تاركة أبناءها الستة في الولايات المتّحدة، دفعت قصص والدها وحب الوطن واللهفة للوجود على ترابها، الصيدلانية غادة إلى نجدة سكان غزّة وزملائها من الكادر الطبي المتطوع الذي بات عمود الخدمة الصحية في القطاع المحاصر والمفتقد لكل شيء يمت للصحة بصلة. أمراض وأوبئة، نسيت البشرية بعضها، تعصف بمدنيّي القطّاع المحاصر لتكمل على من نجا من الموت قصفاً أو قنصاً أو حتى جوعاً وعطشاً، وكل ذلك أمام أعين الصيدلانية الشابة التي باتت مثل أبناء غزة محاصرة هي الأخرى، لتكون شاهدة على ما يعانيه الفلسطينيّون من بؤس وما يبذلونه من شقاء للبقاء على قيد الحياة.أول صيدلانية تدخل غزة تروي الصيدلانية غادة زهير أبو كويك، الأميركية من أصول فلسطينية قصة دخولها إلى قطاع غزّة بأن والدها تهجّر من منزله عام 1948، ومنذ ذلك تنقّل بين عدة دول عربية. تقول أبو كويك "كان والدي يغرس فينا دائماً حب فلسطين وأهلها، لذا بقيت أحلم بالدخول إلى فلسطين، وذهبت في مهمات طبية إلى دول عدة في إفريقيا وأميركا الجنوبية، وعندما علمت أن هناك وفود تذهب إلى فلسطين منذ بداية العام، كنت من أول الراغبين بالذهاب، لكن في البداية كان الأطباء والممرضين فقط من يذهبون، بعد ذلك تم فتح المجال أمام الصيادلة، فكنت أنا أول صيدلانية تدخل إلى القطاع". تتحدث غادة الأم لـ6 أولاد بغصّة أنها لم تستطع حضور تخرج ابنتها، قائلة "تزامن تخرج ابنتي مع وجودي في غزة، كنت قد وعدّتها بأن أكون حاضرة معها، إلّا أن القدر لم يكتب لنا ذلك". مهمة إنسانية وتشرح غادة تفاصيل ذهابها إلى غزّة مشيرة إلى أنها جاءت في 1 مايو، في مهمة طبية مع مؤسسة "باما" (الجمعية الطبية الفلسطينية الأميركية)، لكي تساعد الأطباء والممرضين في مستشفى غزّة الأوروبي، فيما كانت مهمة غادة الأساسية هي فرز وترتيب مخازن الأدوية. تقول غادة إن "الأوضاع في غزّة سيئة جدا، على صعيد القطاع الطبي في المستشفى الأوروبي، الأغلبية هم من المتطوعين، الموظفون لا يشكلون 2%، فمقابل كل موظف يوجد 10 متطوعين، والسبب يعود إلى أن أغلب الأطباء أو الممرضين استشهدوا أو فرّوا من الحرب؛ الكادر الطبي منهك للغاية، فهم يعملون 24 ساعة، قدرة المستشفى الأوروبي اليوم أقل من 30%، لذلك وجودنا في هذا المستشفى يضيف الأمن والأمان ويسهم في سير العمل".الوضع الصحي في غزةعلى صعيد الأدوية والمعدات الطبية تلفت غادة إلى أن "الاحتياجات كبيرة، والمصادر معدومة، وعلى الرغم من وصول مساعدات، إلّا أنها لا تكفي أبدا". تروي غادة "كنت موجودة في العيادة الداخلية مع الأطباء، وفي غرف العمليات والطوارئ والعناية المركزة، وكان من الطبيعي جدا أن يحتاج الطبيب نوع دواء معين ولا يجده، سواء كان ذلك مخدر ألم، أو خافض سكر أو حتى الشاش الذي يستخدم في تضميد الجروح". أما في العيادة الخارجية، "فالوضع ذاته، فالسائد هو عدم توفر الأدوية، فيما يعتبر توفّها وضعاً استثنائياً، حتى أن بعض الأعشاب التي قد تساعد أحيانا كبديل للأدوية غير متوفرة". وتتابع غادة حديثها حول الوضع الصحي العام، قائلة "كل خيمة تقريباً يوجد فيها 10 أشخاص، يوجد اكتظاظ سكاني كبير، يرافقه طقس حار، وانعدام للنظافة نتيجة الظروف المعيشية السيئة، الأمر الذي أدى إلى انتشار التهاب الكبد الوبائي بشكل كبير، كذلك هناك حالات جرب، ولا يوجد علاج أو أدوية لها". فيما تبيّن غادة أن أصعب المواقف التي تتعرض لها هو عدم القدرة على إنقاذ حياة الأشخاص رغم بساطة حالاتهم وذلك بسبب قلة المصادر والأدوية. هذا وأشار تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين إلى أن أحد موظفي الأمم المتحدة وأُصيب آخر قُتل في 15 مايو عندما قُصفت مركبة كانت تقلهما أثناء توجههم إلى مستشفى غزة الأوروبي في خانيونس. بدورها حذّرت منظمة أوكسفام من تزايد خطر تفشي الأوبئة الفتّاكة في غزة، من ضمنها الكوليرا، حيث يؤدي النزوح القسري الجديد واحتدام النشاط العسكري في رفح إلى تفاقم "المزيج القاتل" من الاكتظاظ وتراكم النفايات ومياه الصرف الصحي وسوء التغذية وارتفاع درجات الحرارة.مستشفى الشفاء نتيجة الحرب في غزة، تأثر القطاع الصحي بشكل مباشر، حيث تم استهداف العديد من المستشفيات، وليس ذلك فحسب، بل كان بعضها أرضا للمعارك مثل مستشفى الشفاء، فيما لا تزال إمكانية الحصول على الخدمات الصحية الحيوية تتضاءل في ظل إصدار أوامر إخلاء إضافية واحتدام العمليات العسكرية في المناطق التي توجد فيها هذه الخدمات. وقالت وزارة الصحة في غزة إن النظام الصحي في القطاع على بعد "ساعات" من الانهيار، بعد أن أدى القتال إلى منع وصول شحنات الوقود عبر المعابر الرئيسية. وأضافت الوزارة في بيان: "نحن على بعد ساعات فقط من انهيار النظام الصحي في قطاع غزة بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء في المستشفيات وسيارات الإسعاف ومركبات نقل الموظفين". فيما قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غويتريش الحرب دمرت النظام الصحي في غزة وبعض المستشفيات الآن تشبه المقابر.(المشهد )