بعد اندلاع الحرب السورية عام 2011، فرّ آلاف السوريين نحو الدول الأوروبية، بطرق مختلفة (برية وبحرية وجوية)، وتم استقبالهم في هذه الدول وفقًا لاتفاقية عام 1951 الخاصة بحماية اللاجئين وبروتوكولها الإضافي لعام 1967، والتي تمنح الأفراد حق اللجوء إذا أثبتوا أنهم معرضون لخطر حقيقي يهدد حياتهم أو حريتهم في حال عودتهم إلى بلدهم. وقد حصل معظم السوريين في أوروبا على حق اللجوء بسبب الخطر الكبير الذي كان يشكله نظام بشار الأسد على حياتهم.مع سقوط نظام الأسد، بدأت بعض الدول الأوروبية تناقش مصير اللاجئين السوريين، حيث رأى البعض أن اختفاء النظام الذي كان يهدد حياتهم قد يعني إمكانية إعادة النظر في أوضاعهم، وبعد سقوط الأسد بيومين، قررت دول أوروبية عدة تعليق دراسة ملفات اللاجئين السوريين، فالنمسا واليونان وبريطانيا والدنمارك والنرويج والسويد وألمانيا التي يقيم فيها أكثر من مليون لاجئ سوري، بدأن تعليق البت في طلبات اللجوء. خطط لترحيل اللاجئين السوريين في أوروبا كشفت صحيفة "بيلد" الألمانية أن وزارة الداخلية الألمانية تجري محادثات سرية مع الرئيس السوري الانتقالي، أحمد الشرع، لبحث إمكانية إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وفي التفاصيل فإن المفاوضات تشمل خططاً لمنح بعض السوريين فرصة "رحلة استطلاعية" من دون فقدان وضعهم القانوني في ألمانيا، حيث إن المفاوضات تتعلق بشكل أساسي بـ974 ألف مواطن سوري يعيشون في ألمانيا، ومن المتوقع أن تؤثر عملية العودة الواسعة هذه بشكل ملموس على صناديق الرعاية الاجتماعية في البلاد، حيث يتلقى 512 ألف سوري إعانات اجتماعية بقيمة إجمالية تصل إلى نحو 4 مليارات يورو سنوياً، أي بمتوسط 664 يورو شهرياً لكل مستفيد. وبحسب الصحيفة، فإنه في أوساط كبار المسؤولين في وزارة الداخلية، وخصوصا مكتب وكيل الوزارة المختص بشؤون الهجرة، بيرند كروسر، يسود اعتقادٌ بأن السوريين السنّة، على المدى المتوسط، قد يفقدون وضع الحماية في ألمانيا، نظراً لعدم تعرضهم للاضطهاد من قبل الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، الذي ينتمي أيضاً للطائفة السنية. بحسب إحصائيات الأمم المتحدة فإن عدد اللاجئين السوريين في أوروبا أكثر من مليون شخص، وقد توزعوا بشكل رئيسي في دول أوروبية عدة، مع وجود تركيز كبير في بعض الدول التي استقبلت أعدادًا كبيرة منهم بسبب سياسات اللجوء المفتوحة نسبيًا في بداية الأزمة. تُعتبر ألمانيا أكبر دولة أوروبية مستضيفة للاجئين السوريين، حيث يقيم فيها أكثر 900 ألف، وقد منحت برلين العديد منهم حق اللجوء الدائم أو الحماية المؤقتة. ويتوزع اللاجئون في دول أخرى مثل هولندا والنرويج والسويد والدنمارك وفرنسا وغيرها، ولا تزال أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين في أوروبا تعتمد على المساعدات الاجتماعية، بينما نجح آخرون في الاندماج بشكل كامل في مجتمعاتهم الجديدة.في هذا السياق، يشرح الخبير بشؤون الهجرة واللجوء نادر الحلبوني في حديثه إلى منصة "المشهد" أن "التسريبات التي تشير إلى وجود اتصالات بين الحكومة الألمانية ونظيرتها السورية، يمكن وصفها بمشاورات تهدف إلى إيجاد حلول للاجئين السوريين، خصوصا أولئك الموجودين في ألمانيا. فهؤلاء اللاجئون يواجهون تحديات كبيرة في سوق العمل الألماني، حيث يعاني الكثير منهم صعوبات في الاندماج بسبب السن، سواء أكانوا كباراً في السن أم صغاراً جداً، مما يعيق استفادتهم من الفرص المتاحة في العمل أو الدراسة". ويضيف الحلبوني أن "العديد من الدول الأوروبية تبحث عن حلول لهذه القضية الإنسانية المعقدة. أحد المقترحات المطروحة هو تنظيم رحلات استطلاعية للاجئين إلى سوريا، تهدف إلى تقييم إمكانية عودتهم. إلا أن الوضع في سوريا لا يزال صعباً، خصوصا مع عدم بدء عملية إعادة الإعمار. معظم اللاجئين السوريين في أوروبا، بما في ذلك أولئك الذين غادروا البلاد مؤخراً، يعانون دمار منازلهم، وخصوصا في مناطق مثل ريف دمشق وريف حمص وريف حلب، حيث لا تزال البيوت مدمرة بالكامل، مما يجعل العودة أمراً شبه مستحيل".مخاوف السوريين في أوروبا في هولندا، أثار غيرت فيلدرز، زعيم حزب الحرية اليميني المتشدد، جدلاً واسعًا بعدما استغل احتفالات السوريين للدعوة إلى ترحيلهم فورًا. ومن اللافت أن فيلدرز كان قد أعلن قبل 5 أسابيع فقط أن بإمكان السوريين العودة إلى وطنهم حتى مع بقاء نظام الأسد في السلطة. من جهة أخرى، طرح السياسي الألماني ينس شبان، المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الاجتماعي (SPD)، اقتراحًا يتمثل في استخدام الحكومة الألمانية لرحلات جوية مستأجرة لإعادة السوريين إلى بلدهم، مع إمكانية تقديم مكافأة مالية قدرها 1000 يورو كحافز للموافقة على المغادرة. يروي اللاجئ السوري مهند العلي المقيم في هولندا لـ"المشهد" تفاصيل ما يجري للسوريين في البلد المقيم به، قائلا إن "هناك مخاوف من الترحيل، فأحزاب اليمين المتطرف في هولندا تعمل على إعادة وترحيل اللاجئين السوريين في هولندا وتقوم بإصدار قرارات والقيام بإجراءات لتعقيد عملية اللجوء في هولندا ومن ضمنها تجميد طلبات اللجوء لمدة 6 أشهر لتقييم الوضع في سوريا. بالإضافة إلى حملة إعلامية من وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بهدف ترهيب الأشخاص الذين يفكرون بالقدوم إلى هولندا". ويضيف العلي أنه "بالنسبة للأشخاص الذين يحملون إقامات ومندمجون بالمجتمع الهولندي أيضا يتم الضغط عليهم من أجل الترحيل، وهذا ما يقفد اللاجئين الشعور بالاستقرار والتفكير في حلول بديلة بعد التوصل إلى عدم اليقين من مستقبلهم هنا هم وأطفالهم". ويشرح العلي "من جهتنا نقوم نحن من خلال منظمات البلدية بالاجتماع مع أعضاء البرلمان المنتمين إلى الأحزاب المعتدلة أو المعارضة لسياسة الأحزاب المتطرفة ونشرح لهم عن مخاوفنا من القرارات المتسرعة التي يتخذونها تجاه الأوضاع في سوريا، ونطالب بالتريث لأن الوضع بشكل عام في سوريا غير أمن وغير مهيئ للعودة على كافة الأصعدة، وأهمها الأمني". وحول الشريحة المستهدفة من اللاجئين يقول العلي: "سألنا إذا تم إصدار قرار بالترحيل من سيكون المستهدف، الإجابة كانت من عضو في أحد الأحزاب المعتدلة بأنه إذا صدر قرار بالرحيل فهو سيشمل أي سوري بغض النظر عن انتمائه الديني أو الطائفي". أما بالنسبة للبدائل التي يفكر فيها السوريون في أوروبا يشير العلي إلى أنه "لا توجد بدائل لأن أغلب المستهدفة هم من اللاجئين الذين ينتظرون قرارات الإقامة أو من اللاجئين الذين يحملون إقامات مؤقتة وبالتالي نحن الفئة التي لا حول لها ولا قوة، ليست لدينا بيوت لنعود إليها فهي مدمرة ولا نملك المال لنكون قادرين على الذهاب إلى بلد آخر نبدأ حياة جديدة. الأمر في غاية الصعوبة ونحن نعيش أوقاتا مريرة مع خوف من مستقبل مجهول يعيدنا إلى الوراء 10 أعوام عندما خرجنا من منازلنا باحثين عن الأمان في أصقاع الأرض".نمط حياة مختلف من جهة أخرى، تروي الشابة السورية لين عامر، المقيمة في النرويج، لقناة "المشهد" قصتها وتعبّر عن مخاوفها العميقة من احتمال ترحيلها إلى سوريا، مشددة على أن مخاوفها لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب، بل تتعداه إلى جوانب حياتية وثقافية.تقول لين: "أتيت إلى النرويج بداية عام 2020، كان عمري حينها 20 عامًا، انغمست في تفاصيل الحياة الأوروبية، وتعلمت اللغة، والتحقت بالجامعة، وكونت صداقات مع أشخاص من مختلف الجنسيات. اليوم، أصبح من الصعب عليّ تخيل العودة إلى بلد مثل سوريا، حيث تتعارض العادات والتقاليد السائدة مع نمط حياتي وأفكاري". وتضيف لين: "أنا أنتمي إلى المذهب السني، لكن هذا لا يعني أنني أستطيع العيش في سوريا في ظل الحكم القائم ذي الخلفية الإيديولوجية المتشددة. إذا اضطررت إلى مغادرة النرويج، فلن أعود إلى سوريا بالتأكيد، بل سأبحث عن بلد آخر يناسب طبيعة حياتي وأفكاري". تحديات العودة إلى سوريابدوره، يلفت الحلبوني إلى وجود تحديات أخرى، أبرزها:طول فترة اللجوء. بعض اللاجئين قضوا أكثر من 13 عاماً في أوروبا، حيث أصبحت حياتهم مرتبطة بالمجتمعات الأوروبية. الأطفال الذين وصلوا حديثي الولادة أصبحوا الآن في سن المراهقة، وفقدوا القدرة على التواصل باللغة العربية قراءةً وكتابةً. الشباب الذين كانوا في العاشرة من عمرهم عند وصولهم، فقد أصبحوا الآن في أوائل العشرينيات، وانخرطوا في سوق العمل أو التعليم العالي.هذه التحديات وأخرى تجعل فكرة العودة إلى سوريا أكثر تعقيداً. (المشهد )