منذ اللحظة الأولى من اندلاع الحرب بين إسرائيل و"حماس" في غزة، راحت جماعات ما يطلق عليها بـ"محور الممانعة" أو "محور إيران"، لدعم الحركة الفلسطينية، ومن بينهم الحوثيون الذين اكتفوا بالإشادة والتحذير. لكن خلال الأيام القليلة الماضية حدث تحوّل نوعيّ في موقفهم ليعلنوا رسميًا من صنعاء استهداف المدن الإسرائيلية المطلّة على البحر الأحمر بصواريخ باليستية ومسيّرات.ودوّت صفارات الإنذار في مدينة إيلات الإسرائيلية منذ الساعات المبكّرة من صباح الثلاثاء بشكل متفاوت وحتى فجر الأربعاء، بالتزامن مع الصواريخ والمسيّرات القادمة من جنوب البحر الأحمر، رغم ذلك لم يؤكد الإسرائيليون حدوث أيّ أضرار، وأشاروا إلى أنهم أسقطوها فوق البحر الأحمر. وقال المتحدث العسكري باسم "الحوثيّين" يحيى سريع، في بيان أذاعه التلفزيون، إنّ الجماعة أطلقت "عددًا كبيرًا" من الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، وإنه "سيكون هناك المزيد من هذه الهجمات في المستقبل لمساعدة الفلسطينيّين على تحقيق النّصر".لا جدوى من صواريخ "الحوثيّين"ويؤكد بيان المتحدث العسكريّ "الحوثي"، دخول الجماعة المدعومة من إيران بشكل رسميّ في الحرب، وهو ما يزيد مخاوف دول المنطقة من امتداد رقعة الصراع، الأمر الذي يُحذّر منه المراقبون والخبراء، والذين يقلّلون أيضًا خلال حديثهم مع منصة "المشهد"، من جدوى ما تقوم به الميليشيات الموالية لطهران في المنطقة من مناوشات مع إسرائيل. ويعتبر الكاتب والباحث السياسيّ السعوديّ مبارك آل عاتي، أنّ ما قام بإطلاقه "الحوثيون" بمثابة "مفرقعات نارية" تهدف من خلالها لتسجيل الحضور في الحرب الدائرة على غزّة، قائلًا: "طهران ومحور الممانعة يعملان على كسب الحضور أمام المؤيدين والجماهير ليس إلّا". ويضيف آل عاتي خلال حديثه مع منصة "المشهد": "يمكن توصيف ما قام به "الحوثيون" بتحركات تكتيكية وليست استراتيجية". ويتفق مع هذا المحلّل السياسيّ اليمنيّ المقيم في ألمانيا علي العبسي، والذي يقول إنّ هذا التصعيد لمحاور قوة إيران في المنطقة، جاء لتخفيف حدة الانتقادات الموجهة لـ"حزب الله" اللبناني خلال الأيام القليلة الماضية، بسبب اشتباكه مع إسرائيل في إطار "قواعد الاشتباك المتعارف عليها" وعدم الدخول في مواجهة مباشرة للتخفيف عن "حماس" في غزّة بعد الاجتياح البرّي الذي تقوم به إسرائيل. ويمكن النّظر إلى هجمات "الحوثيّين" وتبنّيهم هذا بشكل رسمي بمثابة تخفيف الضغوط المفروضة على "حزب الله" وكذلك "حماس" أيضًا، حسبما يضيف العبسي خلال حديثه مع منصة "المشهد"، مشيرًا إلى أنّ "هذه العملية ليس له تأثير، خصوصًا مع بُعد المسافة. وكان من الأوْلى أن تقوم بهذا الجماعات الأقرب إلى الحرب". وتبعد صنعاء التي يتخذها "الحوثيون" مقرًا لهم مئات الكيلومترات عن أقرب المدن الإسرائيلية وهي إيلات المطلّة على البحر الأحمر، لكنهم يقولون إنّ لديهم أسلحة وصواريخ باليستية قادرة على الوصول حتى إلى تلّ أبيب.لماذا انخرط "الحوثيون" الآن في الصراع؟وعلى خلاف "الحوثيّين" الذين تأخروا في توجيه ضربات ضدّ إسرائيل، فإنّ "حزب الله" القريب من منطقة الصراع بدأ منذ الساعات الأولى للحرب بين إسرائيل و"حماس" في استهداف القوات الإسرائيلية، حيث تشهد المنطقة الحدودية الجنوبية للبنان مواجهات شبه يومية، غير أنها ظلّت ضمن ما يُعرف بـ "القواعد المتعارف عليها"، والتي تمّ وضعها بشكل غير رسمي، للحدّ من سوء التقدير منذ حرب عام 2006. وعن انتظار الحوثيّين لكل هذا الوقت، للبدء في استهداف إسرائيل، يؤكد الخبراء والمحللون الذين تحدثوا مع منصة "المشهد"، أنّ هذا جاء بإشارة من إيران التي تسعى غالبًا للاستفادة من الحرب بما يخدم مصالحها، إذ يقول المحلل السياسي اليمنيّ والمقيم في القاهرة ماجد المذحجي، إنّ تحديد موعد الانخراط في المواجهة كان بالتأكيد توجيهًا من إيران، خصوصًا أنّ "طهران سعت لتنفيذ تهديداتها بشأن فتح جبهات جديدة على إسرائيل حال إقدامها على الاجتياح البرّي لقطاع غزة". ويضيف المذحجي خلال حديثه مع منصة "المشهد": "نعم أرادوا إيصال رسائل سياسية من إيران. وهي وصلت بالفعل. لكنهم بدأ التحرك بعدما تدهورت الأوضاع في غزّة". وأطلق المسؤولون الإيرانيون على مدار الأيام الماضية تصريحات تحذيرية عدة لإسرائيل من أجل منعها من تنفيذ أيّ عملية اجتياح برّي لقطاع غزة، في إطار خططها لتدمير "حماس"، والتي كان أبرزها ما قاله الرئيس الإيرانيّ إبراهيم رئيسي قبل يوم من هجوم "الحوثيّين"، "إسرائيل تجاوزت الخطوط الحمراء بتكثيف هجومها على حركة "حماس" في غزّة، الأمر الذي قد يدفع أطرافًا أخرى إلى التحرك". وتقوم إسرائيل بعمليات برّية في قطاع غزة منذ أكثر من 4 أيام على الأقل بعد قصف جوّي لأسابيع، وهو الأمر الذي دفع المحلل السياسّي علي العبسي، لاعتبار ما قام به "الحوثيون" "مسألة دعائية" جاءت بعد نحو 4 أسابيع من مرور الحرب، قائلًا: "الفلسطينيون يُقتلون في غزة وهم بدأوا الآن في التحرك". ويضيف العبسي: "قرارات "الحوثيّين" ليست في أيديهم بالتأكيد. الجميع يعلم أنّ إيران والحرس الثوريّ الإيراني يتخذون القرارات. و"الحوثيون" كغيرهم من وكلاء طهران في المنطقة ينفذون الأوامر"، مشيرًا إلى أنّ الإعلان الرسميّ عن هذه الهجمات بمثابة "تأكيد إيران على أنها تنفّذ تهديداتها بالفعل". وحتى الأسبوع الماضي، لم يكن "الحوثيون" ضمن ميليشيات "محور الممانعة" التي هاجمت إسرائيل أو أصول أميركية بالمنطقة. لكن في 19 أكتوبر اتّهم مسؤولون إسرائيليون "الحوثيّين" باضطلاعهم في إطلاق صواريخ، وذلك بعد أن قامت سفينة حربية أميركية في البحر الأحمر باعتراض 3 صواريخ أُطلقت من اليمن. ويؤكد هذا أيضًا المتحدث العسكريّ "الحوثي"، والذي قال في بيانه الثلاثاء، إنّ هذا هو الهجوم الثالث على إسرائيل منذ بداية الصراع. وهو يؤكد أيضًا في ما يبدو أنهم هم الذين نفذوا هجومًا بطائرة مسيّرة في 28 أكتوبر، أدى إلى انفجارات في مدن مصرية مطلّة على البحر الأحمر.هل توسعت رقعة الصراع فعلًا في المنطقة؟وتحذّر أميركا بشكل متواصل إيران ووكلاءها في المنطقة من إمكانية توسيع رقعة الصراع، وذلك في الوقت الذي تقود فيه دول المنطقة جهودًا دبلوماسية حثيثة لاحتواء الأزمة وعدم تمدّدها ودخول أطراف أخرى. لهذا يقول الكاتب والباحث السياسيّ السعودي مبارك آل عاتي، إنّ "استمرار الهجوم الإسرائيليّ على المدنيّين في غزّة بالتأكيد يشير إلى أنّ الاحتمالات كافة واردة في المنطقة"، مشيرًا إلى أنه "لا يمكن استبعاد سيناريو اشتعال المنطقة في أيّ وقت. وهذا السيناريو مطروح وبقوة". ويعتبر آل عاتي أنّ "أيّ خطأ كما الأمر الذي حدث في الأراضي المصرية من سقوط مسيّرات، قد يشعل الصراع"، قائلًا: "سقوط هذه المسيّرات كان مثابة نذير شؤم، ويمكن أن يتكرر في مواقع أخرى ليجرّ المنطقة إلى صراع أوسع". ويمر المسار المباشر لأيّ طائرة مسيّرة أو صاروخ يتمّ إطلاقه من اليمن فوق دول عدة بالمنطقة بالقرب من البحر الأحمر قبل التحليق فوق إسرائيل. لكنّ المحلل السياسيّ السعوديّ عاد ليقول، إنّ "طهران أو أيًا من وكلائها لا يرغبون في مواجهة مباشرة مع أميركا وإسرائيل، لأنهم يعلمون جيدًا أنهم سيواجهون الغرب في هذه الحرب". ويؤكد هذا أيضًا المحلل السياسي ماجد المذحجي، والذي يرى أنّ "الحوثيّين كان بإمكانهم أن يستهدفوا الأصول الأميركية أو الملاحة الدولية إن كانوا يريدون حقًا الدفاع عن "حماس" وغزّة". ويضيف: "هم الطرف الوحيد القادر على تحمّل تكلفة الصراع وتصعيده أيضًا، ليتحول إلى صراع إقليمي. لكنهم لن يفعلوا ذلك". بدوره، يقول المحلل السياسي اليمنيّ المقيم في ألمانيا علي العبسي إنّ "إيران ووكلاءها وجنود الحرس الثوريّ الإيراني في المنطقة، يتمّ استهدافهم وقتلهم منذ أعوام في سوريا، والجميع يعرف من الذي قام بذلك، وهم غير قادرين على الردّ أو الدفاع عن أنفسهم".لهذا لا يمكن لإيران الدخول في مواجهة مباشرة أو تصعيد الصراع في المنطقة، بحسب العبسي، مشيرًا إلى أنّ "مقياس جديتهم لمساعدة الفلسطينيّين لا يتعلق بإطلاق الصواريخ والمسيّرات. بل قد يكون التهديد بإغلاق ممرات التجارة الدولية البحرية أكثر فاعلية. ولا أعتقد أيضًا أن يقوموا بهذا الإجراء". يُذكر أنه بإعلان "الحوثيّين" تبنّي الهجمات بشكل رسمي على إسرائيل، يكون بذلك جميع المليشيات المدعومة أو المقرّبة من إيران بالمنطقة قد انخرطت في تنفيذ هجمات على إسرائيل أو القواعد العسكرية التي تستضيف القوات الأميركية في العراق وسوريا.(المشهد)