قبيل قرار المجلس الدستوريّ الفرنسيّ في 25 يناير، خرج آلاف من رافضي قانون الهجرة المثير للجدل، إلى شوارع باريس والمدن الكبرى في فرنسا، مُطالبين بـ"سحبه بالكامل" مُعتبرين أنه "يتبنّى الكثير من أفكار اليمين المتطرّف". فهل ترضخ باريس لهذه الضغوط وسط الأزمة الاقتصاديّة العنيفة التي تعيشها، والتي بدأت تُرهق مواطنيها؟الحكومة الفرنسيّة لن ترضخ للضغوط يجزم المحامي الفرنسيّ ومستشار مؤسس حزب التجمع الوطني إيلي حاتم في حديث لمنصّة "المشهد"، بأنّ الحكومة الفرنسية لن ترضخ لهذه الضغوط في الشارع، خصوصًا أنّ هذه التظاهرات نُظّمت من جانب حزب "فرنسا الأبيّة"، المعروف بأنه مقرب من المهاجرين والأجانب.وربط حاتم قانون المهاجرين المثير للجدل، بالمشكلة الاقتصاديّة الكبرى التي تعانيها فرنسا، معتبرًا أنه "من الصعب تقبّل الأحزاب للتكاليف التي يمكن أن تتكبّدها الدولة الفرنسية لإيواء هؤلاء الأجانب على أراضيها، خصوصًا أنّ القانون الذي يقدّم الكثير من الخدمات والمساعدات والسكن، يعتبره المواطنون الفرنسيون غير عادل، فهم لا يملكون أيّ قانون يحميهم في حال لم يدفعوا إيجار منازلهم مثلًا".وتابع أنّ "التكاليف الباهظة التي تنفقها الدولة على المهاجرين الأجانب، تعود من أموال الضرائب التي يدفعونها هم كمواطنين حقيقيّين، وهذا الأمر يشكّل استياءً وغضبًا عارمًا من جانب الأحزاب كافة، منها اليمين المتطرّف، واليمين والوسط واليسار، تجاه تلك القوانين المجحفة بحقّ الفرنسيّين".فرنسا على شفير الإفلاسورأى حاتم أنّ "ذلك هو نتيجة السياسات التي اتبعتها كل الحكومات اليمينية واليسارية التي حكمت فرنسا، بينما كان اليمين المتطرف يحذّر الفرنسيّين من هذه السياسيات".وشدّد حاتم على أنّ "الدولة الفرنسية على شفير الإفلاس، من جرّاء التضخّم وغلاء المعيشة، ما يؤدي إلى زيادة المشكلات الإجتماعيّة التي يعانيها الشعب الفرنسي، ولا يمكنها الاستمرار بالنهج نفسه".أمّا عن قانون الهجرة المثير للجدل، فأشار حاتم في حديثه لـ"المشهد"، إلى أنّ"البرلمان قام بتعديله، قبل إقراره، أظنّ أنّ المجلس الدستوري سينظر في 25 يناير إلى بعض الفقرات التي يتضمّتها النصّ القانوني، وسيرى إن كانت موافقة للدستور أم لا، ولكن في النقاط الأساسية والبنود العريضة لهذا القانون، سيتمّ إقرارها وتطبيقها لأنّ مشكلة الأجانب في فرنسا مهمّة استنادًا إلى كلّ القوانين الأخرى، التي تعطي الحقوق للمهاجرين الأجانب الذين يدخلون الأراضي الفرنسيّة بطريقة شرعيّة أو غير شرعيّة; نذكر منها الطبابة والدراسة المجانيّة والسكن والمعونات التي تُدفع شهريًا لإعالتهم، لأنهم لا يعملون، ويتمّ تمويل كلّ ذلك من جيوب المواطنين الذي يعملون ويدفعون الضرائب التي تتدكّس عليهم سنويًا".حاتم اعتبر أنّ "هذا القانون سيسهّل الأمور على اللاجئين، لأنّ حقّ النظر في وضعهم كان يستغرق أشهرًا عدّة أو حتى سنة، ومع القانون الجديد مهلة دراسة الملفّات ستتقلّص والجواب سيكون سريعًا للسماح للمهاجر بمعرفة ما إذا كان مقبولًا على الأراضي الفرنسيّة، وبالتالي إعطائه حقوقه كاملة".وأضاف حاتم، "هذا القانون يملك الكثير من الإيجابيّات للمهاجر، منها السّماح له بالعمل على الأراضي الفرنسية، حتى لو كان من دون أوراق، والمساعدات لاحقًا تكون مشروطة بالعمل، ويعطى المهاجر مهلة ثلاث سنوات قبل ترحيله، ما لم يجد فرصة عمل لتشريع أوراقه، وبالتالي حقوقه".وختم حاتم لافتًا إلى أنه "قبيل الانتخابات الفرنسيّة سيكون هذا القانون محطّة جدل كبيرة بين مختلف الأطراف السياسية، فحزب اليمين المتطرّف يعتبره "غير كافٍ وغير حازم، وأنبوب الهجرة مفتوح ويتدفّق منه الوافدون"، خصوصًا لجهة دخول المهاجرين بطريقة غير شرعيّة، واليسار سيقف ضدّ اليمين المتطرّف"، كلّ فريق سيستعمل هذا القانون لمصلحته الشخصيّة".المتظاهرون يساريّون يعيشون على الهامشالدكتور في العلوم السياسية في جامعة السوربون في باريس، الخبير الجيوسياسيّ، فرنسوا كوستانتيني اعتبر في حديث لمنصّة "المشهد"، أنّ "العدد لم يكن كبيرًا خلال تلك التظاهرات، ففي الإعلام يتمّ تضخيم الأعداد، غالبيّتهم من جماعة اليسار واليسار المتطرّف، هذه الأحزاب خسرت الكثير من أصوات الطبقة الشعبية الفرنسيّة، ولم يعد لدى تلك الأحزاب سوى ملفّ الهجرة لاستقطاب الفرنسيّين ذوي الأصول الأجنبية، فقد فقدوا أصوات الطبقة العاملة وهم يعتمدون فقط على تلك الأصوات، وبشكل أساسيّ على السكان المهاجرين الذين لا يعرفون الكثير عن فرنسا. ومن هذه القوى حزب فرنسا الأبيّة".وأضاف، "في معظم الأحيان هؤلاء المتظاهرون يساريون يعيشون على الهامش، مثل الفنانين الذين يحلمون بعالم مثاليّ، ولا يرون ما يحصل على أرض الواقع، وكثيرًا ما لا يكونون على اتصال مباشر بالمهاجرين، إنهم ماركسيون يرون الهجرة كبروليتاريا جديدة".ورأى كوستانتيني أنّ "قانون الهجرة الجديد لن يحلّ معظم المشكلات، لأنّ الكثير منها يأتي من "تطبيق" القانون، بما في ذلك آليّة التطبيق لدى القضاة، والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان".يبقى القول إنّ مسألة الهجرة ستكون حاضرة في حملة الانتخابات الرئاسية، وسيكون لها دور كبير في ما ستؤول إليه هذه الانتخابات. (فرنسا - المشهد)