تسلمت فرق الإنقاذ والإغاثة الدولية والإقليمية، مدينة درنة الليبية من السلطات، وحظرت دخول المدنيين، في إطار جهودها الحثيثة للعثور على أحياء وانتشال الجثث من تحت أنقاض المباني المنهارة بفعل الفيضانات العنيفة، التي ضربت البلاد هذا الأسبوع، حسبما أفاد نشطاء لمنصة "المشهد".وتكافح فرق الإنقاذ المحلية والدولية منذ الاثنين الماضي، للوصول إلى مدينة درنة، التي يقول المسؤولون إنّها الأكثر تضررا، حيث تسببت السيول في تدمير سدّين على نهر وادي درنة، ما أدى إلى انزلاقات طينيّة ضخمة جرفت العديد من المباني مع سكانها. إغلاق درنة ويقول الناشط المدنيّ محمد مختار لمنصة "المشهد"، إنّ فرق الإنقاذ أغلقت الطرق المؤدية إلى المدينة، ومنعت دخول المدنيّين المتطوعين غير المتخصصين في عمليات الإنقاذ. وأضاف أنّ الفرق التي تتولى حاليا عملية البحث عن ناجين وانتشال الجثث، جاءت من الكويت وتركيا، وإيطاليا والجزائر، وتونس ومصر وألمانيا، حيث قاموا بتقسيم المدينة إلى مربعات لتسهل عليهم عملية البحث، "خصوصا أنّ هناك مناطق سكنية كاملة منكوبة، ومباني يصل ارتفاعها إلى 7 طوابق، انهارت تماما تحت المياه والتربة التي جرفتها السيول". وتُظهر الصور التي التُقطت عبر الأقمار الاصطناعية أو القادمة من المدينة، حجم الدمار الذي لحق بدرنة الواقعة على مسافة 900 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس، حيث شوارع مدمرة وأشجار مقتلعة ومبانٍ سُوّيت بالأرض. العثور على أحياءوتحتاج عملية البحث والإنقاذ إلى متخصصين، لهذا تم منع المدنيين، حسبما يقول الناشط المدني، مشيرا إلى "أعداد كبيرة من الجثث لا تزال موجودة في المياه، ويحاول الغطاسون انتشالها". وعلى الرغم من تباين الإحصاءات، يُقدّر المسؤولون في ليبيا عدد المفقودين بـ10 آلاف، فيما يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن العدد لا يقل عن 5 آلاف. ويؤكد مختار أنّ "جثث الضحايا بدأت في التحلل بمدينة درنة، حيث تعمل فرق الإنقاذ حاليا على محاربة الوبائيات التي قد تنتج عن ذلك، لهذا هناك تنسيق منظم على مستوى الاستجابة الدولية". وتزايدت النداءات خلال الساعات القليلة الماضية، بسرعة انتشال الجثث خوفا من تفشي الأوبئة، إذ قال رئيس بلدية درنة عبد المنعم الغيثي: "نحتاج فعليا إلى فرق متخصصة في انتشال الجثث. أخشى أن يتفشى وباء في المدينة بسبب الجثث الموجودة بأعداد كبيرة تحت الأنقاض وفي المياه". إلى ذلك، كشف الناشط المدنيّ محمد مختار خلال حديثه مع "المشهد"، عن العثور على ما يقرب من 600 شخص أحياء من تحت الأنقاض في مدينة درنة منذ الساعات المبكّرة من صباح الخميس، قائلا: "نحو الساعة 4 صباحا، تم إنقاذ 510 أشخاص أحياء من تحت الأنقاض، ثم بعد ذلك عثرت فرق الإنقاذ على 87 آخرين، ومن بينهم أسر وأطفال وعجائز".أطباء بلا أدوات وفي إطار التضامن الداخلي، تحركت قوافل طبية عدة من مدن مختلفة من أنحاء ليبيا باتجاه مدينة درنة، لتعويض نقص الكوادر الطبية التي قضى أفرادها من جرّاء الإعصار، خلال الأيام القليلة الماضية، ومن بين هؤلاء، الطبيب عبد الله محيشي والذي يروي لمنصة "المشهد"، صعوبة رحلة الوصول ومأساة الوضع في أحد المستشفيات الواقعة بمنطقة نائية شرقي المدينة المنكوبة. ويقول محيشي في حديثه، إنّ درنة انقسمت إلى شطرين بسبب انهيار السدود، حيث هناك جزء شرقي وآخر غربي، "ورحلة الوصول بينما تمثّل مسيرة شاقة، إذ لا يمكن الوصول إلّا سيرا على الأقدام". ويضيف: "وصلت القافلة الطبية مساء الأربعاء إلى مجمّع عيادات صغير يسمى مستشفى الوحدة في الجزء الشرقي من المدينة، حيث هنا كانت الصدمة، لم نجد سوى طبيبَين و3 أفراد من قسم التمريض". وتابع: "قبل تحرك القافلة أخبرونا أنّ هذا المستشفى به عناية مركزة، لهذا اصطحبنا فرق تمريض متخصصة. لكن في الحقيقة حينما وصلنا لم نجد أيّ عناية مركزة، فالمستشفى يفتقر لأيّ تجهيزات وإمكانات طبية حتى من قبل الكارثة، كما أنّ هناك نقصًا في الأدوية اللازمة". ويصف محيشي الوضع في هذا المستشفى بـ"عناية مركزة لا توجد بها أيّ سبل للعناية"، مشيرا إلى أنّ القافلة "جلبت معها بعض الأدوات والأدوية". ويؤكد الطبيب أنّ "الشيء الجيد في هذا الوضع هو سيارات الإسعاف التي تستجيب سريعا لنقل الحالات إلى مدينة طبرق. لكن في الحقيقة الوضع مأساويّ من حيث الإمكانات والتجهيزات الطبية". ويروي عبد الله محيشي عن الصدمة النفسية التي يعانيها سكان المنطقة من جرّاء الكارثة، إذ يقول إنّ أغلب الحالات القادمة إلى المستشفى هي "نوبات واضطرابات هلع لأشخاص فقدوا ذويهم وأفراد عائلاتهم في الفيضانات. هذا مصاب جلل".آلاف الضحايا وخلال الأيام القليلة الماضية، بدأت التعبئة في البلاد والخارج، لمساعدة ضحايا إعصار فيضانات ليبيا، حيث بدأت المساعدات وفرق الإنقاذ تتدفق من مختلف أنحاء العالم في محاولة لمساعدة البلد الواقع في شمال إفريقيا، ويعاني انقسامات سياسية أثرت على سرعة الاستجابة الإنسانية للكارثة الطبيعية الأعنف منذ قرن في تاريخه. ولا توجد حصيلة رسمية مؤكدة حتى الآن لأعداد القتلى من جرّاء فيضان ليبيا، لكنّ المؤكد أنّ الضحايا بالآلاف، إذ تستمر حصيلة وفيات في الارتفاع، فيما لا تزال هناك جثث ملفوفة بأغطية ممددة في الشوارع، وتُكدّس جثث أخرى في شاحنات صغيرة لنقلها إلى المدافن. والأربعاء، قال رئيس بلدية درنة عبد المنعم الغيثي، إنّ عدد وفيات فيضان ليبيا في مدينة درنة فقط، قد يصل إلى ما بين 18 ألفا إلى 20 ألفا استنادا إلى عدد الأحياء التي دمرتها الفيضانات. غير أنّ وزير الطيران المدني في حكومة شرق ليبيا هشام أبو شكيوات يقول: "البحر يلقي عشرات الجثث باستمرار. لقد أحصينا حتى الآن أكثر من 5300 قتيل، ومن المرجح أن يرتفع العدد بشكل كبير".البرلمان الليبي يمنح الحكومة 6 أشهرإلى ذلك، منح رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، الحكومة المكلفة في الشرق برئاسة أسامة حماد، 6 أشهر لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، داعيا الحكومة لمزيد من العمل لمواجهة الكارثة.وقال صالح خلال جلسة طارئة لمجلس النواب إن درنة ستعود كما كانت بالعزيمة ما حل في ليبيا كارثة طبيعية لا يمكن الفرار منها.وحث الحكومة على توفير المسكن وتعويض المتضررين، كما دعا الليبيين للتحلي بالصبر في مواجهة هذه الكارثة.كيف حدث فيضان ليبيا؟ رغم إعلان السلطات الليبية، حالة الطوارئ وفرض حظر التجوال بداية من مطلع هذا الأسبوع وحتى يوم الاثنين 11 سبتمبر، تحسّبا لأمطار متوقعة بفعل الإعصار "دانيال"، إلا أنّ هذا لم يمنع من وقوع كارثة الفيضان، إذ تعرضت مناطق في شرق البلاد إلى هطول أمطار غزيرة، أدت إلى إغلاق الطرقات وتجمّع المياه في الأماكن المنخفضة، سرعان ما تحولت إلى سيول طمست مساحات شاسعة من المدن المطلة على البحر المتوسط. وأدى السيول المتسارعة إلى انهيار سدود ومبانٍ متعددة الطوابق، خصوصا في مدينة درنة التي يقول المسؤولون إنّ 25% منها قد اختفى بسبب انهيار سدّين على نهر وادي درنة، ما تسبّب في انزلاقات طينيّة ضخمة، جرفت العديد من المباني مع سكان المدينة. ومنذ منتصف هذا الأسبوع، أعلنت الحكومة المكلفة من مجلس النواب واللجنة العليا للطوارئ للاستجابة السريعة في ليبيا، "درنة" مدينة منكوبة. (المشهد)