بعد 4 أيام من بقائه في لبنان، ودّع رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بيروت في أول زيارة له منذ تعليقه العمل السياسي، في خطوة أثارت التساؤلات حول ما إذا كان سيبقى بعيدا عن البلاد التي تعاني من واقع اقتصادي مرير أثقل كاهل الشعب الذي يكافح من أجل لقمة العيش بعدما وصلت الليرة اللبنانية إلى أدنى مستوياتها. وأصرّ الحريري في زيارته على أن يبقى صامتا، حيث رفض مخاطبة مئات المناصرين الذين وافوه إلى ضريح والده رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري لإحياء الذكرى السنوية للاغتيال الذي وقع عام 2005 محدثا تغيرات عدة في المسار السياسي. الحريري الذي عاد الأحد الماضي إلى بيروت وشقّ طريقه بصعوبة من بين الجماهير إلى الضريح، وبعدها انتقل إلى البيت الوسط حيث تجمهر في الطرق المؤيدة إليه مجموعة من المناصرين الذين هتفوا داعين إياه إلى البقاء بينهم، بقي صامتا طوال الوقت في مشهد بدا وكأنه رسالة إلى الطبقة السياسية وخصومه.إلا أن الحريري تحدث بعبارة واحدة أمام بيت الوسط قال فيها: "هذا البيت سيبقى مفتوحا أمامكم، وسنكمل معكم المشوار الذي بدأه رفيق الحريري ولن نتخلى عن الناس".هل العودة قريبة؟الأمين العام لـ"تيار المستقبل" أحمد الحريري حسم في حديث لمنصة "المشهد" التكهنات بعودة قريبة لرئيس الوزراء السابق قائلا: "رجوعه إلى لبنان غير مخطط له في الوقت الحالي، وهو مستمر في قرار تعليقه العمل السياسي". بدوره، يعتقد القيادي في "تيار المستقبل" النائب السابق محمد الحجار، الذي رافق الحريري في زيارته، أنه "لا يمكن تحديد موعد للعودة، خصوصا أن الأسباب والظروف التي دفعته لاتخاذ قرار تعليق العمل السياسي ما تزال مستمرة إلى الآن".وقبل 13 شهرا، أعلن الحريري "تعليق" نشاطه في الحياة السياسية وعدم الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة. وفي قرار برره بعدم وجود مجال "لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني"، أعلن الحريري اعتزاله العمل السياسي حتى إشعار آخر، بعدما كان قد قدّم استقالة حكومته الثالثة بعد نحو أسبوعين من بدء التحركات الشعبية المناهضة للطبقة السياسية في 17 أكتوبر 2019.ولم يتمكن الحريري رغم تسميته مجددا في 22 أكتوبر 2020 لتأليف الحكومة، من إتمام مهمته على وقع النقمة الشعبية وانقسام سياسي حاد.وكشف الحجار أن "الزيارات في بيت الوسط لم تكن بدعوة من الحريري، ولجأ البعض إلى محاولة إقناع الحريري بالعودة إلى لبنان، لكنه هو من يقرر ذلك". والتقى الحريري رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، واستقبل في بيت الوسط عدد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية أبرزهما رئيسي الجمهورية السابقين أمين الجميّل وميشال سليمان، سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا، فضلا عن رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، رئيس حزب "الكتائب" النائب سامي الجميل، وفد من "القوات اللبنانية"، وغيرهم من الشخصيات الفاعلة والدينية. أما الباحث السياسي ومدير عام منتدى "ديمقراطيا" عبد الله بارودي فأكد في تصريحات لمنصة "المشهد" أن "الحريري قدّم ورقة اقتصادية إصلاحية تم رُفضت من الأطراف السياسيين، لكن هي نفسها مطروحة اليوم من البنك الدولي الذي يفاوض لبنان على القيام بإجراءات فعالة لمكافحة الفساد من أجل دعم اقتصاده المنهك".ووقعت بيروت مسودة اتفاق مع صندوق النقد الدولي في أبريل الماضي، لكن البطء في وتيرة تنفيذ الإصلاحات التي طلبها الصندوق للحصول على تمويل لتخفيف وطأة الانهيار الاقتصادي المستمر منذ 3 سنوات والذي أغرق الغالبية العظمى من السكان في براثن الفقر.وقال ميقاتي في نوفمبر إن لبنان لا يزال بإمكانه إتمام اتفاق الحصول على حزمة إنقاذ بقيمة 3 مليارات دولار على الرغم من عدم وجود رئيس أو برلمان كامل الصلاحيات.وخفضت الحكومة سعر الصرف الرسمي للعملة المحلية بنسبة 90% في الأول من فبراير إلى 15 ألف ليرة للدولار الأميركي للمرة الأولى منذ نحو 3 عقود.وحينها كانت قيمة الليرة في السوق الموازية أقل بقليل من 60 ألفا مقابل الدولار، ومنذ ذلك الحين، هوت بسرعة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 80 ألفا مقابل الدولار، مما تسبب في احتجاجات وحرق لفروع بنوك وإغلاق الطرق الخميس الماضي.وقال بارودي: "عندما رفضت هذه الورقة الإصلاحية، اعتبر الحريري أنه لا يمكنه التعاطي مع الطبقة السياسية، خصوصا بعد الثورة الشعبية، فقرر ترك المشهدية السياسية ليتيح المجال أمام أشخاص آخرين ولقيادات شابة بتولي المسؤولية".رسالة وأهمية الزيارةوعن الرسالة التي أراد الحريري إيصالها، يشدد بارودي على أن "الناس هم من أوصلوا رسالة واضحة مفادها أن القاعدة الشعبية لا تزال موجودة".واعتبر أن "أهمية هذه الزيارة على الصعيد السياسي تتمثل بإعلام الخصوم والحلفاء بأن الحريري هو الرقم الأول والصعب، ولا يستطيع أحد من الشخصيات السنيّة أن تملأ الفراغ الذي تركه". وكذلك يقول الحجار إن "الناس هللوا لوجود الحريري بينهم، وهو لن يتركهم"، مشيرا إلى أن "الأولوية في المرحلة المقبلة ستكون متابعة شؤون الناس وتقديم الخدمات وليس العمل السياسي".في المقابل، انتقد عدد من اللبنانيين زيارة الحريري لبيروت معتبرين أنها بمثابة خذلان جديد وتخل عن المسؤوليات، لكن الحجار رفض ذلك قائلا: "الجميع أصبح يعلم أن قرار الحريري كان صائبا". ورفض بارودي أن تكون عودة الحريري وحدها تعيد الثقة بالليرة وتحسّن الاقتصاد، مشددا على أن "الواقع بسبب سلة متكاملة أراد الحريري الخروج منها وإجبار الطبقة السياسية على تطبيق الورقة الاقتصادية حرصا على عدم إيصال الليرة إلى ما هي عليه، بإبعاد المحاصصة والتوزيع الطائفي". (المشهد)