديه أهداف أخرى لا تتوافق مع حرب إسرائيلية أبدية. (ترجمات)