في مؤشر جديد على تصاعد حدة الخلافات داخل ائتلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن حرب غزة، تأتي زيارة عضو مجلس الحرب الإسرائيلي الوزير بيني غانتس إلى واشنطن من دون تنسيق مسبق أو الحصول على تصريح من نتانياهو نفسه، وذلك للقاء عدد من كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، ومن بينهم نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" نقلا عن مصدر وصفته بالمطلع، أن غانتس أبلغ نتانياهو بزيارته لواشنطن بعد تحديد جدول أعمالها، مضيفا أن الأخير "يتملكه الغضب الشديد".ورأى المصدر أن زيارة غانتس "تعكس انقساما حادا في القيادة السياسية الإسرائيلية"، بحسب الصحيفة الأميركية.يأتي هذا بينما ذكرت وسائل إعلام عبرية أن الخلاف وصل لدرجة أن حكومة نتانياهو أمرت السفارة الإسرائيلية في واشنطن بمقاطعة اجتماعات غانتس مع مسؤولي إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وقال مسؤولون إسرائيليون إن "الولايات المتحدة محبطة من حكومة نتانياهو".وأوضحت القناة 12 الإسرائيلية أن محور زيارة غانتس ومناقشاته مع كبار المسؤولين في واشنطن تنصب على خطط اليوم التالي لقطاع غزة بعد نهاية الحرب، بما في ذلك إعادة تأهيل القطاع والسيطرة عليه من قبل السلطة الفلسطينية، وهو ما أكدته قناة "إيه بي سي" الأميركية أيضا نقلا عن مسؤول في البيت الأبيض.إحباط أميركيومن جانبها، دلّلت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية على غضب إدارة بايدن من سياسات نتانياهو بالقول إن المساعدات الأميركية التي تم إسقاطها جوا على قطاع غزة مؤخرا "تعكس إحباط واشنطن من سياسات إسرائيل". وذهبت الصحيفة إلى ما هو أبعد من ذلك بالقول إنه "قد تتصاعد المواجهة بين واشنطن وتل أبيب إذا لم يتم التوصل إلى صفقة" بشأن الأسرى الذين تحتجزهم حركة "حماس" وإدخال المساعدات إلى غزة، معتبرة أن "قرار بايدن دعوة غانتس للولايات المتحدة يعكس التقليل من أهمية نتانياهو".واستبقت نائبة الرئيس الأميركي اجتماعها مع غانتس بالدعوة أمام جمع في ولاية ألاباما إلى "وقف فوري لإطلاق النار" في غزة، في إشارة إلى هدنة الأسابيع الستة التي تحاول إدارة بايدن التفاوض بشأنها، ما يضمن إطلاق سراح عشرات الأسرى وزيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع غزة، وركّزت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" على تفاعل الحضور بشكل إيجابي وترحيبهم بدعوة هاريس التي تشكل مطلبا طالما دعا إليه الكثيرون ممن يريدون وقفا للقتل والدمار.وتزامن ذلك مع ما أعلنته هيئة البث الإسرائيلية عن أن الشرط الذي وضعه رئيس الوزراء للتقدم في المفاوضات، وهو الحصول على قائمة بأسماء المحتجزين الذين مازالوا على قيد الحياة، لم يحظ بموافقة مجلس الحرب، ما يشي بحجم الخلافات حتى داخل هذا المجلس.وقالت الهيئة إن مصادر في مجلس الوزراء انتقدت نتانياهو، ورأت أنه يضع العراقيل أمام إحراز تقدم في المفاوضات بهدف إبقاء الوضع على ما هو عليه وكسب المزيد من الوقت هربا من المساءلة، واعتبرت أن مطلب الحصول على تلك القائمة "لم يكن ينبغي طرحه في بداية المحادثات إذ يمكن مناقشة هذا الموضوع قبيل نهاية المفاوضات، كما حدث في الصفقة السابقة"."احتجاجات أوسع"ووسط استطلاعات حديثة للرأي تشير جميعها إلى تراجع كبير في نسبة تأييد نتانياهو بين المواطنين الإسرائيليين، يخشى حلفاء رئيس الوزراء الإسرائيلي من أن تؤدي زيارة غانتس للولايات المتحدة إلى تقويض مواقفه بشأن الحرب. ووفقا لصحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية "تعتقد الولايات المتحدة أن غانتس يمثل مقياسا أفضل لموقف مواطني إسرائيل من المجهود الحربي وحل الدولتين المحتمل".وتعيد هذه المخاوف إلى الواجهة الخلاف الأميركي الإسرائيلي بشأن حل الدولتين، والذي اعتبرت دول عدة حول العالم مؤخرا، لاسيما الأوروبية منها، أنه يجب تطبيقه باعتباره السبيل الوحيد لإرساء الاستقرار في الشرق الأوسط والخروج من دوامة العنف التي لا تنتهي، ودائما ما يصطدم هذا الطرح بالرفض الإسرائيلي.وفي السياق ذاته، حذر أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس روفين حزان من أنه "إذا نمت الخلافات السياسية وانسحب غانتس من الحكومة، فسوف تفتح الأبواب على مصراعيها أمام احتجاجات أوسع" من قبل المواطنين غير الراضين بالفعل عن أداء الحكومة، والذين يحملون نتانياهو نفسه مسؤولية هجوم 7 أكتوبر الذي شنته "حماس" ضد إسرائيل.ونقلت قناة "يورو نيوز" الإخبارية الأوروبية عن حزان قوله: "هناك الكثير من الغضب.. في اللحظة التي يكون لديك فيها هذا الغضب ويكون هناك ائتلاف منفصل عن الشعب، سيتفجر الوضع". وعلى وقع تنامي المظاهرات المنددة باستمرار الحرب الإسرائيلية في غزة للشهر الخامس، سواء داخل إسرائيل نفسها أو في العديد من المدن الأوروبية والأميركية، يرى مراقبون أن الضغوط التي تحاصر إدارة بايدن ستتزايد خلال الفترة المقبلة، خصوصا بعد دور واشنطن المساند والداعم بشدة لتل أبيب منذ اليوم الأول للحرب التي تخطى عدد ضحاياها حتى الآن 100 ألف بين قتيل وجريح غالبيتهم من النساء والأطفال، وكذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في نوفمبر المقبل.(د ب أ)