يرى المحلل السياسي الألماني الدكتور توبياس فيلا، إن الولايات المتحدة لم تعد شريكا موثوقا به لألمانيا وأوروبا، حيث أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يصف نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـأنه "دكتاتور من دون انتخابات" وينحي باللائمة على أوكرانيا في الحرب التي يتم شنها . ويعطي نائب الرئيس الأميركي جيه دي فانس الأوروبيين في ميونخ محاضرات عن حرية التعبير ويلتقي زعيمة حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف أليس فيديل.من جهة أخرى تبدأ واشنطن وموسكو مفاوضات لإنهاء حرب أوكرانيا بدون إشراك الأوكرانيين والأوروبيين، وعلاوة على ذلك، هدد ترامب بشكل عرضي بالاستيلاء العدواني على جزيرة غرينلاند ذاتية الحكم التابعة للدنمارك.وأضاف فيلا، وهو باحث بارز في مكتب برلين لمعهد أبحاث السلام والسياسة الأمنية في جامعة هامبورغ في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنترست" الأميركية، أنه لا يمكن تبرير كل هذا بأنه لغة خطاب أميركية مختلفة وأكثر حدة أو "حديث غرف مغلقة". ولو كانت واشنطن قد أرادت ذلك، لكانت قد قالت بتمعن أنها في حاجة لتقليص التزامها تجاه أوكرانيا أو أوروبا للتركيز على التحدي الذي تمثله الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وكان ذلك سيعتبر سياسة واقعية ولكن لها ما يبررها.وبدلا من ذلك، أذلت الإدارة الأميركية الأوروبيين، بحسب فيلا، ولم تظهر استعدادا لاتخاذ قرارات بدون التشاور مع القادة الأوروبيين فحسب، ولكن أظهرت أيضا نية لتفكيك أوروبا من الداخل.وأضاف فيلا أن تفوق الولايات المتحدة يخدم اليوم هدفا واحدا فقط، وهو مضاعفة قوة السوق الأميركية من خلال تحويل الدول الأخرى إلى أجزاء مفيدة للاقتصاد الأميركي."علاقة غير متناسقة"ومرة أخرى، يسأل الأوروبيون عما يمكنهم تقديمه للولايات المتحدة لتنتهج سياسة، إن لم تكن مؤيدة لأوروبا، تكون على الأقل ليست مناهضة لأوروبا. وكل هذا ليس أمرا إبداعيا بصفة خاصة أو ناضجا، وهو لا يحقق العدالة أيضا للوضع الحالي. وقال فيلا "أولا، لا تتخلى الولايات المتحدة عن مطلبها العالمي، وتواصل القيادة ولكن وفق منطق مختلف. وهذا منطق يتمتع بموجبه عدد قليل من الفاعلين بسيادة حقيقية ويحددون في نفس الوقت أين تنتهي سيادة الآخرين. وهذا منطق يجد له داعمين في موسكو وبكين. وفي هذا السياق، إذا تحركت أوكرانيا ضد إرادة روسيا، تكون مذنبة بشن الحرب لأنها أخلّت بنظام عام مفترض".وأضاف "ثانيا، تكشف ردود الأفعال الأوروبية تجاه ترامب مرة أخرى أن الأوروبيين منغرسون في علاقة غير متناسقة مع الولايات المتحدة".واعتبر أن هذه علاقة يسأل طرف (بعد تلقيه صفعة في الوجه) الطرف الآخر ما هو الخطأ الذي ارتكبه، بدلا من الرد على الصفعة أو على الأقل يغادر المكان. ولا يفيد مثل هذا النهج أوروبا التي تحتاج إلى نقاط اتصال للتحرك في الحاضر وتعد لمستقبل مختلف.وقال فيلا "ثالثا، يحتاج الأوروبيون إلى أن ينقلوا بوضوح لواشنطن ما يتوقعونه أو يرفضونه من الإدارة الأميركية وما هي الإجراءات التي هم على استعداد لدعمها وما شروط ذلك، وما هي الإجراءات غير المستعدين لدعمها. ويكون عرض التعاون مهما مثل التهديد، وفي حالات متطرفة ممارسة القوة المضادة. ويتعين على واشنطن أن تدرك أن سلوكها قد يؤدي إلى خسارة أوروبا كحليف في تنافسها مع الصين".الطموحات الإمبرياليةوتعد تداعيات هذا التحول عميقة، مبينا أن انتهاء النظام الدولي الليبرالي، يكشف أن هذا النظام يعتمد على قوة مهيمنة مستعدة للاستثمار في الحفاظ عليه.وخلال تاريخ الولايات المتحدة كان هناك توتر بين الطموحات الإمبريالية والمبادئ الديمقراطية، حيث يميل هذا التوازن الآن بشكل حاسم صوب الطموحات الإمبريالية، مما يشير إلى أن عصر القيم المشتركة عبر الأطلسي يتجه إلى نهايته. وتابع فيلا أن أوروبا في حاجة إلى تدعيم استقلالها، ويجب عليها أن تنتهج بشكل نشط إستراتيجيات لتقليل المخاطر وفك الارتباط بالولايات المتحدة بما في ذلك تحقيق السيادة الرقمية وتطوير تكنولوجيات مهمة على نحو مستقل.ويتعين على أوروبا أن تبني أيضا قدرات عسكرية يمكن أن تكون فعالة بدون دعم أميركي، ويعدّ بذل جهد كبير لإعادة التسلح أمرا مطلوبا، ويعتمد في البداية على الصناعة الدفاعية الأميركية بسبب القيود الحالية في القدرة الأوروبية.وعلى المدى القصير، لاتستطيع أوروبا أن تنفصل بالكامل عن الولايات المتحدة، حيث أن القدرات الصناعية المحلية المحدودة والاعتماد على القدرات الأميركية يجعل ذلك أمرا مستحيلا. وستتمثل أي نقطة بداية جيدة في التركز على ضمان أن تتمكن أوكرانيا على الأقل من الاحتفاظ بخط الجبهة الحالي، حيث سيكون تكثيف التعاون الدفاعي بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مفيدا أيضا، وبالتالي، يجب الإبقاء على الهدف الطويل الأجل المتمثل في انفصال أوروبا بشكل كبير عن الولايات المتحدة.وهناك أشكال عدة متاحة داخل إطار سياسة أوروبية جديدة تجاه أميركا: وتتمثل في الاتحاد الأوروبي، و الدول الرئيسية في أوروبا بما في ذلك بريطانيا، وبرامج تركز على الدول المستعدة للدفاع بصفة خاصة مثل دول البلطيق أو توفير مساحة لمناقشات معينة على سيبل المثال بشأن الردع النووي.(د ب أ)