أصدرت قاضية فرنسية الثلاثاء مذكرة توقيف دولية بحق حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، وفق وكالة "فرانس برس".وتخلّف سلامة الثلاثاء عن جلسة في باريس كان من المتوقع أن يوجّه فيها الادعاء الفرنسي اتهامات أولية له بالاحتيال وغسل الأموال، حسبما أفاد مصدران مطلعان على خطط سفره.وكان المدّعون الفرنسيون قد حددوا جلسة استماع لسلامة في الساعة 09.30 من صباح الثلاثاء، وفقا لوثائق المحكمة التي اطلعت عليها "رويترز".ويجري التحقيق مع سلامة ومساعدته وشقيقه رجا في لبنان و5 دول أوروبية على الأقل، للاشتباه في استيلائهم على أكثر من 300 مليون دولار من البنك المركزي، فيما يُنكر الشقيقان ارتكاب أيّ مخالفة.في المقابل، قال حاكم مصرف لبنان إنه سيطعن على مذكرة الاعتقال الفرنسية، معتبرا أن القضاء الفرنسي اتخذ قراره بناء على "أفكار مسبقة" وبأنه يعمل على "عدالة مبنية على الكيل بمكيالين".سبب التغيّبيشتبه المحققون الفرنسيون في أن سلامة راكم أصولا عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي احتيالي معقّد وإساءة استخدامه أموالا عامة لبنانية على نطاق واسع. وكان يُرجّح أن يؤدي مثوله أمام القاضية أود بوريزي الثلاثاء إلى توجيه اتّهامات إليه. من جهته، قال محاميه بيار-أوليفييه سور لوكالة فرانس برس إن تغّيب موكله الثلاثاء يعود إلى عدم تبليغه بوجوب المثول أمام القضاء الفرنسي وفق الأصول. وقال مصدر قانوني لبناني لوكالة فرانس برس هذا الأسبوع إن السلطات فشلت في إخطار سلامة بالاستدعاء، رغم محاولة الشرطة أربع مرات تسليم الإخطار إلى سلامة في مقر البنك المركزي. بعد تغيّب رياض سلامة الثلاثاء، كان أمام القاضية المسؤولة عن القضية خيار إصدار أمر استدعاء جديد، لكنها قررت إصدار مذكرة توقيف دولية في حقّه. ويرفض سلامة (72 عاما) الاتهامات الموجهة إليه. منذ بداية العام، زار قضاة من دول أوروبية لبنان في ثلاث مناسبات لمقابلة حاكم المصرف المركزي وأشخاص مقربين منه. وتم توجيه تهم إلى شخصين على الأقل في ما يتعلق بالقضية في فرنسا.هل يمكن لسلامة عدم الحضور؟وأوضح مصدر قضائي لبناني لوكالة "فرانس برس" أن السلطات اللبنانية لا يمكنها إرغام سلامة على الذهاب إلى فرنسا، خصوصا وأنّه يخضع لمنع سفر فرضته عليه القاضية اللبنانية غادة عون، علما بأنّ قرار منع السفر هذا يمكن أن يُرفع. وأكّد وكيل الدفاع عن سلامة المحامي بيار-أوليفييه سور أنّ موكّله البالغ من العمر 72 عاما استُدعي فعلا للمثول أمام القضاء الفرنسي وأنّه "يدرس جدوى" تلبية هذا الطلب. ففضلا عن مسألة "إمكانية السماح لرياض سلامة بمغادرة لبنان من عدمه"، يطعن المحامي بقانونية الإجراءات المتّخذة في حقّ موكّله، معتبراً أنّ المحقّقين الفرنسيين الذين استمعوا إليه في لبنان في منتصف مارس خالفوا القانون لأنّهم استجوبوه بصفته "مجرّد شاهد" فيما هم بصدد توجيه اتهام إليه. ويؤكّد المحامي أنّ قانون العقوبات الفرنسي "يحظر بشكل صارم الاستماع" إلى شخص بصفة "مجرّد شاهد" إذا كانت هناك "ضدّه مؤشرات خطرة أو متّسقة بشأن مشاركته في الجرم" الذي يتمّ التحقيق فيه. كذلك رفع المحامي سور دعوى أمام قضاء الاستئناف الفرنسي للطعن بقرارات الحجز على أموال موكّله والتي صدرت في مارس 2022. وأرجأت محكمة الاستئناف في باريس الجلسة التي كانت مقرّرة للنظر في هذا الطعن من 4 أبريل إلى 23 مايو. توجيه الاتّهام وسيشكّل توجيه الاتّهام إلى سلامة خطوة كبيرة في هذا التحقيق القضائي الذي بدأ في يوليو 2021 في فرنسا، بالتوازي مع إجراءات قضائية أخرى في أوروبا وسويسرا. وبحسب المصدر المطّلع على القضية ومصدر قضائي لبناني، فإنّ الدولة اللبنانية اتّخذت مؤخّرا صفة الطرف المدني في فرنسا في هذه القضية. وأوضح المصدر القضائي اللبناني أنّ بيروت "تريد بالتالي الاحتفاظ بحقّها في أن تستردّ لحساب الخزينة اللبنانية أيّ أموال أو ممتلكات يمكن أن يكون سلامة قد استحوذ عليها بصورة غير مشروعة إذا ما تمّ تجميد" هذه الأموال. وتحرّكت الدولة اللبنانية لرفع دعاوى في أوروبا وفي الدول التي وضعت حجزاً على أموال أو ممتلكات لسلامة، حتّى يتمّ حجز الأموال لصالح الخزينة اللبنانية في حال تبيّن أنّ مصادرها غير شرعية. لكن، بالنسبة إلى المحامي وليام بوردون، وكيل جمعية شيربا وتجمّع "ضحايا الممارسات الاحتيالية والإجرامية في لبنان"، وهما طرفان مدنيّان في هذه القضية، فإنّ القانون الفرنسي الصادر في أغسطس 2021 بشأن ردّ ممتلكات استحوذ عليها بطريقة غير مشروعة "هو الذي يطبّق عندما يتمّ توجيه اتّهام إلى واحد أو أكثر من الموظفين العموميين اللبنانيين".وفي حال أدين سلامة بصورة نهائية وباتّة، فإنّ المحامي بوردون يقول إنّ "الأموال المصادرة بصورة نهائية لن تعود بالتالي إلى الدولة اللبنانية بل ستذهب لتمويل مشاريع لصالح المصلحة العامّة" في لبنان. وقال وكيل الدفاع عن سلامة إنّ عملية اتّخاذ صفة الطرف المدني في القضية كانت "الذريعة المناسبة لإرجاء" جلسة الاستماع التي كانت مقرّرة في 4 أبريل أمام محكمة الاستئناف في باريس، في تأجيل شكّك المحامي أيضاً في مدى قانونيته. ووفقاً للمحامي سور، لا بدّ للحكومة اللبنانية من أن تضفي الطابع الرسمي على صفة الطرف المدني هذا بمرسوم يصدر عنها. ويقول المحامي إنّه إذا لم تصدر الحكومة اللبنانية هذا المرسوم "فسنقدّم شكوى جنائية بتهمة التزوير ومحاولة احتيال". قضية خير الدينوفي نهاية مارس، وجّهت قاضية التحقيق المالي أود بوريزي المكلّفة هذه القضية في باريس، إلى مروان خير الدين، رئيس مجلس إدارة "بنك الموارد"، وهو مصرف لبناني خاص، لائحة اتّهام رسمية. وبموجب هذه اللائحة فإنّ خير الدين متّهم بالارتباط ب"عصابة إجرامية" بهدف اختلاس أموال عامّة من قبل موظف عمومي على حساب الدولة اللبنانية، وخيانة الأمانة، وإفساد موظف عمومي. وخير الدين البالغ من العمر 55 عاماً والذي استمع إليه محقّقون أوروبيون في لبنان في يناير، يُلاحق أيضاً بتّهمة غسل أموال في إطار عصابة منظّمة. وبحسب المصدر المطلّع على القضية، فإنّ خير الدين الذي كان وزيراً في العقد الماضي وُضع تحت مراقبة قضائية بكفالة مالية قدرها مليون يورو ومُنع من السفر من فرنسا. ويُشتبه بأنّ بنك الموارد لم يتحقّق كما ينبغي من الحسابات التي كان المستفيد منها سلامة، وذلك في مقابل حصول المصرف على مزايا مختلفة من حاكم المصرف المركزي اللبناني. واتّصلت وكالة فرانس برس بوكيل الدفاع عن خير الدين، لكنّ المحامي لم يردّ في الحال. وبالنسبة إلى بوردون، فإنّ هذا الأمر يشير إلى أنّ "عمليات غسل الأموال التي قام بها سلامة والمقرّبون منه ما كان ممكناً أن تحصل إلا بمساعدة مصرفيين في فرنسا وأماكن أخرى". وفي 14 يونيو، أصبحت آنّا ك.، المقرّبة جدا من رياض سلامة والمشتبه بأنّها أحد أعوانه في فرنسا، أول شخص يوجّه إليه اتّهام رسمي في هذه القضية. (وكالات)