تتضاعف آمال الفلسطينيّين بتحوّل الهدنة التي دخلت منذ الجمعة الماضي حيّز التنفيذ، إلى وقف لإطلاق النّار، لكنّ هذه الآمال تظلّ رهينة حسابات السياسة، وتقييمات طرفَي المعركة للمُنجَز والمأمول، فهل يتحوّل تمديد الهدنة لوقف لإطلاق النّار؟جاءت "الهدنة الإنسانية"، بين إسرائيل وحركة "حماس"، بوساطة من كل من قطر، ومصر، والولايات المتّحدة، في اليوم التاسع والأربعين للحرب، ولاقى اتفاقها ترحيبًا دوليًا واسعًا ودعوات كثيرة للاستثمار فيه، وتحويله لوقف شامل لإطلاق النّار.واليوم الأربعاء قالت وكالة "فرانس برس"، إنّ حركة "حماس" "أبلغت الوسطاء بموافقتها على تمديد الهدنة لـ4 أيام"، فيما يُتوقّع أن تستمر الهدنة حتّى الساعة السابعة من صباح الخميس (الخامسة بتوقيت غرينتش) بعد تمديدها يومَين بالأساس.وقال المصدر، إنَّ "لدى الحركة ما يمكّنها من إطلاق سراح أسرى إسرائيليّين محتجزين لديها، ولدى فصائل المقاومة، وجهات مختلفة، خلال هذه الفترة ضمن الآليّة المتّبعة والشروط نفسها".من جهتها، ذكرت هيئة البثّ العامة الإسرائيليّة "راديو كان"، أنه تمّ إبلاغ عائلات المزيد من الأسرى الإسرائيليّين، بأنه سيتمّ إطلاق سراح ذويهم من غزّة، في وقت لاحق اليوم.وأشار إعلام إسرائيلي، إلى أنّ الدفعة السادسة من تبادل المحتجزين، تضمّ 10 إسرائيليّين وروسيّتَين اثنتَين.وفي المقابل، تتباين التصريحات الرسميّة الإسرائيليّة حول مصير الهدنة، وإمكانية الوصول لوقف لإطلاق النّار يُنهي الحرب.فرصة هائلة لوقف حرب غزةتُظهر المؤشّرات والمواقف الدوليّة وحتى الشعبيّة، أنّ تصاعد الضغط على إسرائيل لوقف حربها على القطاع، قد يوفر فرصة لتحويل الهدنة المؤقّتة إلى هدنة دائمة.ويعتبر عدد من المحلّلين أنّ قبول إسرائيل بالهدنة المؤقّتة، نتيجة أوليّة لهذا الضغط الذي من المحتمل أن يتصاعد مع الوقت، ويؤثّر على المواقف الرسميّة في الدول الغربيّة.ويرى الباحث السياسيّ الفلسطينيّ جهاد حرب، في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ الهدنة المؤقّتة فرصة هائلة لوقف شامل للحرب، متوقّعًا أن تنتهي باتفاق لوقف إطلاق النّار، مبرّرًا ذلك بعوامل كثيرة، منها:الحراك داخل المجتمع الإسرائيليّ، وموقف العائلات الإسرائيليّة التي تطالب بإطلاق سراح أبنائها، وتخشى أن تفقدهم في غزّة مثلما حدث مع أسرى سابقًا إما بالموت تحت القصف، أو باختفاء كلّ أثر لهم. المجتمع الإسرائيليّ فهِمَ كيف أنّ عودة أبنائه جاء بالتفاوض لا بالقتال، لذلك يفضّل اليوم عودتهم بالحوار، حتى وإن كان ثمن ذلك إيقاف الحرب وإلغاء هدفها الأوّل، المتمثّل في القضاء على "حماس".الموقف الأميركيّ المتدحرج نحو وقف إطلاق نار، وعدم انغماس إسرائيل أكثر في احتلال في القطاع، وهذا ناجم عن تحوّلات داخل أميركا نفسها.عدم استعداد المجتمع الدوليّ لرؤية مشاهد الحرب من جديد، بعد توقّف 7 أيام.الاتفاق على وقف إطلاق النّار يخدم الطرفَين "حماس" كإسرائيل، الأولى ترغب الآن في إعادة ترتيب بيتها الداخليّ، والهدنة فرصة لذلك، والثانية التي تكبّدت خسائر كبيرة بما في ذلك الخسائر الماديّة، لا مصلحة لها في مواصلة هذه الحرب.نتانياهو حلقة مفصليّةيبدو أن موقف نتانياهو من الهدنة، ورغبته في استمرار الحرب من عدمها، أمر مفصلي في إمكانية تحوّل التهدئة المؤقّتة إلى تهدئة دائمة.ومنذ بداية الحرب أعلن نتانياهو أنه ذاهب لغزّة للقضاء على "حماس"، لكنه بعد 48 يومًا من القصف، لم ينجح في فعل ذلك، ما يضع موافقته على وقف الحرب محلّ شكّ.ويقول الأستاذ الجامعيّ الفلسطينيّ أيمن الرقب، إنّ نتانياهو لم يحقّق وجيشه أهدافهما من هذه الحرب، لذلك وفق تقديره، من الصعب حاليًا أن يوافق على تحوّل الهدنة لوقف لإطلاق النّار، لأنّ ذلك لا يخدم مصلحته.ويوضح في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ الهدنة الحاليّة ستليها هُدن متكرّرة، ربما ستنتهي لاحقًا إلى وقف لإطلاق النّار، لكنّها لن تتحوّل في المدى القريب لوقف شامل لإطلاق النّار"، مشددًا على أنّ المفاوضات شاقّة، لأنّ ما يطلبه نتانياهو لن توافق حماس عليه.في المقابل يؤكد حرب، أنه على عكس ما يروّج له كثيرون، فإنّ نتانياهو لا يريد الاستمرار في الحرب، ويعي جيدًا أنّ الاجتياح البرّي، وانغماس إسرائيل في الاحتلال، يكلّفها كثيرًا ماديًا وبشريًا، ويهزّ صورتها أمام المجتمع الدوليّ. ويقول إنّ نتانياهو ينظر للمجتمع الدوليّ بعين، وللبيت الأبيض بعين أخرى، وتحديدًا لما يريده بايدن، الذي كبّدته حرب غزّة خسائر كبيرة على المستوى الداخلي.واليوم الأربعاء، قال وزير خارجية أميركا أنتوني بلينكن، إنّ بلاده ستبذل كلّ ما في وسعها لاستمرار الهدنة.ويضيف حرب: "من يريد الحرب هم قادة الجيش وجنرالاته، الذين يبحثون عن الثأر بعد صفعة 7 من أكتوبر".وفي السابع من أكتوبر باغتت "حماس" إسرائيل بهجوم غير مسبوق في تاريخها، لم يستطع جيشها التعامل معه إلّا بعد ساعات طويلة، وأوقع 1200 قتيل وأسر العشرات من جنودها.ويواصل لافتًا إلى أنّ من مصلحة نتانياهو إيقاف الحرب، "لأنه يريد الإبقاء على الفصل بين الضفة وغزة، فالمخرج الذي يطرحه المجتمع الدوليّ الآن، هو عودة غزّة للسلطة الفلسطينيّة"، وهذا وفق تقديره "ما لا يريده نتانياهو الذي يخدمه بقاء حماس في غزة، فذلك يعني استمرار الانقسام الفلسطينيّ، وعدم الدفع نحو استحقاقات سياسيّة لحلّ الصراع".ويرجّح ألا يكمل نتانياهو الحرب، لأنه وفق رأيه "قام بأقصى ما يمكنه أن يقوم به، فقد دمّر البنية التحتيّة لغزّة، وقتل آلافًا من المدنيّين".وقتل القصف الإسرائيليّ المستمر على غزّة، أكثر من 15 ألف فلسطينيّ، فيما دمّر أكثر من 60% من القطاع.المزيد من الوقتولم تحسم إسرائيل حربها ضدّ "حماس" ميدانيًا في المقابل لم تحقق "حماس" بعد، كلّ أهدافها التي أعلنتها في السابع من أكتوبر الماضي، رغم صمودها طيلة نحو 50 يومًا.في السياق يقول المحلل السياسيّ حسن اللافي، إنّ النجاح في التوصل لهدنة إنسانيّة، ورضوخ إسرائيل لذلك، ولو كان ذلك ضمن فئة محددة تشمل الأطفال والنساء فقط، هو مؤشر على بداية تبلور مسار سياسيّ موازٍ للمسار العسكري.ويعتقد أنه يمكن الاستفادة من الهدنة والترتيبات التي أحدثتها على المستوى العالمي، وحتى الداخليّ لتكون مقدمة حقيقيّة لوقف إطلاق النّار.لكنه يشدد في تصريحه لمنصّة "المشهد"، على أنّ هناك الحاجة لمزيد من الوقت كي ينضج هذا المسار، خصوصًا وأنّ نتانياهو وجيشه لم يحقّقا الأهداف التي رفعاها، وكان سقفها عاليًا جدًا، لذلك يعتقد أنه "لن يقبل على الأقل حاليًا بوقف إطلاق النّار وسيحاول العودة للحرب".وكثيرًا ما ردّد نتانياهو الرجل، الذي يتوقّع المراقبون أن تنتهي حرب غزّة بإنهاء حكمه لإسرائيل، تمسّكه بمواصلة الحرب لحين القضاء على "حماس"، لكنّ الحركة اعترفت بعد قرابة شهرين من القتال، بمقتل 4 فقط من قياديها.ويقدّر اللافي أنّ "المجتمع الدوليّ لن يمنح نتانياهو المزيد من الوقت للمناورة، وسيدفع نحو الوقف الشامل لإطلاق النّار".(المشهد)