منذ تلك الليلة المشؤومة قبل نحو شهر، تنزوي إيرينا.م (عشرينيّة)، والتي خسرت الكثير من وزن جسمها الهزيل، حتى باتت أشبه بدُمية تتحرّك فقط من السّرير إلى الحمّام لقضاء حاجتها، حيث تمضي ساعات أرضاً، منهارة، دموعها تُغرق وجهها الشّاحب.. حالها حال الكثير من فتيات جيلها، يخرجنَ ليلاً للسهر، ومع تأثير الكحول في الملاهي الليلية، يفقد البعض رشده، ويفرّغ غريزته بطريقة إجراميّة، قد يطال فيها كلّ ما يقع تحت نظره.بعد أكثر من 30 عاماً على مطالبات النساء والفتيات في أنحاء الاتحاد الأوروبي، أعلن البرلمان الأوروبي ومسؤولون، أن الدول الأعضاء وافقت في 6 فبراير على أول قوانين الكتلة المتعلقة بالتصدي للعنف بحق النساء.ويهدف القانون إلى حماية النساء في دول الاتحاد الـ 27، من العنف القائم على الجندر والزواج القسري وختان الإناث والمضايقات على الإنترنت.لكن القانون لا يتضمن تعريفا مشتركا للاغتصاب، المسألة الأكثر إثارة للجدل في المفاوضات. غير أن الدول ستعمل على زيادة التوعية من أن ممارسة الجنس من دون موافقة الطرفين تعتبر جريمة جنائية.أساليب العنف لا تقتصر على الاغتصابالمحامي الفرنسي ومستشار مؤسس حزب التجمع الوطني إيلي حاتم يشرح في حديث لمنصة "المشهد" مضمون هذا القانون وأبعاده، لافتاً إلى أن "هناك أساليبَ عنف عديدة تُمارس على النّساء في دول الاتحاد الأوروبيّ، لا تقتصر على الاغتصاب فحسب، بل هناك التعدّي بالضّرب على سبيل المثال، إضافة إلى العنف الجسدي وغيره من الأساليب التي تصبّ في خانة التعنيف".ورأى أن "هذا القانون تحدّث في الأهميّة عن هذه النقاط، وبالطبع بعد إصداره من البرلمان الأوروبي يجب أن يُطَبّق في الدّول الأوروبيّة في مدّة مُعترف عليها ضمن بنود هذا القانون، أي لتَدخل نقاط القانون الأوروبي داخل القانون الداخلي في كلّ دولة من دول أعضاء الاتّحاد".واعتبر حاتم أن "هذه النّقاط يجب أن تطغى على المواد الوطنيّة الأخرى الموجودة في كل دولة، وهناك مدّة محدّدة قبل أن يدخل هذا القانون حيّز التّطبيق".تعريف "الاغتصاب" صعب..أمّا بالنّسبة إلى تعريف مصطلح "اغتصاب"، فشدّد حاتم على أنه "أمر صعب للغاية، لأنه حتّى في القانون الفرنسيّ هناك لغط على التّعريف، لأن الاغتصاب لا يطال النّساء فحسب، فالرّجال يمكن أن يكونوا عرضة للاغتصاب أيضاً".وأشار إلى أنه "للأسف، هناك تناقض في أوروبا وفي الغرب عموما بشأن الانتماءات الجنسيّة للأفراد، وقد كان من الصّعب إعطاء تعريف شامل وعامّ بشأن نقطة الاغتصاب، لأنّ المعايير تختلف بين دولة وأُخرى". وأضاف حاتم: "هناك نوع من التغيير الفكري حديثاً في أوروبا، يأتي من خلاله الاعتراف بأن الاغتصاب لا يطال الرّجال والنّساء فقط، فهناك مثلاً عديمو الرّغبة الجنسيّة. إذاً من الصّعب تعريف الاغتصاب وإلحاقه بالنّساء فقط". وتحدّث حاتم عن "الدّول الأنغلوسكسيّة التي تعتبر أن الرّجال يمكنهم التعرّض للاغتصاب، من جانب النساء، أمّا الدّول الجنوبية، فهي تعتبر أن النّساء يتعرّضنَ للاغتصاب فقط، لذلك، تعريف كلمة اغتصاب أمر صعب وهذا ما عانت منه فرنسا في الثمانينات، عندما غيرّت قانون تعريف الاغتصاب".وشرح أخيراً انه "في فرنسا عموماً إذا كان هناك شكوى أو تساؤلات حول قضيّة فيها محاولة اغتصاب أو اغتصاب، هذا أمر مهمّ ويؤخذ بعين الاعتبار وخطير، وتتخذ فورا الإجراءات الأوليّة في ذلك، ولكن هذا يتغير في الدّول الأوروبيّة الأخرى، خصوصاً في اليونان والبرتغال وغيرها من الدّول الجنوبيّة. أمّا بالنسبة للاعتداءات الأخرى على النّساء والتعنيف، فإن "الإجراءات في هذه الحالة ستكون مشددة أكثر والملاحقات أيضاَ طبعاً"، بحسب حاتم.الشّرطة القضائيّة: تزايد حالات الاغتصابمن جهته، أكد الضابط في الشّرطة القضائيّة الفرنسيّة ج. ت. أن "حالات الاغتصاب تزداد على مرّ السنوات، ويوميّاً نستقبل حالات مماثلة، غالبية ضحايا تلك الحالات تكون من النساء، التي تتراوح أعمارهنّ بين 20 و40 عاما كمعدّل عام".وأضاف في حديثه لـ"المشهد" إلّا أن "الحالات التي كنّا نسمّيها استثناءات وهي اعتداءات جنسية على أطفال أو قاصرات، وحتّى من قبل أحد الأقارب أحياناً، أو الآباء، للأسف في تزايد مستمر، وعندما تصل الضحيّة وحدها أو مع أحد معارفها، تكون بحالة نفسيّة مزرية".محامية جنائية: عقوباته مختلفةأما المحاميّة الجنائية الفرنسيّة إميلي بيرنجي، فأشارت في حديث لمنصّة "المشهد" إلى أن نصّ الاقتراح الأصلي للقانون، الذي قدمته المفوضية الأوروبية للمرّة الأولى في 8 مارس 2022، ينصّ على تعريف مُشترك للاغتصاب في كلّ أنحاء الاتحاد الأوروبي، والذي يعرّف الاغتصاب بأنه أي فعل جنسي لم توافق عليه الضّحية. غير أن هذا الاقتراح عارضته دول أعضاء عدّة، منها ألمانيا وسلوفاكيا وفرنسا وهنغاريا وهولندا. ونتيجة لذلك، استُبعد تعريف الاغتصاب القائم على عدم الموافقة من النص النهائي للقانون. وشدّدت على أنه "من المهم ملاحظة أن لكل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تشريعاتها الوطنية الخاصة بشأن تعريف الاغتصاب والجزاءات ذات الصلة. عدم وجود تعريف موحد للاغتصاب في قانون الاتحاد الأوروبي يعني أن تعريف الاغتصاب والعقوبات المرتبطة به قد يختلف من دولة عضو إلى أخرى".(المشهد)