من مخيّم المواصي في غزة.. الجوع في كل مكان. في حفنة من الدقيق القذر تحاول الأمهات صنع الخبز لأطفالهنّ فوق موقد مشتعل ببقايا زجاجات بلاستيكية لا تُنتج سوى دخان أسود خانق.تقول صبح، أم لخمسة أطفال، وهي جالسة خارج ملجأ بنته عمن الطين من قصاصات البلاستيك والخشب لصحيفة "تايمز" البريطانية: "أبنائي يواصلون القول أمي، أشعر بالدوار، لديّ صداع". غادرت صبح وأطفالها منزلهم في شمال غزة قبل أسابيع، بناء على تعليمات من الجيش الإسرائيلي، الذي ألقى منشورات تطلب من الناس في منطقتهم المجيء إلى هنا، إلى ثلاثة أميال مربعة من الكثبان الرملية المليئة بالقمامة، والحقول المليئة بالثقوب، من دون خيام أو طعام أو إمدادات مياه أو أيّ بنية تحتية لدعم النازحين.ويقول الجيش الإسرائيليّ إنها "منطقة آمنة". ربما تكون في مأمن من القنابل التي دمرت مدن وبلدات غزة. ولكن ليس من الجوع أو الأمراض أو العطش الذي سيقتل بالرصاصة نفسها، تقول صبح: "هذا المكان مثل الصحراء، كله رمال.. نحن متعبون جدًا".مجاعة في غزة بحلول فبرايربلغ عدد القتلى الفلسطينيّين في قطاع غزة بعد ما يقرب من ثلاثة أشهر من الحرب 21,672 ، مع أكثر من 55,000 جريح، حسبما ذكرت وزارة الصحة التي تديرها "حماس" يوم السبت. والآن تواجه غزة أيضًا المجاعة، بحسب تقييم لمبادرة التصنيف المرحليّ المتكامل للأمن الغذائي، وهي هيئة مدعومة من الأمم المتحدة تضع المعيار الدوليّ الذي يحدد شدّة الأزمات الغذائية. وقدرت اللجنة، في تقرير هذا الشهر، أنّ جميع سكان غزة يواجهون مستويات صعبة من الجوع. ويواجه ربعهم "ظروفًا كارثية"، وهو أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، حيث يوجد "نقص شديد في الغذاء ومجاعة واستنفاد لقدرات التكيف". ويُعتقد أنّ هذا من المرجح أن يؤدي إلى مجاعة في مناطق عدة في شمال ووسط غزة بحلول فبراير. وبحسب وكالات الإغاثة، فإنّ المجاعة يتمّ الإعلان عنها عندما تواجه منطقة ما، ما لا يقل عن 20% من الأسر فيها نقصًا شديدًا في الغذاء، وما لا يقلّ عن 30% من الأطفال فيها يعانون سوء التغذية الحاد، وشخصان لكل 10000 يموتون كل يوم بسبب المجاعة الصريحة أو تفاعل سوء التغذية والمرض. في غزة، لا يحدث هذا بسبب الجفاف أو بسبب موت المحاصيل، ولكن بسبب الحرب.وقال نيكولاس باباكريسوستومو ، منسق الطوارئ في منظمة "أطباء بلا حدود" في غزة، الذي عاد لتوّه من خمسة أسابيع هناك: "نحن بعيدون جدًا عن تقديم استجابة إنسانية لسكان غزة". وأضاف: "لا أحد يطعم نفسه جيدًا".عندما تمر شاحنات المساعدات، يتمّ مهاجمتها من قبل المدنيّين اليائسين، الذين يحاولون الصعود على متنها لأخذ ما في وسعهم. وتزعم إسرائيل، التي نفت منع دخول المساعدات الغذائية إلى غزة، أنّ "حماس" تسرق الإمدادات لكنها لم تقدم أيّ دليل.انهيار كامل والناس يائسون!وقال جيسون لي، المدير القطريّ لمنظمة إنقاذ الطفولة في الأراضي الفلسطينية: "هناك خطر حدوث انهيار كامل للقانون والنظام، لأنّ الناس يائسون"، مضيفًا أنّ العديد من العائلات بدأت في تقنين الطعام، في محاولة لتوسيع ما لديهم من إمدادات قليلة. وتقول وكالات الإغاثة التي زارت المنطقة، إنّ المدنيّين الذين يتضورون جوعًا، أخذوا يطاردون القطط والكلاب الضالة في الشارع للحصول على الطعام.يوم الجمعة، توغلت الدبابات الإسرائيلية في عمق وسط غزة وسط قصف عنيف، وفقًا لوزارة الصحة التي تديرها "حماس"، قُتل أكثر من 100 فلسطيني، العديد منهم في مخيمات اللاجئين. وقد فرّ أكثر من مليون شخص جنوبًا، إلى أماكن مثل المواصي، التي تضمّ القمامة الفاسدة والدخان السام، وحيث لا يزال هناك ما يكفي من الطعام. يعاني أطفال صبح الجرب والإسهال والقمل.حول المخيم، يحاول الناس إشعال النيران بكل ما يجدونه: زجاجات، صناديق، أيّ شيء بلاستيكيّ يحترق، لا خشب ولا مراحيض نظيفة، القليل منها يحتوي على الصابون ما يزيد من حالات المرض.تقول "تايمز" إنّ العيش في غزة يعني البحث المستمر عن الطعام.. لا أحد لديه ما يكفي. معظم الأسواق مغلقة ويتمّ بيع الطعام عند توافره، في بعض الأيام يمكنك العثور على البيض ولكن ليس العدس أو الملح أو البطاطس، ناهيك عن الأسعار المرتفعة: كيلو الأرز يكلف 8 دولارات، حال أمكن العثور عليه. كما يعاني أفراد الطبقة الوسطى من الجوع.. فالبنوك مغلقة وأنفق الكثير منهم الأموال التي كانت بحوزتهم معهم في بداية الحرب؛ 85% من السكان مشردون. في المواصي، معظم الناس ليس لديهم شيء. وهناك عدد قليل من المعلبات مثل الفاصوليا أو التونة، تعطى لهم من قبل منظمات الإغاثة. ولكن لا يوجد ما يكفي، وغالبًا ما يتمّ إعطاء الناس علبة واحدة أو علبتين لكل عائلة كل بضعة أيام. بدلًا من ذلك يأكلون كل ما يمكنهم العثور عليه: حتى لو كان هذا الطعام فاسدًا، ويجعلهم يتقيّأون: بيض فاسد، وخبز متعفن.(ترجمات)