تتصاعد حدة التصريحات الدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل يوما بعد يوم، فبعد الأسبوع الأول من الحرب، بدا الموقف التركي يتصاعد تدريجيا، حتى وصل إلى حد قال فيه الرئيس التركي رجب طيب إردوغان "نتانياهو سيُحاكم كـ "مجرم حرب". تعتبر القضية الفلسطينية العامل الأقوى الذي يلعب دورا في العلاقات الإسرائيلية – التركية، وليس ذلك فحسب، بل أن طبيعة الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هي من تعمل على رسم وبلورة العلاقات بين تل أبيب وأنقرة. يدعم ذلك أن أغلب التيارات والأحزاب في تركيا سواء من اليمين المحافظ أم اليسار الثوري تقف إلى جانب القضية الفلسطينية.العلاقات الإسرائيلية – التركية تعتبر تركيا أول دولة ذات غالبية مسلمة تعترف بإسرائيل، وبدأت العلاقات بينهما عام 1949، أي بعد عام واحد من النكبة الفلسطينية وإعلان قيام دولة إسرائيل. طوال الأعوام الماضية تأرجحت العلاقات الإسرائيلية – التركية ما بين مد وجزر، ولم يمرّ عامان فقط على استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين والتي جاءت ضمن سلسلة الانفتاحات التي قامت فيها تركيا على دول عديدة في الشرق الأوسط، إلّا أن هذه العلاقات عادت إلى التوترات من جديد. بعد مقتل إسرائيل لناشطين أتراك في مايو 2010 خلال محاولة تركيا لكسر الحصار البحري الإسرائيلي على غزة والتي تسمى بحادثة "مرمرة"، أعلنت تركيا وإسرائيل في عام 2022 عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما وتبادل السفراء. كذلك التقى إردوغان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ولأول مرة وجها لوجه في سبتمبر الماضي، ضمن اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي غضون هجوم 7 أكتوبر كان من المقرر أن يزور إردوغان إسرائيل، لكن تم إلغاء الزيارة. نتيجة لهذا الدفء بالعلاقات بدا موقف إردوغان مفاجأة لإسرائيل، إذ لم يقتصر على الإدانات مثل دول عدة، بل وصل إلى الهجوم على إسرائيل ووصفها ورئيس وزرائها بكلمات حادة. أبرز مواقف إردوغان: "حماس" ليست منظمة إرهابية، بل حركة مقاومة مشروعة ضد المحتلين الإسرائيليين. إسرائيل دولة مجرمة حرب، وستتخذ تركيا إجراءات قانونية ضد إسرائيل على الساحة الدولية فيما يتعلق بجرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة. الولايات المتحدة وأوروبا مسؤولتان أيضا عن جرائم الحرب المرتكبة في قطاع غزة. نتانياهو "جزار غزة" وسيُحاكم كـ"مجرم حرب". تقول الخبيرة في السياسة التركية الخارجية هدية ليفينت في حديث إلى منصة "المشهد" إن "التصريحات الرسمية تزداد حدة، لكن العلاقات التجارية والدبلوماسية بين تركيا وإسرائيل مستمرة. ولهذا السبب لا أعتقد أن العلاقات بين البلدين وصلت إلى مستوى العداء حتى الآن. لكن هذا الوضع سيتغير تماماً إذا قرّرت تركيا قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع إسرائيل". ووفقا لصحيفة "زمان" التركية، فقد كشفت بيانات هيئة الإحصاء التركية أنّه في أكتوبر الماضي، عندما بدأت الحرب في غزة، زادت الصادرات بنسبة 29%، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، وانخفضت الواردات بنسبة 59%، وارتفعت صادرات تركيا بنسبة 20% في عام 2023، مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وانخفضت الواردات من هذا البلد بنسبة 27%. بدوره، يشرح الخبير في الشأن التركي محمود علوش في تصريح إلى منصة "المشهد" أن "تركيا حريصة على تجنب وصول التوترات مع إسرائيل بسبب الحرب إلى مرحلة تُهدد بانهيار كامل للعلاقات الجديدة معها. ويبدو أن تل أبيب أيضاً تتفق مع أنقرة في هذا الجانب. مع ذلك، فإن استمرار الحرب يجعل من الصعب على البلدين الحفاظ على هذه العلاقات".اغتيال قادات "حماس" وكشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية تستعد لاغتيال قيادات "حماس" في كل أنحاء العالم عندما تنتهي الحرب في غزة، بالإضافة إلى طرد آلاف المقاتلين. ولفتت الصحيفة إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أصدر أوامره لهذه الأجهزة من أجل وضع خطط لمطاردة قادة "حماس" الذين يعيشون في لبنان وتركيا وقطر. ردّت المخابرات التركية على المزاعم الإسرائيلية، محذرة إسرائيل من "عواقب وخيمة" إذا حاولت ملاحقة مسؤولين من حركة "حماس" خارج الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك في تركيا. ولدى إسرائيل تاريخ طويل باغتيال القيادات الفلسطينية، كان أبرزها في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ونتانياهو بالتحديد حاول اغتيال قيادات "حماس" لكنه فشل، ففي عام 1997 أمر نتانياهو جواسيس إسرائيليين بقتل قائد "حماس" السابق خالد مشعل في الأردن. وبالفعل هاجم الجواسيس مشعل بمادة سامة، لكنهم لم يستطيعوا الفرار، وقبضت عليهم السلطات الأردنية. نتيجة لذلك هدّد الأردن بإنهاء معاهدة السلام مع إسرائيل، ومارست دول غربية الضغط على إسرائيل لإرسال الترياق وإنقاذ حياة مشعل. حول ذلك يعلّق المتخصص في الشأن التركي علوش قائلا "أي تحرك إسرائيلي من قبيل اغتيال قادة "حماس" في تركيا سيؤدي إلى أزمة كبيرة في العلاقات التركية الإسرائيلية على غرار الأزمة التي أعقبت الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية. إسرائيل تُدرك هذه العواقب وتصريحاتها بشأن ملاحقة قادة "حماس" في تركيا تندرج في إطار الحرب الإعلامية مع الحركة. هناك نشاط تجسسي إسرائيلي في تركيا منذ فترة طويلة، لكنّه لم يصل إلى مرحلة القيام بعملية أمنية. لذلك، لن تُظهر تركيا أي تسامح مع أي نشاط أمني إسرائيلي ضد "حماس" على أراضيها". ولا تعتقد المحللة التركية ليفيت أن "إسرائيل ستغتال مسؤولي "حماس" في تركيا علنًا، لكن إذا اكتشفت إسرائيل وجود مسؤولين من "حماس" في تركيا، فيمكنها الضغط على تركيا. وفي هذه الحالة، قد تطلب إسرائيل من تركيا ترحيل مسؤولي الحركة". وتشير ليفينت "هناك علاقة متعددة الأبعاد وعميقة الجذور بين تركيا وإسرائيل. لكن من ناحية أخرى، فإن القضية الفلسطينية هي قضية مقدسة، خصوصا بالنسبة للأشخاص الذين يدعمون إردوغان، ولهذا السبب فإن الرئيس التركي لا يريد قطع العلاقات مع إسرائيل، لكنه في المقابل يقول إنه يدعم "حماس"، واستمرار العلاقة مع كل من إسرائيل و"حماس" له فوائد ومضار".خطة تركية في غزة ويعتبر إردوغان أول رئيس وضع خطة لغزة ما بعد الحرب، حيث أظهر رغبته بأن تشارك القوات التركية في "الهيكل الأمني" الذي سيكون في غزة بعد الحرب، وعلى الرغم من التسريبات التي تتحدث عن مخطط أميركي لغزة ما بعد الحرب فإن لم يتم الكشف أو التصريح الرسمي عن ذلك. توضح ليفينت أن "إردوغان يريد أن يكون أحد اللاعبين الرئيسيين في القضية الإسرائيلية الفلسطينية. وفي هذا السياق، تريد تركيا أن تكون الدولة التي توقف الصراعات المستمرة. والهدف التالي هو أن تكون الدولة التي توفر حلاً للمشكلة الإسرائيلية الفلسطينية. ولهذا السبب طرحت تركيا مقترح الضامن، ولكن أعتقد أن الهدف لا يقتصر على هذا. تريد تركيا، وخصوصا إردوغان، أن يُسجل في التاريخ باعتباره الزعيم الذي حل المشكلة الفلسطينية". فيما ينهي علوش حديثه إلى "المشهد" قائلا "إردوغان يُريد وقفاً للحرب ويسعى لأن تلعب تركيا دوراً محورياً في جهود التسوية السياسية للصراع وفي رعاية عملية سلام جديدة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ولا يُمكن لأنقرة أن تلعب هذا الدور إذا لم تُحافظ على علاقاتها بجميع أطراف الصراع بما في ذلك إسرائيل و"حماس". لذلك، يُمكن النظر إلى الحذر التركي في تجنب انهيار العلاقات مع إسرائيل من هذا المنظور". لا تُقارب تركيا علاقتها بكل من إسرائيل و"حماس" من منظور صفري، بحسب علوش "أنقرة بحاجة إلى الحفاظ على علاقاتها مع إسرائيل لتعزيز فرص أن تلعب دوراً محورياً في وقف الحرب. كما أنها بحاجة للحفاظ على علاقتها بـ"حماس" للهدف نفسه. تركيا تسعى لعزل علاقتها مع إسرائيل عن موقفها من "حماس" والقضية الفلسطينية، والحرب ستُعيد تشكيل علاقات دول المنطقة بما فيها تركيا مع الحركة".(المشهد)