بعد ضربات متتالية وجّهتها إسرائيل إلى "حزب الله" المدعوم من طهران وتحوُّل النزاع معه إلى مواجهة مفتوحة، يجد لبنان نفسه أمام توازن صعب بين الولايات المتحدة وحلفائها الساعين إلى تعديل موازين القوى لصالحهم، وإيران التي لن تتنازل بسهولة عن مكتسباتها، كما يرى خبراء.شكّل اغتيال الأمين العام لـ "حزب الله" حسن نصرالله بغارة اسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت أواخر سبتمبر، صدمة في لبنان حيث يعدّ الحزب قوة سياسية وعسكرية نافذة تنامت قدراتها بشكل كبير خلال العقود الماضية. ويوضح المحلل في مركز كارنيغي للشرق الأوسط مايكل يونغ أن لبنان يواجه "تجاذبًا بين إيران... والولايات المتحدة واسرائيل من جهة ثانية". ويضيف أنّ "الأميركيين والإسرائيليين... يحاولون استخدام القوة العسكرية من أجل تغيير توازن القوى في لبنان لصالحهم، ولا شكّ أنّ الايرانيين لن يقبلوا بذلك بدون قتال". فتح "حزب الله" جبهة "إسناد" لغزة وحليفته "حماس" منذ أكتوبر 2023، غداة اندلاع الحرب بين إسرائيل والحركة في القطاع بعد هجوم 7 أكتوبر. وتبادل "حزب الله" وإسرائيل القصف عبر الحدود على مدى العام المنصرم. وحاول الحزب احتواء التصعيد وحصره ضمن هوامش ومناطق حدودية، لكنه أكد الترابط بين وقف النار في لبنان وغزة. لكن تبادل القصف تحوّل الى مواجهة مفتوحة في سبتمبر، مع تكثيف إسرائيل حملتها الجوية ضد مناطق لبنانية عدة خصوصًا معاقل للحزب في الجنوب والشرق والضاحية الجنوبية لبيروت، وبدء عمليات برية "محدودة". وتلقّى الحزب الذي تمدّه إيران بالدعم المالي والتسليحي، سلسلة ضربات من إسرائيل أو منسوبة إليها، مثل تفجير أجهزة اتصال يستخدمها آلاف من عناصره، ومقتل نصرالله والعديد من القادة العسكريين والميدانيين، واستهداف بنى تحتية ومنشآت ومخازن أسلحة عائدة له. "توازن"طرحت الضربات، تزامنًا مع تواصل الحملة الإسرائيلية، أسئلة حول مستقبل الحزب سياسيا وعسكريا. وأكدت واشنطن حليفة تل أبيب، أنها تتطلّع لتغيير في لبنان. وقال وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن في 11 أكتوبر "من الواضح أن الشعب اللبناني يريد لدولته أن تمسك بزمام الأمور وتتحمّل مسؤولية بلدهم ومستقبله". قبله بأيام، دعا رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو اللبنانيين الى "تحرير" بلادهم من حزب الله، والا سيواجهون مصيرا مشابها لغزة. تقول المحللة السياسية، كيم غطاس، إن "رؤية واشنطن لا تتماشى بالضرورة مع رؤية اسرائيل من حيث أهداف الحرب وتكتيكاتها". وتضيف "ترغب واشنطن في أن ترى (حزب الله) أضعف، وربما حتى نزع سلاحه، لكنها تخشى من أن تذهب إسرائيل بعيدا في حملتها العسكرية". في خطوة نادرة، ندّد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي الجمعة بما اعتبره "تدخلا فاضحا" من قبل إيران في شؤون بلاده، بعد تصريحات منسوبة لرئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف. وكان قاليباف زار بيروت الأسبوع الماضي، مثله مثل وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي. واعتبرت الزيارتان بمثابة تعبير عن الدعم لـ"حزب الله" بعد الضربات التي تلقاها. ويقول مسؤول لبناني فضّل عدم كشف هويته إن مواقف المسؤولين الإيرانيين وربط طهران بين وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، أثارت استياء في بيروت. وتلفت غطاس إلى أن "إيران تريد الحفاظ على ما تبقى من مقدّراتها في لبنان وأن تضمن بقاء النظام" في الجمهورية الإسلامية، ولذلك "ينبغي عليها أن تجد توازنا بين مواصلتها دعم (حزب الله)... وأن تؤشر في الوقت عينه الى انفتاحها على الدبلوماسية". تضيف "تسعى إيران لحجز مقعد على طاولة المفاوضات بشأن مستقبل المنطقة". وتستعد إيران لردّ إسرائيلي على هجوم صاروخي شنّته على تل أبيب في الأول من أكتوبر. وحذّرت إيران من أنها ستردّ على أي اعتداء على أراضيها. توازيا، يجري عراقجي منذ أيام جولة إقليمية يكرر فيها موقف بلاده الرافض للتصعيد الإقليمي. وقال ميقاتي الجمعة بعد استقباله نظيرته الايطالية جورجيا ميلوني إن "لبنان يدفع فاتورة غالية ثمن الصراعات الخارجية وما يحصل يجب أن يكون درسا لجميع الأطراف اللبنانية أن النأي بلبنان عن الصراعات الخارجية هو المطلوب"."دروس الماضي" يرأس ميقاتي حكومة تصريف الأعمال في ظل فراغ رئاسي منذ عامين، بفعل مأزق سياسي يعود للتجاذب بين "حزب الله" والقوى السياسية المناهضة له حال دون انتخاب البرلمان رئيسا جديدا للجمهورية. وقال ميقاتي الثلاثاء لفرانس برس "ثمة مساع جدية لانتخاب رئيس جمهورية، نأمل أن تصل إلى نتيجة". وخلال الآونة الأخيرة، دعا زعماء وشخصيات في لبنان القائم على المحاصصة السياسية والطائفية، لا سيما من المناهضين لـ"حزب الله"، إلى الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية، مع تأكيدهم في الوقت نفسه أهمية الوحدة الوطنية، في ما يراه المحللون مسعى لتجنّب إظهار نية استثمار الضربات التي تلقاها "حزب الله"، في السياسة المحلية. ويعتبر يونغ أن "الأحزاب السياسية المناهضة لـ(حزب الله) في لبنان تدرك أن الوضع بالغ الدقة، ولا يريدون استفزاز الطائفة الشيعية (الممثلة سياسيا بحزب الله وحليفته حركة أمل) التي تجد نفسها أصلا معزولة وغاضبة... والمسلحة في الوقت نفسه". أما غطاس فتشير إلى أن "السياسيين يبدو وكأنهم تعلموا الدروس من الماضي"، في إشارة إلى الحرب الأهلية التي امتدت بين العامين 1975 و1990. وخلال تلك الفترة، اجتاحت إسرائيل لبنان وصولا الى بيروت عام 1982، في عملية عسكرية واسعة كان هدفها إبعاد منظمة التحرير الفلسطينية، لكنها تشعّبت إلى مساعٍ لإحداث تغييرات سياسية داخلية، وأدت الى تدخل أطراف عدة وبروز أخرى، منها حزب الله نفسه.(أ ف ب)