تتسارع وتيرة التصعيد في قطاع غزّة يوما بعد يوم، في وقت تتوالى فيه الزيارات الغربية إلى المنطقة، في محاولة لدرء خطر اتساع رقعة الحرب لتشمل دخول دول أخرى في المنطقة إلى ساحة القتال، الأمر الذي تخشاه القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية. لكن على الرغم من ذلك، تستمر الولايات المتحدة بدعم إسرائيل في مواصلة حربها بالقطاع، وتمدّها بالأسلحة، والأهم عرقلة صدور أي قرار لوقف إطلاق النار من مجلس الأمن، عبر استخدام حق النقض "الفيتو". بالأمس، أجرى مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، زيارة إلى تل أبيب، ناقش خلالها تطورات الأوضاع في غزة. زيارة المسؤول الأميركي رفيع المستوى جاءت بعد يومين من انتقادات الرئيس الأميركي جو بايدن الحادة لرئيس الوزراء بنيامين نتانياهو. وبحسب ما تم إعلانه، فقد تناول سوليفان خلال لقائه عددا من الملفات، كان أبرزها، التخلّي عن فكرة الاحتلال الدائم لغزة، وعدم فتح جبهة حرب جديدة، وملاحقة قادة "حماس".اغتيال قادة "حماس" تحدّث سوليفان في تصريحاته للصحفيين بعيد انتهاء زيارته إلى تل أبيب وقبل توجهه إلى رام الله عن مرحلة جديدة من الحرب ستركز على استهداف قادة حركة "حماس"، ولكن من دون أن يحدد كيف ومتى. بالنظر إلى سياسية الولايات المتحدة في الصراعات الإسرائيلية – الفلسطينية، أو الإسرائيلية – العربية، دائما ما تصر واشنطن خروج إسرائيل "بغير هزيمة" من الحرب، ولبلوغ ذلك الهدف تستخدم أدوات عدة، أبرزها: مدّ إسرائيل بجسر جوي من الأسلحة والعتاد.استخدام حق النقض "الفيتو" ضد أي مشروع قرار لوقف إطلاق النار قبل أن تستعيد إسرائيل الأراضي التي خسرتها في الحرب، أو تستعيد هيبتها داخليا وخارجيا. تحدث عن هذه السياسة وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر الذي رحل الشهر الماضي في إحدى مذكراته، وأعطى مثالا على ذلك حرب أكتوبر 1973، بين مصر وسوريا من جهة وبين إسرائيل من جهة ثانية، مستشهدا بمحاولاته بمنع أي قرار لوقف إطلاق النار قبل أن تتراجع سوريا ومصر إلى الحدود التي كانت قبل شن الحرب. واليوم، تظهر الولايات المتحدة على ذات النهج القائم على مساعدة إسرائيل في استعادة هيبتها، وهي ضمن مساعيها تلك تركّز على اغتيال قادات "حماس" والعقول المدبّرة لهجات الحركة في 7 أكتوبر، والتي أدت لمقتل مئات الإسرائيليين، فيما لا يزال البعض قيد الأسر إلى الآن داخل أنفاق "حماس".يحيى السنواريقول المحلل السياسي والعسكري هشام خريسات في حديث إلى منصة "المشهد" إن "القادة الرئيسيين في "حماس" مثل يحيى السنوار ومحمد السنوار ومروان عيسى وضعت إسرائيل طريقتين لاغتيالهم":أولاً، تحليل الأصوات عبر DNA، وبعدها تلتقط الطائرات الأصوات في الأنفاق، ويتم تحديد المكان بشكل دقيق، ومن ثم توجيه ضربة كبيرة لهم بقذيفة تزن حوالي من 3 إلى 10 أطنان.ثانياً، تجهيز وحدة "نيلي" من قبل الموساد الإسرائيلي، وهي اختصار لكلمات بالعبرية معناها "الخلود لإسرائيل حقيقة لا كذب"، وهي مشابهة لوحدة "كيدون" ذراع إسرائيل الخارجية لتصفية أعدائها، لكن وحدة "نيلي" هي مخصصة للاغتيالات بالداخل.وحول إمكانية اغتيال يحيى السنوار قائد "حماس" بالقطاع أشار خريسات إلى أن "السنوار بمربع أمني تحت الأرض عمقه 80 مترا، وهذه المسافة يتم الوصول إليها عبر قنبلة GBU – 57H الأميركية الخارقة للتحصينات، وزنها 12 طنا، وهي بحجم طائرة F – 35 الأميركية، وبالتالي هي تستطيع ضرب الأنفاق، فهي على شاكلة القنبلة النووية لكن دون إشعاع". وبحسب خريسات "يواجه وصول هذه القنبلة مشاكل عدة، أبرزها أنها تحتاج إلى طائرة لحملها لوحدها، وأميركا لا تخرج هذا النوع من الطائرات إلا بحالات معينة وقليلة، وهذه القنبلة هي من قتلت قادات الصف الأول لتنظيم داعش والقاعدة. لطالما قادة "حماس" في الأنفاق فهم بأمان، بمجرد خروجهم منها، لن يكونوا كذلك. نتانياهو سيفعل كل ما بوسعه ليأتي برأس السنوار، لأن دون ذلك مصيره السجن".سياسة بث الرعب على الرغم من جدية مساعي إسرائيل في اغتيال قادة "حماس"، إلّا أن الترويج الكبير لهذا المخطط يعود جزء كبير منه إلى "بث الرعب" في نفوس عناصر الحركة، وتحدث عن ذلك عدد من الدراسات التي تناولت سلوك إسرائيل بعد 7 أكتوبر. وسبق لإسرائيل أن نفّذت عملية "غضب الرب" ضد قادة منظمة "أيلول الأسود"، حيث قامت بنعي الشخصيات التي تنوي قتلها قبل تنفيذ الاغتيال، ليتبيّن فيما بعد أن هدفها كان بث الرعب في نفوس الموجودين على قائمة الاغتيالات، وفقا لتصريحات مسؤولين إسرائيليين. ويشرح اللواء المتقاعد مأمون النوار في حديث إلى منصة "المشهد" أن "القضاء على القيادات صعب جدا، وتحتاج جهدا استخباراتيا كبيرا. زيارة سوليفان هدفت إلى خفض حدة القتال، وذلك لتفادي الإبادة الجماعية التي تحصل في غزة الآن، حيث تؤمن إسرائيل بمبدأ كثافة النيران قبل الاقتحام. الحرب مستمرة ولن تنتهي بسرعة، وإسرائيل تدفع تكلفة كبيرة بالنسبة لسمعتها في العالم، نتيجة استراتيجية القتل الجماعي. إسرائيل ليس لديها عمق استراتيجي، فهي ستحاصر القطاع و"حماس" بشكل شديد، لكن احتلالها لغزة غير ممكن، بسبب وجود مقاومة، وفي هذا السياق ستسعى إلى تنفيذ شروطها المتمثلة في نزع السلاح، ومحاولتها تسليم المهمة إلى قوات حفظ سلام متعددة الجنسيات بقيادة عربية، مع الاحتفاظ بالحدود بين إسرائيل وغزة". ووفقا للنوار فإن "هذا السيناريو أقل خطورة من إقامة دولة فلسطينية على حدودها، الأمر الذي يعدّ تهديدا استراتيجيا. هناك توترات بين إدارة بايدن ونتانياهو، ومن المحتمل أن يكون نتانياهو رفض مقترحات واشنطن حول سيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة".اغتيال قادة "حماس" بالخارج وتولي إسرائيل أهمية لعمليات اغتيال قادة "حماس" بالداخل أكثر من الخارج، وذلك لكون التخطيط لهجوم 7 أكتوبر كان داخليا بالمطلق من جهة، ولأن الجناح المسلّح لـ"حماس" مرتبط بإيران، فيما أن الجناح السياسي أكثر ميلاً لقطر، حليفة الناتو من خارج الحلف، وبالتالي فإن اغتيال القادة بالداخل يحقق أهداف إسرائيل، وتجنّبها التوترات مع قطر و تركيا، كون تل أبيب اليوم بحاجة إلى هذين الدولتين لأسباب اقتصادية وسياسية، لكن على المدى الطويل، قد تعمل تل أبيب على اغتيال القادة في الخارج أيضاً. وتوعّد رئيس الوزارء الإسرائيلي الشهر الماضي قادة "حماس" قائلاً: "لقد أصدرت تعليماتي للموساد بالعمل ضد قادة حماس أينما كانوا"، في إشارة إلى جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي، لكن دون أن يحدد أسماء الأشخاص أو البلدان. من جهتها، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تستعد لاغتيال قيادات "حماس" في كل أنحاء العالم عندما تنتهي الحرب في غزة، بالإضافة إلى طرد آلاف المقاتلين. ولفتت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أصدر أوامره لهذه الأجهزة من أجل وضع خطط لمطاردة قادة "حماس" الذين يعيشون في لبنان وتركيا وقطر. في هذا الإطار، يقول خريسات "قطر تواصلت مع إسرائيل حول موضوع اغتيال قادة "حماس" في الخارج، وتل أبيب أكدت لها أن القادة على أراضيها لم يتم وضعهم ضمن قائمة الاغتيال، لكن الجميع يعلم أن إسرائيل تكذب. حيث تعمل على عدم ترك أي دليل على اغتيالاتها". وينهي خريسات حديثه إلى "المشهد" قائلا: "تركيا كانت صريحة وقالت لقادة "حماس" نحن لا نستطيع حمايتكم، لأنه إذا تم وضعكم كأهداف ستبقون تحت الملاحقة حتى قتلكم، وأعطت مثالا على اغتيال قادة منظمة أيلول الأسود بعد مقتل 11 من أعضاء الفريق الأولمبي الإسرائيلي في سبتمبر 1972، عندما شنّ مسلحو المنظمة هجوما على مقر بعثات دورة الألعاب الأولمبية بالمدينة الألمانية، حيث تم اغتيال آخر قيادي في المنظمة بعد 20 عاما من ملاحقته".(المشهد)