يقترب الصراع الشامل بين إسرائيل وجماعة "حزب الله" اللبنانية، أن يصبح أمرًا أكثر واقعية خلال الفترة المقبلة.وفي مايو، اقترح وزير الدفاع الإسرائيليّ يوآف غالانت، أنّ البلاد قد تستخدم "وسائل عسكرية" موسّعة لسحق "حزب الله"، بحسب مجلة "فورين أفيرز". ووفقا لتقارير إعلامية، وضع الجيش الإسرائيليّ خططًا لهجوم برّي محدود لفرض منطقة عازلة على حدوده الشمالية مع لبنان. ودعا كل من وزير المالية الإسرائيليّ اليمينيذ المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القوميّ إيتمار بن غفير، علنًا إلى غزو لبنان. وبعد فترة وجيزة من الهجوم، أطلق "حزب الله" صواريخ على إسرائيل في استعراض لدعم "حماس"، وردّت إسرائيل بحملة اغتيالات في جميع أنحاء لبنان، بما في ذلك بمعقل المنظمة في الضاحية الجنوبية لبيروت. ولكن بسبب هشاشة الوضع السياسيّ والاقتصاديّ في لبنان، لا يزال "حزب الله" يريد تجنب صراع شامل مع إسرائيل. ومن المرجح أن يؤدي وقف إطلاق النار الدائم بين إسرائيل و"حماس" إلى إحباط أيّ حرب في لبنان. تطوّر قدرات "حزب الله"على مدار عقود من الصراع، بنى "حزب الله" وإسرائيل مجموعة معقدة من قواعد الاشتباك التي منعت في معظمها حربًا واسعة النطاق. ومنذ عام 1996 حتى عام 2000، وفّر ما يسمّى بتفاهم أبريل بين إسرائيل والجماعة المسلحة، بعض الحماية للبنانيّين من خلال إثبات أنّ أيّ هجمات إسرائيلية على المدنيّين في لبنان ستدفع "حزب الله" إلى قصف البلدات في شمال إسرائيل. وبحلول منتصف عام 2023، كان "حزب الله" قد أمضى أعوامًا في إعادة بناء قدراته الدفاعية والردعية. وقد جمع ترسانة من أكثر من 100 ألف صاروخ، وتفاخر بقدرات جوية وبحرية جديدة، وأقام تحالفًا إقليميًا مع الجماعات العراقية والفلسطينية والسورية واليمنية، لضمان ردّ منسق إذا تعرض أيّ منها للهجوم، ما عزز بشكل كبير ردعها ضد إسرائيل. وفي الأشهر التي سبقت هجوم "حماس" في 7 أكتوبر، كان "حزب الله" في ذروة قدراته ويسعى إلى اختبار حدود إسرائيل. وفي خطاب ألقاه في أغسطس 2023، وجّه نصر الله تحذيرًا مباشرًا لإسرائيل: "أيّ اغتيال على الأراضي اللبنانية يستهدف لبنانيًا أو فلسطينيًا أو سوريصا أو إيرانيًا يستدعي ردّ فعل قويًا. لن نسمح بتحويل لبنان إلى ساحة للاغتيالات، ولن نقبل بأيذ تغيير في قواعد الاشتباك الحالية". توازن غير مستقر بعد أحداث 7 أكتوبر، بدأ "حزب الله" في شنّ هجمات محدودة على القوات الإسرائيلية، على أمل عدم إشعال حرب شاملة. وانطوت مناورات نصر الله على مخاطر محسوبة مصمّمة لمواجهة خصم عقلانيّ وحذر، وليس بلدًا مصدومًا يقوده رئيس وزراء يقاتل فجأة من أجل بقائه السياسي. بعد 7 أكتوبر، تغيّر سلوك نتانياهو عندما واجه ضغوطًا لكسب حرب ضد "حماس" ومع اكتساب شركاء اليمين المتطرف الذين يعتمد عليهم ائتلافه السلطة. وفي أعقاب هجوم "حماس"، خرقت إسرائيل قواعد الاشتباك المعتادة مع "حزب الله" باغتيال العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وشنّت غارات من الطائرات المقاتلة والطائرات بدون طيار التي وصلت إلى شمال شرق لبنان. ولم يستطع "حزب الله" الردّ بالمثل على الفور بسبب موقفه غير المؤكد في الداخل، حيث واجه اللبنانيون العاديون ظروفًا قاتمة بشكل متزايد.مُعدّل الفقر في لبنان وفقًا لتقديرات البنك الدولي، تضاعف مُعدّل الفقر في لبنان بأكثر من 3 أضعاف منذ عام 2012 إلى عام 2022، في حين بات 44% من سكان البلاد يعيشون في فقر. وابتداءً من عام 2019، بدأ الاقتصاد اللبنانيّ في دوامة هبوط أكثر دراماتيكية، حيث وصل معدّل التضخم إلى 4 أرقام وانكمش الناتج المحلّي الإجماليّ بأكثر من النصف. علاوة على هذه الأزمات، أدّى انفجار هائل إلى شلّ مرفأ بيروت في عام 2020، مُخلّفًا 218 قتيلًا وآلاف الجرحى وجلب ما يُقدّر بنحو 8 مليارات دولار من الخسائر الاقتصادية - ما يقرب من ثلث الناتج المحلّي الإجماليّ للبلاد في ذلك الوقت. وأدى الانهيار الاقتصاديّ اللاحق، فضلًا عن عجز وفساد الطبقة الحاكمة اللبنانية، إلى اندلاع حركة احتجاج ضد النخبة السياسية، بما في ذلك "حزب الله". حرب شاملة؟إذا شنّت إسرائيل عملية برية ضد "حزب الله" لإنشاء منطقة عازلة، ومنع المزيد من الهجمات من قبل الجماعة، فمن شبه المؤكد أن الصراع سيطول. ومع ذلك، يدرك "حزب الله" أن حربا واسعة النطاق مع إسرائيل من شأنها أن تعرّض مستقبله ومكانته الإقليمية للخطر، كما يتّضح من رده المنضبط على استفزازات إسرائيل الأخيرة. ووفق المجلة، فإنّ صراعًا بهذه الأبعاد، يُمكن أن يُلحق المزيد من الضرر بمكانة "حزب الله" المحلية، لأنّ لبنان سيواجه ضغوطًا شديدة لإعادة البناء بعد ذلك. وفي المفاوضات لإنهاء المواجهة مع "حزب الله"، طلبت إسرائيل منه الانسحاب خلف منطقة عازلة بطول 10 كلم في جنوب لبنان. وهذا طلب يصعب تلبيته، فأعضاء "حزب الله" يعيشون في هذه البلدات الواقعة في المنطقة العازلة، ومراقبة مثل هذا الانسحاب ستكون صعبة للغاية. ويسعى الحزب إلى الحصول على تنازلات مثل وضع حد للانتهاكات الإسرائيلية للمجال الجوّي اللبناني، وهو أيضًا مطلب رئيسي، بالنظر إلى أنّ إسرائيل تريد الحفاظ على قدرتها على التجسّس على سوريا وضربها.(ترجمات)