لا يزال ملف «الذاكرة التاريخية» يهيمن على العلاقات المتداخلة بين الجزائر وفرنسا، وأكد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في رسالة مؤخرا بمناسبة ذكرى مجازر 8 مايو 1945 "أن ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي بفعل مرور السنوات، ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية، جريئة ومنصفة للحقيقة التاريخية".في حين شدّد الفريق الجزائري في اللجنة الجزائرية-الفرنسية للتاريخ والذاكرة التي عقدت لقائها الخامس بالجزائر العاصمة مؤخرا على الإسراع في تحرير الممتلكات الجزائرية التاريخية الموجودة في فرنسا وتسليمها إلى الجزائر وتحقيق الإجراءات الملموسة التي تعكس الإرادة الحقيقية لمعالجة كل أبعاد المرحلة الاستعمارية من أجل التطلع إلى المستقبل.استرجاع الأرشيف الجزائريوعن أهمية هذه الخطوة، يرى أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر الدكتور رمضان بوغرده أنها تأتي في سياق ضرورة مواصلة المفاوضات في إطار فوج العمل المختلط الجزائري - الفرنسي حول مسألة الأرشيف الذي يمثل بالنسبة للجزائر قضية مبدئية غير قابلة للتفاوض. ويتابع أستاذ التعليم العالي في حديث مع منصة "المشهد" بأن مطالب الجزائر تشمل مجموعة من الممتلكات من بينها:تصر الجزائر على معالجة 4 ملفات رئيسية مع فرنسا تتعلق باستعادة الأرشيف كاملا، واستعادة جماجم ورفات المقاومين، وتعويض ضحايا التجارب النووية وتطهير الأراضي الملوثة بالإشعاعات النووية، والكشف عن مصير المفقودين.استرجاع كل الممتلكات التي ترمز إلى سيادة الدولة الخاصة بالأمير عبد القادر بن محيي الدين (1808-1883)، وهو مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة وبطل المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي.طالبت اللجنة باسترجاع الممتلكات "ذات الدلالات الرمزية والمحفوظة في مختلف المؤسسات الفرنسية والمقترحة للاسترجاع والتسليم بصفة رمزية للجزائر". بالإضافة الى مواصلة إنجاز الكرونولوجيا حول القرن التاسع عشر، والتي تشمل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية. 132 سنة من الاستعمارمن جانبه، أكد الوزير الأول الفرنسي السابق، دومينيك دوفيلبان، أنه من الضروري لفرنسا الاعتذار على جرائمها المرتكبة طيلة 132 سنة من الاستعمار. وصرح دوفيلبان خلال محاضرة بعنوان "المعطيات العالمية الجديدة" بكلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3 الأسبوع الماضي، قائلا:حاليا حتى رئيس الجمهورية الفرنسية، لا يملك تلك السلطة للتعبير عن هذه الاعتذارات. في رأيي يجب أن نجعل منه ماضياً مشتركاً وخطوة بخطوة سنتقدم للأمام شعبا وقادة. تسريع الإجراءات ووفقاً لإعلان الجزائر الموقع في أغسطس 2022 خلال زيارة الرئيس ماكرون الجزائر، تعمل اللجنة المشتركة المكونة من 10 مؤرخين (5 من كل دولة)، على معالجة قضايا التاريخ والذاكرة، وتسوية مشتركة لكل أبعاد المرحلة الاستعمارية. أما بخصوص الممتلكات الجزائرية التاريخية، دعت اللجنة الطرف الفرنسي إلى "رفع انشغالاتها حول استرجاع الممتلكات الثقافية والأرشيفية وغيرها في القائمة المرفقة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والتي وافقت عليها اللجنة الفرنسية بالإجماع والتزمت بتقديمها إلى الرئيس الفرنسي من أجل عودة هذه الممتلكات إلى بلدها الأصلي في أقرب وقت ممكن". وعن المنتظر من هذه اللقاء، يقول النشاط السياسي فيصل الورقلي في حديث مع منصة لـ"المشهد"، سبق لفرنسا أن سلمت الجزائر في عام 2020 رفات 24 مقاوما قُتلوا في بداية الاستعمار الفرنسي للجزائر الذي استمر 132 عاما بين 1830 و1962. ويضيف المتحدث ذاته "غير مستبعد أن تكون هناك مكاسب ميدانية مماثلة في قادم الأيام خصوصا في ظل المفاوضات المستمرة بين البلدين". ويتابع الورقلي قوله إن ملف الذاكرة لا يزال محل سجال سياسي بين الطبقة السياسية الجزائرية ونظيرتها الفرنسية، خصوصا لدى فئة من المتطرفين الذين يرفضون أن تعترف فرنسا بالجرائم المرتكبة في مستعمراتها، و"هو ما دعا إليه سياسيون جزائريون منذ سنوات بمبادرة لسن قانون يجرم الاستعمار".يُذكر أن اللجنة المشتركة للتاريخ والذاكرة بين البلدين اقترحت "مشروع برنامج لقاء علمي حول الأرشيف خلال 2024-2025, وهو التعاون الذي اعتبره الطرفان بأنه سيكون لصالح شباب البلدين"، ومن المنتظر أن تعقد لقاءها السادس بداية شهر يوليو القادم بفرنسا.(المشهد)