على مدار العام الماضي، لم يكن للعراق أيّ موازنة بسبب الخلافات السياسية حول تشكيل الحكومة، لكن مع طرح حكومة محمد شياع السوداني مشروع الموازنة لأعوام 2023 و2024 و2025، حدث جدل وتساؤلات كثيرة في البلاد بسبب مخصصات الحشد الشعبي.وبحسب التسريبات التي نشرتها وسائل إعلام عراقية لموازنة 2023، فقد بلغت قيمة ميزانية قوات الحشد الشعبي 3.56 تريليون دينار عراقي (2.7 مليار دولار) أي ما يعادل 38% من إجمالي موازنة وزارة الدفاع.ويتساءل الكثير من العراقيين والمحللين لماذا يتم رفع ميزانية الحشد الشعبي وعدد قواته، في الوقت الذي تراجع فيه تأثير تنظيم داعش الإرهابي وتراجعت الحاجة لهذه القوات، بل طالب البعض بحلها وسحب تسليحها."قوة موازية للجيش"الخبير الأمني مصطفى عبد الستار، يرى أنّ ميزانية الحشد الشعبي تثير الكثير من التساؤلات، خصوصا أنّ المخصصات السرية وغير السرية لهذه القوات قد تتجاور 4 مليارات دولار.وأشار عبد الستار في حديثه مع منصة "المشهد"، إلى أنّ هناك جهات وكيانات سياسية في البرلمان والحكومة، وفي مقدمتها الإطار التنسيقي، تسعى لزيادة أعداد وقوة الحشد الشعبي حتى يصبح قوة موازية للجيش العراقي.وأكد أنّ قوات الحشد أصبحت هي "القوة الثانية في العراق من حيث العدد والتسليح والتمويل بعد الجيش". وتساءل لماذا تخصيص كل هذه كل الأموال للحشد الشعبي على حساب الجيش العراقي، مؤكدا أنه كان من الأفضل زيادة قدرات الجيش وتسليحه ليكون قادرا على مواجهة أيّ تهديدات أمنية.من جانبه، يقول الخبير الأمني سرمد البياتي، إنّ الحشد الشعبي تسيطر عليه الفصائل الشيعية التي تمتلك أغلبية برلمانية، وبالتالي سيحاولون زيادة مخصصات هذه القوة الموالية لهم.وأشار البياتي في حديثه مع منصة "المشهد"، إلى أنّ هذه الكيانات السياسية تعتبر الحشد الشعبي حاله حال الشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب، وجهاز الأمن الوطني والجيش العراقي.بدوره، يقول الباحث في شؤون الشرق الأوسط حسين عبد الحسين، إنّ زيادة عدد وميزانية الحشد الشعبي في زمن السلم "أمر عجيب وغير مبرر".وذكر عبد الحسين في مقال بمنصة "المشهد"، أنّ "حكومة السوداني بهذه الزيادة في الميزانية، تحاول استرضاء الكتل البرلمانية للحصول على تأييدها لإقرار موازنة العراق للأعوام الثلاثة المقبلة".وأشار إلى أنه إذا قمنا بمقارنة أرقام ميزانية الحشد الشعبي مع ميزانية الجيش اللازمة لتمويل 310 آلاف جندي وصيانة وتشغيل 1000 دبابة و34 مقاتلة أف – 16، فهي ضخمة.ما هو الحشد الشعبي؟والحشد الشعبي هي كتائب من المقاتلين المتطوعين تشكلت استجابة لفتوى المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في 13 يونيو 2014، لمواجهة تنظيم داعش الإرهابي الذي سيطر على مساحات شاسعة من البلاد.وفي نوفمبر من العام نفسه، وافق البرلمان العراقي على قانون هيئة الحشد الشعبي رقم 40، لإضفاء صيغة قانونية عليها، وأصبحت قوة مساندة للجيش تتمتع بحقوق الجيش وتتبع للقائد العام.وسيطرت على الحشد الميليشيات الموالية لإيران، مثل كتائب حزب الله العراقي ومنظمة بدر، وعصائب أهل الحق وحركة النجباء.ولعب الحشد الشعبي دورا في قمع احتجاجات 2019، واستخدمتها الكيانات السياسية الشيعية كأداة في الأزمة السياسية ضد باقي الأحزاب، وهو ما رفع المطالب بضرورة حلها.وأظهرت ميزانية 2023 أنّ عدد قوات الحشد الشعبي ارتفعت إلى 238 ألف مقاتل مقارنة بـ122 ألف في ميزانية 2021، أي تضخّم بمقدار 116 ألف في سنتين فقط.في المقابل، ارتفع عدد جنود وموظفي وزارة الدفاع بمقدار 25 ألفا في الفترة نفسها. بينما زادت أعداد قوات وزارة الداخلية بمقدار 22 ألف فقط.وأكد الخبير الأمني مصطفى عبد الستار هذه الأرقام، مشيرا إلى أنّ هذه الزيادة في العدد يترتب عليها ارتفاع في الميزانية المخصصة لهذا القوات. وطالب بضرورة إعادة النظر في الإنفاق على القوات المسلحة والمنظومة الأمنية بالكامل في العراق.وأوضح أنه لم تعد هناك حاجة لقوات الحشد الشعبي بشكل كبير، ولا يوجد ما يتطلب رفع أفرادها إلى هذا العدد.قدرة الجيش العراقيوأضاف عبد الستار أنّ حاليا الجيش العراقي قادر على مواجهة أيّ تهديدات أمنية بمفرده، ويمتلك تاريخا طويلا من الحروب والانتصارات.كما أشار إلى أنّ تنظيم داعش لم يعد قادرا على شن هجمات وتنفيذ عمليات إرهابية كما حدث في 2014، بسبب تراجع مصادر التمويل ومقتل الكثير من قياداته.بدوره، ذكر البياتي أنّ الحشد الشعبي يسيطر على مناطق كثيرة في الأطراف والصحراء، مثل حمرين وديالي وكركوك. وقال إنّ التساؤل دائما هو إلى أيّ مدى الجيش قادر على حل محل هذه القوات في هذه المناطق.وحدد رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، السبت المقبل موعدا للتصويت على مشروع قانون الموازنة الاتحادية العامة، بحسب وكالة الأنباء العراقية "واع".وقال الحلبوسي إنّ الموازنة في لمساتها الأخيرة، الآن كان لدينا اجتماع مع اللجنة المالية وجهودهم مقدّرة باستمرارهم، والتواصل بالعمل للتوصل الى رؤية متكاملة بما يتعلق ببنود القانون وفقراته وتخصيصاته"، لافتا إلى أنّ "اللجنة مستعدة لتسليم الموازنة إلى مجلس النواب يوم السبت ".وأضاف، أنّ "هنالك بعض الملاحظات ستُختم مساءً وعلى ضوئها سيتم تحديد جلسة مجلس النواب للمضي بتشريع القانون"، مؤكدا أنّ "القانون مهم وفيه الكثير من المشاريع الاستثمارية والاستراتيجية التي ستنعكس إيجابا على الواقع الخدمي لبرنامج الحكومة".وبلغت قيمة الموازنة نحو 197 تريليون دينار (151.5 مليار دولار)، في حين بلغت الموازنة التشغيلية أكثر من 150 تريليون دينار (115 مليار دولار).بينما بلغت الموازنة الاستثمارية أكثر من 47 تريليونا (36 مليار دولار)، كما بلغ العجز في الموازنة 63 تريليون دينار (48.4 مليار دولار)".وذكر البياتي أنه توجد اعتراضات لدى عدد من النواب حول زيادة أعداد الحشد الشعبي وميزانيته الضخمة، لكنه أكد أنه بسبب حصول الإطار التنسيقي على الأغلبية في البرلمان، فستتم الموافقة على هذه الميزانية.وقال عبد الحسين إنّ الحرس الثوري الإيراني يستفيد من أموال الحشد الشعبي لتمويل الفصائل المؤيدة لإيران في دول أخرى مثل لبنان وسوريا. (المشهد)